راهبة برازيلية تدافع عن اللاجئين تفوز بجائزة نانسن لعام 2024
راهبة برازيلية تدافع عن اللاجئين تفوز بجائزة نانسن لعام 2024
وقالت بعد ظهيرة يوم حار في مدينة بوا فيستا البرازيلية الشمالية، حيث تدعم المنظمة التي تقودها - معهد الهجرة وحقوق الإنسان - اللاجئين والمهاجرين من فنزويلا المجاورة ودول أخرى: "لطالما كنت شخصاً مصمماً للغاية، منذ الطفولة. عندما أتولى أمراً ما، فإنني أقلب العالم رأساً على عقب لتحقيقه".
لالتزامها المستمر منذ عقود بدعم اللاجئين ودورها القيادي في تشكيل سياسات الترحيب بهم في البرازيل، تم اختيار الأخت روزيتا ميليزي للفوز بجائزة نانسن للاجئ لعام 2024 والتي تقدمها المفوضية كل عام.
لا ينبع تصميم الأخت روزيتا من الطموح الشخصي، بل من إيمانها العميق والتزامها بمساعدة الآخرين. لقد غرس والداها الناطقان بالإيطالية هذه القيم في نفسها منذ الصغر، حيث كانا ينهيان كل يوم عمل بالصلاة مع أطفالهما الأحد عشر. وعلى الرغم من قلة المال الذي كانا يمتلكانه، فقد كانا يوفران أيضاً العمل والطعام والفراش للمحتاجين الذين يأتون طالبين المساعدة.
في سن التاسعة، غادرت روزيتا منزل العائلة في ولاية ريو غراندي دو سول الجنوبية لحضور مدرسة دير قريبة يديرها المبشرون السكالابريون. تأسست الجماعة في نهاية القرن التاسع عشر لمساعدة المهاجرين الإيطاليين الذين وصلوا إلى الأمريكتين. وبينما تحول عملها منذ ذلك الحين بعيداً عن تركيزها الأصلي، فقد رسمت هذه المهمة التأسيسية حياة وعمل الأخت روزيتا.
بعد أن نفذت وعدها وأصبحت راهبة في عام 1964 عندما كانت تبلغ من العمر 19 عاماً فقط، أمضت الأخت روزيتا العقدين التاليين في العمل كمعلمة في إحدى المدارس ومديرة مستشفى في مرافق تديرها الجماعة لمساعدة الفقراء. خلال هذا الوقت، ساعد تصميمها في التغلب على التحفظات داخل الجماعة عندما تقدمت بطلب لدراسة القانون، وحصلت في النهاية على درجة الماجستير.
بطلة في نظر اللاجئين
"عندما سألوني لماذا أدرس، كنت أقول: "سأكون محامية للفقراء"، لأن هذه كانت مهمتنا في ذلك الوقت - مساعدة المحتاجين"، موضحة أن "اللاجئين والمهاجرين لم يكونوا بعد جزءًا من الصورة".
لقد ضمنت دراستها للقانون أنه عندما قرر السكالابريون في الثمانينيات العودة إلى جذورهم من خلال مساعدة اللاجئين والمهاجرين، كانت الأخت روزيتا هي المسؤولة عن إنشاء مركز دراسات الهجرة في العاصمة برازيليا.
وقالت: "لم أكن أعرف سوى القليل عن القضايا، لكن كان عليّ أن أستعد. لذلك، بدأت في دراسة موضوع النزوح وقررت تكريس معرفتي للمهاجرين واللاجئين".
من خلال هذا الطريق غير المباشر، فقد برزت بطلة عظيمة في مجال اللاجئين. وقد أثبتت خبرتها وقوتها الناعمة في الإقناع فعاليتها عندما تم اقتراح مشروع قانون اللاجئين في البرازيل في عام 1996. وحشدت الأخت روزيتا الدعم لتوسيع التعريف القانوني للاجئ بما يتماشى مع إعلان قرطاجنة للاجئين لعام 1984، مما يضمن إدراج المزيد من الأشخاص الذين يلتمسون الحماية الدولية في القانون المعتمد في عام 1997. وقد حققت نتائج مماثلة مثيرة للإعجاب أثناء اعتماد قانون الهجرة البرازيلي في عام 2017.
وقالت عن تشريع عام 1997: "أي قانون يستمر لسنوات عديدة. سواء كان جيداً أو سيئاً، من الصعب التراجع عنه. لذلك، لا يمكننا السماح بتمرير قانون محدود إذا كانت هناك إمكانية لتوسيعه. حتى أنني كتبت إلى الفاتيكان في روما، طالبة منهم توجيه رسالة إلى الحكومة البرازيلية تتحدث فيها عن مدى أهمية توسيع مفهوم اللاجئين، وقد بعثوا بالرسالة والحمد لله".
وأكدت لوانا غيماريش ميدوروس، مديرة إدارة الهجرة لدى وزارة العدل والأمن العام البرازيلية، على "الدور الحاسم" الذي لعبته الأخت روزيتا في الموافقة على كلا التشريعين ومساهمتها المستمرة كشريكة مقربة ومستشارة للوزارة.
وأضافت ميدوروس: "إنها شخص مستعد دائماً للمساعدة - بغض النظر عن الحكومة المتولية للسلطة - لتقديم المشورة الجيدة والواقعية والنصائح الملموسة حول كيفية تحسين الأمور بطريقة عملية وإنسانية وترحيبية للغاية. لا أستطيع أن أفكر في أي شخص أفضل منها في البرازيل - أو ربما في العالم - لتلقي هذه الجائزة لأنها كرست عملها حقاً طوال حياتها لقضية اللاجئين".
دور عملي
بالإضافة إلى عملها القانوني، تنسق الأخت روزيتا عمل شبكة تضم حوالي 70 منظمة وطنية تقدم الدعم للاجئين والمهاجرين والمجتمعات المحلية. كما أنها عضو في اللجنة الوطنية للاجئين، ومجلس إدارة المؤسسة السكالابرينية، ونشرت مقالات علمية حول النزوح القسري والهجرة. وقالت: "لقد كانت لدي دائماً القدرة على القيام بثلاثة أو أربعة أو خمسة أشياء في نفس الوقت".
الأهم من ذلك كله، فهي ناشطة إنسانية ملتزمة وعملية، حيث تعمل هي وفريقها في معهد الهجرة وحقوق الإنسان في برازيليا وبوا فيستا بلا كلل لتحسين حياة ما يقرب من 790 ألف شخص ممن يحتاجون إلى الحماية الدولية في البرازيل من 168 دولة مختلفة، بما في ذلك فنزويلا وهايتي وأفغانستان وسوريا والعراق وبوركينا فاسو ومالي وأوكرانيا.
"لا أستطيع أن أفكر في أي شخص أفضل منها .. لتلقي هذه الجائزة"
مثل الأخت روزيتا نفسها، فإن الدعم الذي يوفره معهد الهجرة وحقوق الإنسان عملي ويستند إلى احتياجات اللاجئين. وبدعم من الشركاء، بما في ذلك المفوضية، يساعد المعهد النساء والأطفال والمجموعات الضعيفة بشكل خاص من حيث الوصول إلى الوثائق والمساعدة الاجتماعية وفرص العمل الرسمية. كما يقدم الدعم المالي والمشورة لمساعدة اللاجئين على تنمية أعمالهم الخاصة وتوزيع حزم الصحة والتغذية على الأمهات اللاتي لديهن أطفال صغار.
بالعودة إلى برازيليا، تدير مبنى "كازا بوم ساماريتانو" الكبير من طابقين والواقع في ضاحية خضراء من العاصمة، منظمةAVSI Brazil الشريكة، حيث يمكن لما يصل إلى 90 فنزويلياً في وقت واحد الحصول على السكن ودروس اللغة والتدريب المهني وغير ذلك من أشكال الدعم. وتستقبل الأخت روزيتا - التي يمكن التعرف عليها فوراً من شعرها الأبيض - الموظفين والمقيمين بالاسم، وبفضل سلوكها اللطيف وفضولها الطبيعي، فإن الجميع يشعرون بالراحة.
عاشت إليزابيث تاناري، البالغة من العمر 38 عاماً، وزوجها هناك لعدة أشهر بعد مغادرة فنزويلا في عام 2023. تعلمت اللغة البرتغالية وتعلمت أيضاً التمويل الشخصي قبل أن تؤسس عملها الخاص في العلاج بالتدليك بمساعدة من معهد الهجرة وحقوق الإنسان.
وقالت تاناري: "هنا دعمونا، وأرشدونا، وبعد ثلاثة أشهر، شعرنا بالاندماج في المجتمع البرازيلي. ساعدتنا الأخت روزيتا في شراء المعدات، بما في ذلك طاولة التدليك، حتى نتمكن من بدء العمل. إنها كالقطعة من اللغز التي تجمع كل شيء معاً، وتربط بين المؤسسات الأخرى، وهي دائماً على اتصال بالجميع".
التزام مدى الحياة
وافقت الأخت روزيتا على أن دورها غالباً ما يكمن في توفير نقطة اتصال للآخرين. وأوضحت: "لا يمتلك الكثير من الناس الشجاعة للبدء، لكنهم على استعداد للدعم. لذا، يحتاج شخص ما إلى القيادة حتى نوحد قوانا. عندما تكون هناك حاجة إنسانية، فأنا لست خائفة من التصرف، حتى لو لم نحقق كل ما نريده".
كما تشكل الأخت روزيتا روابط شخصية وثيقة مع العديد من الأشخاص الذين تساعدهم. فقد وصلت جنا الراعي، وهي معلمة سابقة، إلى برازيليا في عام 2014 مع زوجها المهندس وثلاث بنات بعد فرارهم من منزلهم في العاصمة السورية دمشق. وبعد أن استنفدوا مدخراتهم ولم يتمكنوا من التحدث باللغة أو إيجاد عمل منتظم، فكرت الأسرة في العودة إلى سوريا، إلى أن عرفهم أحد الأصدقاء على الأخت روزيتا.
وجدت لهم معلمة برتغالية، وساعدتهم في تأسيس أعمالهم التجارية السورية المزدهرة في مجال توريد المأكولات، والأهم من ذلك أنها أصبحت صديقة دائمة ومصدر دعم للأسرة.
وقالت جنا وهي تضم الأخت روزيتا بكلتا يديها: "عندما يفر شخص ما من بلده بسبب الحرب، فإنه يترك كل شيء خلفه، عائلته، أمه، والده - الجميع. ثم عندما تقابل شخصاً مثل الأخت روزيتا بمثل هذا القلب الطيب، فإنها تمنحك الحب والنصيحة... أنا أناديها "أمي"، ولا أناديها "أخت"، لأنها تمنحني ما أفتقده. عندما أشعر بالضياع، فإنها تعيدني إلى المسار الصحيح... إنها معي دائماً، دائماً".
"إنها كالقطعة من اللغز التي تجمع كل شيء معاً".
في عيد ميلادها الثمانين القادم، اقترحت الأخت روزيتا بابتسامة ساخرة أن يفترض الناس أنها لم تعد لديها أحلام تسعى إلى تحقيقها. وإذا كان الأمر كذلك، فإنهم يسيئون فهم طبيعة التزامها مدى الحياة. واستعرضت خططاً لتعزيز فرص الحصول على التعليم لأطفال اللاجئين، وتحسين الاعتراف بشهادات اللاجئين، ومعالجة التأثير المتزايد لتغير المناخ على اللاجئين والنزوح - في أعقاب الدمار الذي أحدثته الفيضانات الأخيرة في موطنها ريو غراندي دو سول.
بعبارة أخرى، لن تتوقف الأخت روزيتا أبداً عن الحلم بمستقبل أفضل للاجئين والعمل من أجله.
وقالت: "يجب أن يكون لدينا دائماً مدينتنا الفاضلة لأنها تُظهر لنا الأفق. نحن لا نصل أبداً إلى الأفق لأنه كلما تقدمنا، فإنه يبتعد أكثر، لكنه يشير إلى الطريق. إن وجود مدينة فاضلة، ووجود حلم، ووجود قناعة ببناء شيء أفضل أمر أساسي. وهو أمر أساسي للاجئين".