تهريب البشر يزيد معاناة اللاجئين والمهاجرين في النيجر
تهريب البشر يزيد معاناة اللاجئين والمهاجرين في النيجر
أغاديز، النيجر - يعرف دانيال تماماً مخاطر الطريق إلى ليبيا. وبينما يتذكّر رحلته من بلده الأم الكاميرون، يروي التفاصيل والتوتر بادٍ في مظهره وحديثه ونظراته الحائرة، في حين تظهر ابتسامة على وجهه من وقت إلى آخر. ليست الحماسة سبب حركته المستمرة بل اليأس.
إنه رجل اعتاد التنقل، إذ غادر ذو الـ26 عاماً وطنه في وقت سابق من هذا العام مع أخيه التوأم وعمه، وذلك بهدف الوصول إلى ليبيا ومن ثم أوروبا، ولكن تعسّرت رحلة الرجال الثلاثة جداً - كما هي الحال بالنسبة لآلاف الأشخاص الآخرين - بعد وقوعهم في أيدي مهربين لا يعرفون الرحمة.
ويقول دانيال: "عندما وصلنا إلى ليبيا، أخبرنا السائق أنه علينا أن ندفع مبلغ 1,500 دينار إضافي (1,100 دولار أمريكي) للشخص الواحد، أي 4,500 دينار عنا جميعاً. لم يكن لدينا المزيد من المال، فحاولنا شرح ظروفنا، ولكنهم لم يقبلوا سماعنا".
ويضيف دانيال أنه - بسبب عدم دفعهم للمال - تم إلقاؤهم في أحد مراكز الاعتقال غير الرسمية في ليبيا، كما تعرضوا للضرب بالأسلحة.
ويشرح قائلاً: "تعرضنا للتعذيب، وألقي بنا في مجمعٍ سُمح فيه للمحتجزين الآخرين بالخروج، ولكن ذلك كان ممنوعاً علينا لأنهم كانوا يعتقدون أننا قد نهرب".
من ثم أُعيد إلى هنا، إلى النيجر المجاورة، حيث أُجبره خاطفوه الليبيون على العمل القسري، في حين ظلت أسرته رهينة عبر الحدود. عندما أطلقوا سراحه أخيراً، بعد شهرين، لم يكن لديه أي مال، ولا مكان ليذهب إليه، وطُلب منه أن يدفع فدية.
قادت الرحلة المروعة دانيال على طول مسار للقوافل عمره آلاف السنين يتجه نحو البحر الأبيض المتوسط، وتركته على مفترق طرقٍ - أغاديز.
أصبحت تلك المتاهة؛ بمبانيها المنخفضة ذات الجدران الحمراء على الحافة الجنوبية للصحراء - والتي كانت في الماضي مركزاً تجارياً للذهب والملح - اليوم مركزاً لتجارة الأسلحة والمخدرات، والأهم من ذلك كله أنها أصبحت مركزاً لتجارة البشر. وفي عام 2016، عبر حوالى 330،000 شخص إلى ليبيا من النيجر، معظمهم عبر أغاديز، وكان ربعهم تقريباً من النيجر نفسها.
وفي عام 2015، واستجابةً للضغط الذي تمارسه حكومات الاتحاد الأوروبي، بدأت النيجر في اتخاذ إجراءات صارمة بحق الذين يساعدون أولئك المسافرين على عبور ليبيا - وخاصة من غرب ووسط إفريقيا. وفي المقابل، قدّم الاتحاد الأوروبي مساعدات تفوق قيمتها الملياري يورو لمساعدة المنطقة - بما في ذلك أيضاً البلدان الإفريقية الأخرى ذات الأولوية - في قضايا تتراوح بين الأمن والتنمية الاقتصادية.
وفي حين انخفضت أعداد الأشخاص الذين يمرون عبر أغاديز منذ بدء الإجراءات، يعتبر بعض المراقبين بأنها ببساطة حولت تجارة تهريب الأشخاص إلى عملٍ يتم في الخفاء، مما يزيد من خطورة هذه الممارسات غير المشروعة.
ويتبّع المهربون طرقًا بديلة أقل شهرة - ويفرضون أسعاراً أعلى على خدماتهم. ويقول أولئك الذين يطلقون على أنفسهم اسم "مقدمي خدمات الهجرة" في أغاديز بأن أعمالهم التي تشتمل على نقل الناس تجذب الآن المزيد من المهرّبين المجرمين الذين ينقلون المخدرات والأسلحة أيضاً.
"بغض النظر عن صفتهم ... نحن نخبر الناس أنّ الذهاب الى ليبيا محفوف بالمخاطر".
وقد تم ترك مجموعات من المهاجرين في الصحراء – البعض منها عمداً، والبعض الآخر بسبب تعطل مركبة المهربين. يتم إنقاذهم في بعض الأحيان ولكن أعداداً غير معروفة من الأشخاص قد لقوا حتفهم - ويقدّر البعض أن أعداد الذين لقوا حتفهم في طريقهم في صحراء النيجر وفي ليبيا أعلى من أعداد المفقودين في البحر والمتجهين نحو أوروبا.
وعبر الحدود، في ليبيا، هناك مجموعة كبيرة من المخاطر الأخرى التي تنتظر المهاجرين. وقد قال فنسنت كوشيتيل المبعوث الخاص للمفوضية لوسط البحر الأبيض المتوسط خلال زيارته للنيجر الأسبوع الماضي بأن البلاد قد تحوّلت، في خضم الاضطرابات المدنية والسياسية، إلى "آلةٍ تدّمر البشر".
وأضاف: "بغض النظر عن صفة الأشخاص - سواء كانوا مهاجرين اقتصاديين أو لاجئين - نحن نخبر الناس أنّ الذهاب إلى ليبيا محفوف بالمخاطر. أشخاص يختفون. وعدد الأشخاص الذين يلقون حتفهم في الصحراء أكثر بكثير من عدد الأشخاص الذين يلقون حتفهم في البحر المتوسط محاولين الذهاب إلى أوروبا".
ومعظم الذين يخاطرون بهذه الرحلة اليائسة يعتبرون مهاجرين، غير أنّ التحليل الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يظهر أن حوالى 30% من الذين يتّبعون طرق الهجرة عبر النيجر يمكن أن يتأهلوا للاستفادة من الحماية الدولية بمجرد وصولهم إلى أوروبا. وبالتالي، فإن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يصابون بصدمة بسبب الحرب والاضطهاد السياسي والإرهاب يعرّضون أنفسهم للمزيد من المخاطر.
ويقول كوشيتيل: "لقد تعلّمت ذلك خلال هذه الرحلة إلى أغاديز، من شهادات سمعناها من الناس. لقد رأى الجميع أشخاصاً يموتون أمامهم في مراكز الاعتقال ... إما على أيدي الميليشيات أو المهربين والتجّار. كل شخص عاش تلك التجربة... لذلك نحن نخبر الناس أن ذلك لحمايتهم. الذهاب إلى هناك محفوف بالمخاطر. هناك حلول يتم وضعها".
لقد عززت المفوضية عملياتها في النيجر من أجل تحديد الأشخاص المعرضين للخطر وحمايتهم، ومساعدة حكومة النيجر على تحسين قدرتها على تحديد طلبات اللجوء، وهي تعمل عن كثب مع شريكتها، المنظمة الدولية للهجرة، للوصول إلى الأشخاص الذين فروا من الحرب أو الاضطهاد، وإعلامهم بأن اللجوء ممكن في النيجر.
"أعرف أنني قمت بواجبي كمسيحي – حذّرتهم من ما يحدث هناك".
وكجزء من حملة أوسع لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح، تواصل المفوضية تقديم دعمها للحكومات للبحث عن حلول سياسية دائمة للنزاعات التي تثير أزمات إنسانية في المنطقة والعالم.
وبعد شهرين، أطلق خاطفو دانيال سراحه في شوارع أغاديز. هناك، وجد بعض العزاء في الرعية الكاثوليكية الصغيرة في المدينة وكاهنها، الأب باسكال، الذي يعتني بكثير من المهاجرين واللاجئين. وقد وجد دانيال الشجاعة لإخبار قصته ونقل رسالة إلى الذين سيسمعونه.
ويقول: "لقد التقيت بأشخاص آخرين هنا يريدون الذهاب الى ليبيا وأخبرتهم عما مررت به. أنا لا أعرف ما إذا كانوا قد ذهبوا - على أي حال - أم لا، فهذا الأمر يعود لهم. ولكني أعرف أنني قمت بواجبي كمسيحي؛ حذّرتهم مما يحدث هناك".