لا تنسوا.. اللاجئون هم أشخاص حقيقيون وراء الأرقام
لا تنسوا.. اللاجئون هم أشخاص حقيقيون وراء الأرقام
مقالة بقلم *يسرى مارديني
كان الشهر الماضي أشبه بالدوامة، إذ شهد نشر مذكراتي بعنوان "الفراشة" في 17 بلداً و11 لغة. ولكن هذه الأسابيع الأخيرة الحافلة بدأت برحلة إلى صقلية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أمثلها كسفيرة للنوايا الحسنة. كانت رحلة مؤثرة بالنسبة لي حيث التقيت بلاجئين كثيرين قاموا برحلات صعبة للوصول إلى بر الأمان. زرت مراكز للدعم ومشاريع ينفذها المجتمع المحلي وأمضيت بعضاً من الوقت أيضاً مع خفر السواحل الإيطالي المذهلين الذين يُعنون بالواصلين عبر البحر من ليبيا.
بالنسبة لي، فإن عمل المفوضية وولايتها عزيزان على قلبي. ففي عام 2015، أصبحت أنا نفسي لاجئة، وأُجبرت على مغادرة منزلي في سوريا بسبب الحرب. وبرفقة شقيقتي الكبرى، قمت برحلتي إلى بر الأمان في أوروبا. صعدنا أنا وسارة على متن زورق على الساحل التركي مع 18 لاجئاً آخرين كانوا أيضاً مستميتين من أجل النجاة من الحروب والصراعات. وكغالبية القوارب التي تتخذ الرحلة نفسها، كان قاربنا مكتظاً بصورة خطيرة إذ كان عدد الأشخاص على متنه يفوق بثلاث أضعاف العدد الذي بمقدوره استيعابه. وكما يحدث للكثير من القوارب الأخرى التي تشق طريقها إلى اليونان، تعطل المحرك وبدأ القارب يمتلئ بالمياه.
الكثير ممن كان على متن قاربنا لم يكونوا يجيدون السباحة، على عكسي أنا وشقيقتي، حيث أننا تعلمنا السباحة في سوريا وخضنا منافساتها منذ نعومة أظفارنا. لم يكن أمامنا خيار سوى القفز في البحر ومحاولة إبقاء القارب الصغير عائماً بمساعدة لاجئَين آخرَين. سبحنا لإنقاذ حياتنا وحياة من كانوا على متن القارب وأمضينا أكثر من ثلاث ساعات ونصف في محاولة لدفع القارب وتوجيهه نحو جزيرة ليسفوس اليونانية.
وبينما كنا في البحر، حاولت جاهدة أن أكون إيجابية. كان الأمر في غاية الصعوبة، فقد كنا نعلم جميعاً بأن العديد من الأشخاص لقوا حتفهم في رحلات العبور هذه. كان الجميع يتضرعون من أجل النجاة وكنت واحدة منهم. خالجتنا أنا وشقيقتي الفكرة نفسها وقلنا: نحن سباحتان وسيكون من المعيب أن نموت في البحر.
عندما وصلنا إلى اليونان أخيراً، شققنا طريقنا براً إلى برلين، وانضممنا إلى أكثر من مليون لاجئ آخرين تدفقوا إلى أوروبا في ذلك العام هرباً من الصراع والاضطهاد والاضطرابات السياسية.
سوف تبقى ذكريات تلك الرحلة ترافقني، ولكنني لست الوحيدة التي لديها ذكريات كهذه. ففي الرحلة التي قمت بها مؤخراً إلى صقلية، سمعت قصص اللاجئين الذين قاموا بالرحلة الخطيرة من شمال إفريقيا إلى إيطاليا. وحالها حال رحلتي، كان يطغى على رحلتهم أيضاً خطر ويأس مطلقان.
زرت مركز استقبال مؤقت للنساء في مدينة ميسينا كانت تديره مجموعة من الراهبات، وكانت الفتيات والنساء اللواتي التقيت بهن هناك من نيجيريا وإريتريا وغينيا وكوت ديفوار، وجميعهن قمن برحلة العبور الخطيرة من ليبيا عن طريق البحر الأبيض المتوسط ووصل معظمهن وليس بجعبتهن أي شيء سوى الرغبة والإصرار على بدء حياة جديدة. كان الاستماع لقصصهن صعباً ومفطراً للقلب. حاولت منحهن القوة والأمل، وأنا أدرك بأن قصصهن ستبقى في ذهني لوقت طويل.
من بين النساء اللواتي التقيت بهن، امرأة تدعى ريتا، وهي أمٌّ شابة غادرت نيجيريا عندما كان عمر ابنتها أكيلا عاماً واحداً فقط. تعرض زوج ريتا للقتل بعنف في نيجيريا، فقررت الفرار سعياً لإيجاد الأمان. روت لي قصة رحلتها المروعة ووصفت الصعوبات التي واجهتها للبقاء على قيد الحياة وكيف رأت أصدقاءها وهم يُقتلون، ولكنها لم تنسَ أن تذكر أيضاً لحظات الأمل التي عاشتها بحصولها مثلاً على المساعدة من أحد الرجال لتحمل ابنتها على متن القارب، ومن الإيطاليين والمفوضية حالياً. وأنا سعيدة جداً لأن ابنتها ستكبر بأمان مع عائلة تحبها.
أعرف مدى صعوبة أن يكون المرء لاجئاً وأن يقول بأنه لاجئ، لذا فقد كنت مسرورة جداً عندما فتحت لي النساء قلوبهن. عندما روين لي قصصهن رويت لهن قصتي أيضاً. ولكنني أشعر بأن قصتي لا تُقارن بقصص بعضهن. امرأة أخرى تُدعى غلوري وقعت ضحية الإتجار من نيجيريا وأمضت ستة أشهر وهي تحاول العبور من ليبيا. قامت بالرحلة مع صديقتها المقربة التي توفيت نتيجة النقص في الطعام والمياه عند عبورهما الصحراء للدخول إلى ليبيا. من الصعب جداً الاستمرار عندما تختبر ما مرت به تلك المرأة. هؤلاء النساء يتمتعن بشجاعة وقوة لا مثيل لهما.
زرت أيضاً مركزاً للشباب اسمه "مركز تجمع الأطفال" وهو مركز يعنى بإدماج الأطفال الإيطاليين من المجتمع المحلي والأطفال اللاجئين وطالبي اللجوء، حيث أن هناك أكثر من 1 من 10 من الواصلين عبر البحر أطفال غير مصحوبين. ومن بين هؤلاء كان هناك إلسا الصغيرة العزيزة، وهي فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً من إريتريا. وصلت إلى إيطاليا منذ خمسة أشهر بعد أن غادرت منزلها بمفردها عندما كانت في السابعة من العمر للالتحاق بشقيقتها البالغة من العمر 19 عاماً والتي كانت في مخيم للاجئين في إثيوبيا. عبرتا البحر الأبيض المتوسط معاً ولكنهما انفصلتا عندما نزلتا من القارب. لدى إلسا أخٌ لاجئ في ألمانيا، ويحاول موظفو مركز الشباب تنظيم أوراقها للم الشمل. عندما سمعت قصتها شعرت بالحزن وانفطر قلبي لأنها بذلت الكثير من الجهد ومرت بالكثير من المصاعب وهي الآن وحدها في إيطاليا، وكم أردت أن أساعدها.
لقد ساعدتني زيارتي إلى إيطاليا مع المفوضية ولقائي باللاجئين وطالبي اللجوء وبأفراد خفر السواحل الإيطالي، على فهم ما يعنيه أن أكون سفيرة للنوايا الحسنة للمفوضية التي تتمثل ولايتها بحماية اللاجئين حول العالم ومساعدتهم على بناء مستقبل أفضل. ليست هذه بالمهمة السهلة. فأنا أجد صعوبة في النوم ليلاً أحياناً بعد سماع قصص الناس واللاجئين الذين يسمحون لي بدخول حياتهم لأشعر بأنني فرد من أفراد عائلاتهم.
ولكنني أريد أن أعرف أكثر عن العالم. أنا أتعلم الكثير من اللاجئين وعنهم والآتين من بلدان ومناطق في العالم لم يكن لدي فكرة عما يحدث فيها من قبل. أريد أن أستعمل صوتي لأظهر بأن اللاجئين أشخاص عاديون لديهم آمال وأحلام مثلنا جميعاً وهم يستحقون الحصول على فرصة.
مع وجود 66 مليون شخص حول العالم ممن أُجبروا على الفرار من منازلهم، قد يكون من السهل جداً نسيان أنهم أشخاص حقيقيون، أشخاص كريتا أو إلسا أو مثلي أنا، وراء كل هذه الأرقام والإحصائيات والتقارير. كسفيرة للنوايا الحسنة للمفوضية، يمنحني دوري منصة تسمح لي بأن أروي قصتي وقصة أقراني من اللاجئين وفرصة لنشر الرسالة المتمثلة في أن المفوضية تحتاج إلى الدعم والتمويل لتتابع عملها الأساسي والمنقذ للحياة لصالح اللاجئين حول العالم. كما يتيح لي عملي أن أتحدث مع الجمهور والمجتمعات والحكومات والقادة وأقول بأن الجميع بإمكانهم القيام بالمزيد وبأنه يتعين علينا جميعاً الوقوف #مع_اللاجئين.
*يسرى مارديني هي سفيرة النوايا الحسنة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.