طبيب سوري يكرّس حياته لخدمة النازحين واللاجئين والفقراء
طبيب سوري يكرّس حياته لخدمة النازحين واللاجئين والفقراء
يمارس الدكتور إحسان عز الدين مهنة الطب منذ ما ينيف عن خمسين عاماً، ولا يزال يمضي معظم يومه في عيادته الواقعة في مدينة جرمانا بريف دمشق لتقديم الخدمات الطبية لآلاف الأشخاص من النازحين والفقراء على حد سواء. ولم يكرس هذا الطبيب حياته لمعالجة المرضى فحسب، بل لمنحهم الأمل بالشفاء واسترداد العافية والتطلع إلى المستقبل.
بعد أن أنهى دراسته في جامعة دمشق متخصصاً بالأمراض الداخلية للأطفال في عام 1968، افتتح الدكتور عز الدين عيادته في مدينة جرمانا وتولّد لديه شعور بالمسؤولية نحو خدمة المجتمع والعناية بالمرضى والفقراء، ليكرّس حياته لدعم المستضعفين. وعندما اندلعت الحرب في سوريا، فتح أبواب عيادته للنازحين السوريين.
ويقول الطبيب المولود في محافظة السويداء جنوب سوريا في عام 1943: "لقد اخترت لنفسي أن أهتم بالشريحة المتوسطة والفقيرة، لأنني نشأت في هذه البيئة، ولامست الظروف التي يعيشها هؤلاء الناس عن قرب، فقررت أن أبذل جهدي قدر المستطاع لتقديم خدمة معقولة التكاليف لعدم إرهاقهم مادياً وأن أعتاش عليها في نفس الوقت."
"لقد اخترت لنفسي أن أهتم بالشريحة المتوسطة والفقيرة، لأنني نشأت في هذه البيئة، ولامست الظروف التي يعيشها هؤلاء الناس عن قرب".
خلال أداء عمله، يحرص الدكتور عزّ الدين كل الحرص على الحفاظ على كرامة الناس الذين يقدم لهم المساعدة، إذ اعتاد أن يتفاضى رسوماً رمزية قدرها خمسون ليرة سورية، بحيث يشعر أولئك الذين يتلقون العلاج بأنهم يدفعون ثمن الخدمة المقدمة لهم وأنها ليست بمثابة الصدقة. كما أنه يرفض أن يتقاضى أجراً من أولئك الأشخاص غير القادرين على تحمل أية أعباء مادية، وهم يشكلون حوالي 75% من المرضى الذين يرتادون عيادته يومياً.
ويوضح الدكتور عزّ الدين قائلاً: "خمسون ليرة سورية هو أجر رمزي وأعتقد أنه لا يشكل عبئاً على أي شخص، وبالنسبة لي فإنه مع عدد المرضى الذين أراهم والبالغ عددهم ما بين 100 و150 مريض يومياً، فإن ذلك يشكل مورداً معقولاً يتيح لي ولأسرتي كسب قوتنا."
منذ بداية الأزمة في سوريا قبل أكثر من ستة أعوام، يرتاد آلاف الناس من مختلف الشرائح، من ضمنهم النازحون داخلياً، عيادة الدكتور عزّ الدين، ويقول: "في الوضع الرّاهن، النازحون بحاجة إلى عطفٍ واهتمام أكثر من غيرهم."
في سنوات خلت، قبل اندلاع الأزمة السورية، قدّم الدكتور عزّ الدين خدماته الطبية للاجئين العراقيين وكذلك اللبنانيين. إنه يعمل ليلاً ونهاراً حرصاً منه على حصول المحتاجين على العمليات الجراحية المنقذة للحياة وعلى الأدوية. وبعد انتهاء عمله في العيادة، اعتاد هذا الطبيب الذائع الصيت أن يقوم بزيارات دورية لمرضاه الذين لا يقدورن على الحضور إلى العيادة لإكمال العلاج، ويقدم لهم العلاج والدواء الضروريين، ويقول: "يمرض الناس في النهار وفي منتصف الليل، وبالتالي يجب على الطبيب أن يٌلبي طلب المريض عند الحاجة، وهذا ببساطة ما أقوم به."
"في الوضع الرّاهن، النازحون بحاجة إلى عطفٍ واهتمام أكثر من غيرهم".
وبعد تقديم الاستشارة الطبية، يقدم الدكتور عزّ الدين الأدوية اللازمة للمريض: "أتلقى أدوية بشكل رئيسي من شركات الأدوية، وبعضها من الزملاء، والدواء يوزع بالتساوي ووفقاً للحاجة."
ونظراً للاحتياجات الملحة خلال الأزمة في سوريا، بدأ الدكتور عزّ الدين بالتواصل مع مجموعة من الأطباء المختصين من أجل تقديم المساعدة للنازحين، حيث أنه عندما يتلقى أي حالة بحاجة إلى عمل جراحي، أو رعاية خاصة فإنه يحيلها مباشرة إلى أحد هؤلاء الأطباء: "لدينا عدد كبير من الأطباء الذين يقدمون المساعدة دائماً، وما حققته هو أنني نشرت روح التسامح والعمل الجماعي مع زملائي الأطباء."
في عام 2003، أسس الدكتور عزّ الدين بالتعاون مع زوجته ومجموعة من الزملاء جمعية جرمانا الخيرية بهدف تلبية احتياجات الفئات الضعيفة والفقيرة في مدينة جرمانا والمناطق المحيطة بها. ويقول الطبيب البالغ من العمر 73 عاماً: "أعتقد أن العمل الطبي دون مشاركة اجتماعية لا يعطي نتائج طيبة". ومن خلال هذه المؤسسة الخيرية، أنشأ مشروعاً لكسب العيش في عام 2016، والذي يعود بالفائدة على 150 سيدة تمّ تدريبهنَّ في مجال خياطة وإنتاج ملابس الأطفال، ويتم توزيع 30% من الملابس المنتجة على الفقراء، والباقي يُباع في السُّوق المحليّة.
آلاف الأشخاص من النازحين والمجتمعات المضيفة لهم يستفيدون من الخدمات الطبية التي تقدمها عيادة الدكتور عزّ الدين، وآلافٌ آخرون يستفيدون من العمليات الجراحية عبر شبكة الأطباء التي أسسها ويحصلون على الأدوية مجاناً.
ومع مرور الأزمة السورية في عامها السابع، تستمر الأوضاع الإنسانية بالتدهور مع تزايد الاحتياجات الإنسانية التي ينتظر تلبيتها. وتُشير التقديرات إلى وجود 6.3 مليون شخص نازح داخلياً في سوريا، أي ما يقارب نصف عدد السكان الكلي، ولا يزال الحصول على الرعاية والمستلزمات الطبية ضئيلاً وغير كاف. ويقدر أيضاً أن تكون 58% من المستشفيات العامة، و49% من مراكز الرّعاية الصّحية تعمل إما جزئياً، أو مغلقة بشكل نهائي.
وفي نظر الكثير من السوريين، فإن الدكتور عز الدين هو رمز الأمل وهو شخصٌ استثنائي يدعم أولئك الذين فقدوا كل شيء ويعتبر مصدر إلهام للكثيرين، ويقول: "أي شخص قادر على العطاء يجب أن يعطي، وأكثر الأشياء التي أطمح أن أحققها هي روح العمل الخيري والعمل الجماعي والعمل االتطوعي."