ما دور المفوضية بين أوائل المستجيبين لحالات الطوارئ حول العالم؟
ما دور المفوضية بين أوائل المستجيبين لحالات الطوارئ حول العالم؟

عمّال يفرغون مواد الإغاثة في حالات الطوارئ التي تقدمها المفوضية ليجري توزيعها على اللاجئين السودانيين في موقع مادجيغيلتا في تشاد (مايو 2023).
عندما تندلع الحروب، أو تضطرم الصراعات القائمة مجدداً، أو تضرب الكوارث، يُضطر السكان للتخلي عن بيوتهم وكل ما بحوزتهم دون سابق إنذار. وفور وصولهم أخيراً إلى بر الأمان – إن تمكنوا من ذلك أصلاً – يجدون أنفسهم وليس في جعبتهم سوى بعض الأمتعة التي يحملونها على ظهورهم.
في مثل هذه الحالات، تقع على عاتق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولية أن تكون على أهبة الاستعداد لضمان حصولهم على المساعدة والدعم اللذين يحتاجونهما.
تتولى مفوضية اللاجئين الاستجابة للأزمات الإنسانية منذ تأسيسها قبل نحو 75 عاماً، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وفي العام الماضي وحده، استجبنا لـ43 حالة طوارئ، بما فيها 26 حالةً جديدة. ومن خلال طواقم عملنا الحاضرة في 130 دولةً، ومخزوناتنا من مواد الإغاثة الموّزعة بشكلٍ استراتيجي في مستودعاتنا المنتشرة حول العالم، فإننا قادرون على حشد الموارد – من طواقم العمل المدربة والإمدادات الكافية لتلبية احتياجات مليون شخصٍ – خلال 72 ساعةً فقط من اندلاع حالات الطوارئ.
كيف نحافظ على جهوزيتنا؟
تعتمد الاستجابة على هذا المستوى وبهذه السرعة على الاستعدادات التفصيلية الدقيقة، حيث تراقب مكاتبنا حول العالم بشكلٍ مستمرٍ أحدث التطورات – مثل حالات تزعزع الاستقرار السياسي، والصراعات ومخاطر الظواهر الجوية القاسية والمخاطر الطبيعية – لتقييم إمكانية اضطرار أعدادٍ كبيرةٍ من الأشخاص للفرار واحتياجهم إلى المساعدة. وحيث توجد مثل هذه المخاطر، نعمل مع الحكومات وسواها من الشركاء لتطوير الخطط الاحترازية، وتعزيز قدرتهم على الاستجابة لحالات الطوارئ.
نحرص على ضمان أن تكون مستودعاتنا مليئةً بمواد الإغاثة الأساسية كالخيم والبطانيات وحصائر النوم. وبالإضافة إلى مستودعاتنا العالمية في الكاميرون والدنمارك وغانا وكينيا وبنما والإمارات العربية المتحدة، نحرص على حشد المخزونات في أماكن قريبةٍ من المناطق التي تشتد فيها المخاطر، وهو ما قمنا به في لبنان في عام 2024، قبيل تصعيد الغارات الجوية الإسرائيلية، وفي أوكرانيا والدول المجاورة لها قبيل الغزو الروسي الشامل للبلاد في عام 2022.

إحدى موظفات المستودعات لدى المفوضية في العاصمة اللبنانية بيروت وهي محاطة بحزم المساعدات الإنسانية (أكتوبر 2024).
نحرص – كلما أمكن ذلك – على تنفيذ الترتيبات بحيث نتمكن بسرعة من توفير المساعدات النقدية عند حدوث الأزمات. ونساعد المجتمعات المعرضة لمخاطر الاضطرار للفرار في الاستعداد لأسوأ الأحوال، من خلال العمل لكي يكونوا على معرفة بأحدث المعلومات الضرورية، وضمان توفر الخدمات – مثل الحماية والإيواء والصحة والتعليم – لهم في المناطق التي من المرجح استضافتهم فيها.
علاوةً على ذلك، تمتلك المفوضية منصةً كفاءاتٍ تضم بيانات الموظفين المدربين بشكلٍ جيد، أي الفريق التابع لقائمة الاستعداد لحالات الطوارئ، الذين يكونون على أهبة الاستعداد للتحرك فوراً، والتوجه إلى أي مكانٍ حول العالم خلال 72 ساعةً، علماً بأنهم يكمّلون قدرات طاقم عملنا حول العالم – الذي تنتشر نسبة 91 في المائة من أفراده أصلاً في المواقع الميدانية – وذلك من خلال الخبرة التي يمتازون بها في مجالاتٍ متعددة، مثل إدارة المخيمات والرعاية الصحية والشؤون اللوجستية. يتلقى أفراد الفريق التابع لقائمة الاستعداد لحالات الطوارئ أيضاً التدريبات الإضافية على تقديم الإسعافات الأولية، والتصدي للتهديدات الأمنية، وكيفية العمل في البيئات المعقدة والصعبة.
وتقول فيفيان نيمي، رئيسة مكتب المفوضية الميداني في شمال كوستاريكا، وعضوة الفريق التابع لقائمة الاستعداد لحالات الطوارئ: "يساعد التدريب الذي نتلقاه في إعدادنا عاطفياً ونفسياً للعمل في أوضاع تشتد فيها الضغوطات".
كانت نيمي تتابع عن كثب التطورات التي يعيشها لبنان في أكتوبر الماضي، عندما تلقت اتصالاً باختيارها للتوجه إلى البلاد، وتولي تنسيق خدمات الحماية. وقالت: "لقد كنت راضيةً بتمكني من مد يد العون هناك، لكن كان عليّ أيضاً مراعاة مشاعر أسرتي وإدارتها.. أخبرت والدتي بأنني متجهة إلى مكان آمنٍ بالكامل، إلا أنني كنت أعلم في قرارة نفسي بأنه ما من مكانٍ آمنٍ بشكل تام".
كيف نستجيب عند وقوع حالات الطوارئ؟
ضمان إمكانية الوصول إلى بر الأمان
تتمثل الأولوية عند بدء حالات الطوارئ في ضمان تمكين السكان من الوصول إلى بر الأمان. وقال سايمون غيرماو، مسؤول حالات الطوارئ لدى المفوضية: "يبدأ عملنا بتوفير خدمات الحماية – أي ضمان تمكين المجتمعات، أثناء فرار أفرادها من إحدى المناطق، من الوصول إلى ممراتٍ آمنة للعبور إلى بلدانٍ أخرى، والوصول إلى سبل اللجوء".
عندما تبدأ أعداد كبيرة من السكان بالفرار عبر الحدود، ينطلق طاقم عملنا لضمان تمكينهم من العبور بأمان، ولاستنباط مزيدٍ من المعلومات حول الأوضاع التي تضطرهم للفرار، ومعرفة المزيد حول الظروف التي مروا بها على طول الطريق. وعندما تستدعي الضرورة، نطلب من الحكومات السماح بدخول اللاجئين إلى أراضي بلدانها وعدم إعادتهم إلى بلدانهم حيث تكون حياتهم معرضةً للخطر، أو إلى مكانٍ نعتقد بأنهم قد يتعرضون فيه للإساءة أو التعذيب.
تقديم المساعدات الإغاثية
غالباً ما تكون الأولوية التالية متمثلة في إنشاء مراكز إيواءٍ مؤقتةٍ، نتمكن فيها من تلبية الاحتياجات العاجلة للمواد الغذائية والمياه والنظافة والرعاية الصحية الأساسية والمأوى.
ونسارع لتزويد الأسر بحزمٍ تتضمن مواداً ضروريةً مثل البطانيات لكي ينعموا بالدفء، والخيام أو الأغطية البلاستيكية التي تقيهم من العوامل الجوية، والمستوعبات التي يخزنون فيها المياه النظيفة.
نعمل أيضاً على تسجيل وتوثيق الواصلين الجدد – وهو أمر يبدو وكأنه نشاطٌ إجرائيٌ بحت، ولكنه يلعب دوراً حيوياً في حصولهم على الدعم الإضافي على مدى الأسابيع والأشهر التالية، وفي تلافي حالات الاحتيال ودعم عملية إدارة الحدود. وأثناء أدائهم لهذه المهمة، يعمل أعضاء فريق عملنا على تحديد الأشخاص المحتاجين للمساعدة المتخصصة، مثل الأطفال المنفصلين عن ذويهم، أو النساء في مراحل متقدمة من الحمل، أو الناجين من التعذيب. وتجري إحالتهم بعدها لتلقي العلاج الطبي والإرشاد والمساعدة القانونية أو أي صيغة من صيغ الدعم التي يحتاجونها.
وأضافت نيمي: "أول ما علينا القيام به هو جمع المعلومات.. ومن ثم مشاركتها مع الشركاء لنتمكن من تحديد الاحتياجات الملحة والتركيز على تلبيتها".
توفير مأوى مؤقت
نساعد، في أسرع وقت ممكن، على نقل اللاجئين إلى مواقع آمنة بعيداً عن الحدود، حيث يمكنهم الحصول على المزيد من الخدمات وإيجاد مأوىً على المدى الطويل. كما نعمل مع السلطات لإيواء اللاجئين في المدن والبلدات والقرى حيث يمكنهم عيش حياة طبيعية.
وعوضاً عن البدء من الصفر، نعمل مع الحكومات والشركاء التنمويين لتوسيع وإصلاح البنى التحتية القائمة – مثل المدارس والعيادات والطرق وشبكات المياه؛ الأمر الذي يعود بالنفع على المجتمعات والاقتصادات المحلية، ويُسهّل على اللاجئين إمكانية الحصول على الخدمات، أو إيجاد عمل، أو بدء مشاريعهم الخاصة.
تنتقل الغالبية العظمى من اللاجئين (نحو 78 في المائة منهم) إلى المدن والبلدات، ولكن عندما يتعذّر ذلك، فإننا نساعد في تصميم المخيمات أو المواقع التي فيها مآوٍ مستدامة تتحمل عوامل الطقس القاسية، وحيث يمكن للاجئين إيجاد المياه النظيفة والمراحيض والمرافق الصحية وفرص كسب الرزق.
العمل مع الشركاء
يعد التعاون مع مجموعة واسعة من الشركاء أمراً بالغ الأهمية، حيث نجمع السلطات الوطنية والمحلية بوكالات الأمم المتحدة الأخرى، والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، والمنظمات التي يقودها اللاجئون، ونعمل معاً لتحديد الاحتياجات ووضع الأولويات.
يصف غيرماو المفوضية بأنها "محفّز لضمان انخراط كافة الأطراف المعنية بعملية الاستجابة لحالات الطوارئ".
وبينما نقود الاستجابة الشاملة للاجئين، تتولى منظمات أخرى زمام المبادرة في مجالات محددةٍ بناءً على خبراتها. على سبيل المثال، يُعد برنامج الأغذية العالمي شريكنا الرئيسي في توفير الغذاء للاجئين، بينما نعمل غالباً مع منظمة اليونيسف في مجال حماية الأطفال وتوفير التعليم لهم.
حشد التمويل
على الرغم من أننا نتلقى تمويلاً سخياً من الأفراد والشركات وداعمي العمل الخيري، إلا أن التبرعات الطوعية من الحكومات تمثل معظم التمويل الوارد لدعم عملنا. يُخصّص جزء كبير من هذا التمويل لاستخدامات محددة، بينما نعتمد على تبرعات مرنة غير مقيدةٍ لتمويل عملنا عند وقوع حالات طوارئ جديدة. يُمكّننا ذلك من نقل التمويل مباشرةً إلى فرقنا المحلية لتتمكن من إنشاء المآوي، وتقديم المساعدات، وتسجيل الأشخاص المحتاجين لدعمنا.
نسعى باستمرار إلى إيجاد سبلٍ لزيادة حجم هذا التمويل، فعلى سبيل المثال، نعمل على توسيع نطاق تعاملنا مع الموردين المحليين لمواد الإغاثة بغرض توفير نفقات الشحن، ونستخدم بصمة العين أو بصمة الإصبع عند تسجيل اللاجئين لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها فقط، والحد من حالات الاحتيال.

يتحدث أحد أفراد فريق عمل المفوضية مع العائلات الواصلة من لبنان إلى معبر جديدة يابوس الحدودي في سوريا (سبتمبر 2024).
إذا لم يتوفر لدينا التمويل اللازم للاستجابة لإحدى حالة طوارئ، فستكون العواقب وخيمة، كما أشارت نيمي، مسؤولة الحماية التي أوفدتها المفوضية إلى لبنان. وأضافت: "إن نقص الموارد يؤدي إلى تمكيننا من إنقاذ عدد أقل من الأرواح.. يعني ذلك عدم توفر الملابس الدافئة للأطفال، ويعني وجود أشخاصٍ دون مأوى، يمكثون في العراء، حتى وإن كانت الحرارة لا تتجاوز 5 درجات مئوية... وفي كل مرة لا تتوفر فيها لدينا الموارد الكافية، يُترجم ذلك إلى خسائر في الأرواح".
إن لم تتوفر المساعدة، فقد لا يجد من اضطروا للفرار خياراً سوى مواصلة التنقل، كما قال جيرماو، وأضاف: "يؤدي ذلك إلى توسّع رقعة الأزمة لتشمل مناطق أخرى... الأمر الذي سيضاعف من تأثيراتها".
يواجه ملايين اللاجئين والنازحين حول العالم خطر فقدان إمكانية الوصول إلى المساعدات الضرورية بسبب الخفض الحاد في حجم التمويل الإنساني عالمياً. تمتاز مفوضية اللاجئين بالخبرة والتجربة والعزيمة لمواصلة حماية الأشخاص المضطرين للفرار، لكننا بحاجة ماسة إلى تعزيز مساهمات المانحين – أفراداً وشركاتٍ وحكوماتٍ. تبرعوا اليوم لمساعدتنا في الوصول إلى الأشخاص من الفئات الأكثر ضعفاً، فذلك يسهم في إنقاذ الأرواح.