العنف في السودان يجبر لاجئي جنوب السودان على العودة إلى البلد الذي فروا منه
العنف في السودان يجبر لاجئي جنوب السودان على العودة إلى البلد الذي فروا منه
كانت الكير تدرس علوم الكمبيوتر في جامعة إفريقيا الدولية في الخرطوم وكانت تخطط للتحول إلى دراسة علم الأحياء قبل اندلاع العنف في 15 أبريل. وقد أوت هي وعائلتها داخل منزلهم والرعب يسيطر عليهم، فيما كان القتال محتدماً في الشارع، وكانوا يسمعون أصوات الطلقات النارية والغارات الجوية.
مات الكثير من الناس، ولم يدفنوا الجثث
وقالت: "مات الكثير من الناس، ولم يدفنوا الجثث الملقاة في الشارع".
خلال فترة من الهدوء الذي تخلل القتال، انتهزوا فرصتهم للنجاة بأنفسهم. استقلوا حافلة، تاركين كل شيء وراءهم بحثاً عن الأمان في جنوب السودان، وهو البلد الذي فروا منه منذ ما يقرب من عقد من الزمان في ذروة حرب أهلية ضارية.
وقالت الكير: "كنت أقول لنفسي أنني سأضطر لمغادرة الخرطوم بعدما انتهي من الجامعة والبحث عن عمل، لكنني لم أتخيل أن تندلع الحرب".
منطقة حدودية تحت الضغط
كان هناك حوالي 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يعيشون في السودان، ولكن منذ اندلاع العنف في الخرطوم وانتشاره بسرعة إلى مناطق أخرى من البلاد، عبر ما يقرب من 46 ألفاً إلى البلد الذي فروا منه ذات مرة. تقطعت السبل بالعديد منهم الآن في الرنك حيث الخدمات محدودة للغاية والوكالات الإنسانية تتسابق من أجل توسيع نطاق مساعداتها الطارئة.
تساعد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نقل الأشخاص من الحدود إلى مركز مؤقت أنشأته مع شركاء إنسانيين آخرين. هناك، يتم تزويد الوافدين الجدد بالمواد الأساسية مثل الطعام والماء والبطانيات والحصير والدلاء، بالإضافة إلى العلاج الطبي في حالات الطوارئ. تقوم المفوضية أيضاً ببناء مآوٍ جماعية لإيواء أكثر من 500 شخص من الفئات الأكثر ضعفاً، بالإضافة إلى إنشاء مراحيض لحالات الطوارئ.
لكن حالة الطوارئ الجديدة هذه تتسبب بإرهاق جهود الاستجابة الممتدة والتي تعاني أصلاً من نقص التمويل في بلد لا يزال يعاني من الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية الدامية التي استمرت سبع سنوات والتي انتهت في عام 2020. ولا يزال أكثر من 2.2 مليون شخص في عداد النازحين داخلياً بسبب الصراع والآثار المترتبة عن تغير المناخ، بينما يحتاج ثلاثة أرباع السكان إلى المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، يستضيف جنوب السودان أكثر من 300,000 لاجئ من السودان ودول أخرى.
ينتاب القلق وكالات الإغاثة إزاء التأثير الأوسع نطاقاً للصراع في السودان على الأوضاع في الولايات الشمالية في جنوب السودان، والتي تعتمد على السودان في الحصول على العديد من السلع الأساسية والمواد الغذائية. وقد أدى الصراع حتى الآن إلى تعطيل التجارة عبر الحدود، مما أدى إلى ارتفاع أسعار مواد السوق والوقود في الرنك، وإلى حدوث ندرة في مياه الشرب المعبأة وغيرها من الضروريات.
خيارات محدودة للنقل
في الوقت نفسه، دمرت الفيضانات الناجمة عن تغير المناخ الكثير من البنى التحتية للطرق المحدودة أصلاً في شمال جنوب السودان. بالنسبة لأولئك العائدين الذين يأملون في السفر إلى مناطقهم الأصلية، فإن خيارات النقل محدودة وبعيدة عن متناول معظمهم.
وقالت ليليان ساباسي، مسؤولة الحماية في المفوضية: "المفوضية هنا، وهي تساعد في نقل الأشخاص إلى المراكز المؤقتة الخاصة بنا، ولكن بدون موارد إضافية، سيكون من الصعب نقلهم إلى أماكن أبعد".
أنفق مالوال مايوم دينغ وعائلته معظم الأموال التي كانت لديهم لشراء تذاكر الحافلة للخروج من السودان. وقال: "كان كل شخص واحد يكلف 35 ألف جنيه سوداني [58 دولاراً]، ونحن ثمانية، لذلك كان الأمر مكلفاً للغاية. لقد استغرق الطريق منا يومين للمجيء إلى جنوب السودان".
قطعوا المرحلة الأخيرة من الرحلة في عربة يجرها حمار، مكدسة بما تبقى من حاجياتهم الوحيدة.
نحن نفر الآن مرة أخرى، إلى ديارنا
مثل الكير، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يفرون فيها من الصراع. وقال مالوال: "في عام 2016، هربنا من جنوب السودان بسبب الأزمة، وأصبحنا لاجئين في السودان. كنا نسعى للأمان. والآن فإننا نفر مرة أخرى، عائدين إلى ديارنا".
سوف يعودون إلى منطقة شمال بحر الغزال، على بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب الغربي، لكن ليس من الواضح كيف سيصلون إلى هناك. وحتى الاتصال بأفراد الأسرة هناك صعب بسبب ضعف شبكة الهواتف المحمولة.
من المرجح أن يجد أولئك القادرون على العودة إلى مناطقهم الأصلية مجتمعات تعاني من الضعف الشديد نتيجة لتغير المناخ والصراع وانعدام الأمن الغذائي.
وقالت سباسي: "كان جنوب السودان يواجه أزمة إنسانية كبيرة. وقد يؤدي العدد الكبير وغير المخطط له من موجات العودة الجديدة إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية التي تعاني أصلاً وإلى تفاقم الأزمة".
تأمل ألكير وعائلتها في العودة إلى منزلهم في مقاطعة ملوت، الواقعة في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان. وقالت: "قبل اندلاع [العنف] في الخرطوم، كان لدي الكثير من الخطط. أردت دراسة علم الأحياء لأصبح طبيبة وأعمل لمساعدة الناس".
وأضافت: "الآن لا أعرف. طالما أنني ما زلت على قيد الحياة، لا يزال لدي فرصة لفعل شيء ما".