الضربة التي لا تقتل: فلنتحدث عن الفشل
الضربة التي لا تقتل: فلنتحدث عن الفشل
قال لي أحدهم مؤخراً: "في قراراة نفسي، أشعر بأن الجميع يرتجلون معظم الوقت".
تذكرت ذلك عندما كنت في مؤتمر المياه والهندسة لمركز التنمية في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة في ناكورو الشهر الماضي، وطُلِب مني أن أشارك في حلقة نقاش حول الفشل في إدارة حمأة الغائط. لستُ خبيرة في هذا الموضوع، لكنني، مثل معظم الناس، كان لي نصيبي من الفشل، وكمحترفة في مجال الابتكار، أشعر بالقلق لأننا لا نشعر دوماً بالقدرة على مناقشة الفشل والتعلم منه في المجال الإنساني. إنَّ المنافسة على الأموال شرسة، مما يدفع العديد من المنظمات غير الحكومية إلى التحدث فقط عن قصص نجاحها والتزام الهدوء بشأن الباقي. وفي موازاة ذلك، يعني التحيز في الأوساط الأكاديمية ضد النتائج السلبية أو "النتائج الباطلة" أن الباحثين أقل عرضة لنشر دراسات عن الابتكار أو عن البرامج التي لا تنجح.
إذن، كيف يمكننا أن نكون أفضل؟ جعلتني حلقة النقاش أفكر ملياً في ثلاث خطوات رئيسية:
1. الاعتراف بدور الحظ
قبل أن نتمكن من البدء في أي تحليل والتعلم من أعمالنا السابقة، يجب أن نكون واقعيين حول دور الحظ والظروف. نحن نعيش في عالم معقد، وأي مشروع ينجح مع أشخاص حقيقيين، بدلاً من أن يكون مقتصراً على مختبر علمي، هو عرضة لعشوائية الأحداث الخارجية. كبشر، لدينا عادة في التقليل من شأن دور الحظ عندما تسير الأمور بشكل جيد. عندما أراد مؤسسو غوغل بيع الشركة بعد مرحلة البدء الأولية بمبلغ 1.6 مليون دولار أميركي، حالفهم الحظ لأن العروض التي حصلوا عليها كانت أقل بقليل من ذلك، وهكذا انتهى بهم المطاف بالالتزام بالشركة التي تعتبر الآن إحدى أكثر الشركات قيمة في العالم. الدرس المستفاد من ذلك هو: سواء كانت الأمور تسير بشكل صحيح أم خطأ، فالحظ (الجيد أو السيء) يلعب عادة دوراً. تقدير ذلك سيجعلنا أفضل في التعلم.
2. تغيير اللغة
لقد أظهرت دراسات عديدة أنَّ البشر "متحيزون للنتائج": لدينا ميل إلى مراجعة تاريخ معتقداتنا في ضوء ما حدث بالفعل. في كتابه الرائع "التفكير السريع والبطيء"، أظهر عالم السلوكيات دانييل كانيمان أن التحيز في الإدراك المتأخر يقود المراقبين إلى تقييم جودة القرار ليس من خلال ما إذا كانت العملية سليمة ولكن من خلال ما إذا كانت نتائجها جيدة أم سيئة.
بالعودة إلى إدارة حمأة الغائط للحظة، فإن ذلك يعني أنه يمكنك بناء نوع جديد من نظام معالجة الحمأة دون الاعتماد على الأدلة، أو استشارة المستخدمين أو مراقبة الجودة، وفي حال حالفك الحظ، قد ينتهي بك الأمر إلى نظام يعمل. سيعتبر المراقبون ذلك نجاحاً، ومن المرجح أن ينسخوا النظام لسياقات أخرى. ومع ذلك، إذا نظرت إلى العملية السيئة دون معرفة النتيجة الإيجابية، فمن شأن ذلك أن يكشف أن النظام لن يعمل على الأرجح في أي سياق آخر.
يبين لنا ذلك أن عدم الفروق الدقيقة في لغة "النجاح" و "الفشل" لا تقدم لنا الكثير في طريقة التعلم. بدلاً من ذلك، نحتاج إلى تغيير تعريفنا للنجاح للسماح لنا بالحديث عن العناصر التي تنجح وما لا ينجح، ونحن بحاجة إلى إيجاد طرق للتخفيف من انحياز نتائجنا.
3. الوضوح في عما نبحث عنه
لمساعدتنا في توضيح الطريقة التي ننظر بها إلى الأفكار التي فشلت، في لغة الابتكار، كثيراً ما نتحدث عن فشل "سيء" أو فشل "جيد". غالباً ما يعني الابتكار اختبار سلسلة من الافتراضات أو الأفكار التي لا تنجح إلى أن تجد ما ينجح منها. وبالتالي، يعتبر الفشل جزءاً من الابتكار ، ولكن هنالك درجات مختلفة: يمكن أن يكلف الفشل الصغير الوقت والمال؛ يمكن أن تعني حالات الفشل الكبيرة "السيئة" نهاية منظمة ناشئة. لسوء الحظ، يمكن أن يؤدي بنا تحيز "التكلفة الغالبة" في كثير من الأحيان إلى تأخير الفشل لأننا استثمرنا الكثير في الفكرة عندما كان ينبغي لنا التخلي عنها بمجرد إدراكنا أنها لا تعمل بشكل جيد. بصفتنا ممولين للابتكار، نريد المخاطرة، ولكننا نحاول القيام بذلك بطريقة مرحلية، مما يدعو إلى التفكير المستمر في ما ينجح وما لا ينجح. ويترجم ذلك في مصطلحات بدء التشغيل السلس: "افشل بسرعة وبتكلفة منخفضة؛ أنفق القليل لتتعلم الكثير". ومن خلال هذا النهج، رأينا عدة أمثلة على "إخفاقات جيدة" مثيرة: إنها أفكار تستند إلى افتراضات أو أدلة تم بحثها جيداً، واختُبِرت بدقة، ووجدنا أنها لا تنجح.
قمنا مؤخراً بتمويل أحد هذه المشروعات في تحدي الابتكار في مجال غسل اليدين. أرادت منظمة العمل ضد الجوع أسبانيا ومدرسة لندن للصحة العامة والطب المداري اختبار إمكانية استخدام الأوراق والبذور من نبات المورينغا كبديل للصابون. اقترحت كل من الاختبارات المختبرية السابقة والأدلة السردية أنَّ ذلك الاحتمال قد يكون ممكناً، لذلك أعد الفريق لمزيد من الاختبارات المخبرية المفصلة والاختبارات الميدانية اللاحقة. ومع ذلك، أظهر اختبار المختبر سريعاً أن منتجات المورينغا كانت أي شيء إلاَّ كونها مطهراً: على النقيض من ذلك، عندما تمتزج مع الماء فإنها تنمي بكتيريا الإشريكية القولونية.
شعر الفريق بخيبة أمل لأنهم لم يجدوا بديلاً رخيصاً للصابون، ولكنهم في نفس الوقت متحمسون لأن نتائجهم ستساعد في إعلام استخدام بذور المورينغا في المستقبل. لقد تبادلوا هذه النتائج على نطاق واسع، بما في ذلك التفكير في أن هنالك فرصة ضئيلة بأن النتائج تأثرت من سوء الحظ في شكل مجموعة منخفضة الجودة من منتجات المورينغا من المورد.
هذا مثال عظيم عن "الفشل الجيد" والاستثمار الناجح لصندوق الابتكار الإنساني. نحن في مهمة في "تعزيز التعلم والبحث من أجل المساعدة الإنسانية" لمواصلة تكوين قاعدة أدلة قوية وتجميع رؤانا من خلال عمل صندوق الابتكار الإنساني المتاح للآخرين كجزء من المحادثة العالمية حول ما ينجح في مجال الابتكار الإنساني. من خلال مشاركة المزيد من "الإخفاقات الجيدة" على هذا النحو، سواء في المطبوعات الأكاديمية أو المؤتمرات القطاعية أو وسائل الإعلام الأخرى، نأمل أن نبدأ في التحرك نحو ثقافة أفضل للتعلم تفيدنا جميعاً في العمل في المجتمع الإنساني، والأهم من ذلك كله، تفيد المتضررين من الأزمات الذين نسعى جاهدين لدعمهم. إذاً حدثنا عن فشل الابتكار المفضل لديك؟
نبذة عن الكاتبة
سيسيلي هستبيك هي مستشارة إدارة الابتكار في تعزيز التعلم والبحث من أجل المساعدة الإنسانية، وتدير برنامج صندوق الابتكار الإنساني في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة. تعمل عن كثب مع مجموعة من المستشارين الفنيين في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة من مختلف القطاعات الإنسانية التابعين لصندوق الابتكار الإنساني، وتصمم تحديات الابتكار وتديرها. وهي تدير مجموعة من حوالي 50 مشروعاً للابتكار الإنساني، غالبيتها في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة، وتوفر التمويل والدعم المرنين للمساعدة في تخطيط المشاريع وإدارة عمليات الابتكار من مرحلة الإقرار بها مروراً بتطويرها وتجريبها والتوسع بها.
الصور: Soap Aid