مدينة بولندية تمنح شاعرة سورية الطمأنينة ومساحة للتعبير
مدينة بولندية تمنح شاعرة سورية الطمأنينة ومساحة للتعبير
حصلت الشاعرة السورية خلود شرف على إقامة لمدة عامين في مدينة كراكوف البولندية، وهي تجد في ذلك فرصة للتعبير عن المعاناة التي سببتها الحرب في سوريا وعن اللاجئين الذين فروا من الصراع.
من خلال الشعر والنثر وظهورها في المناسبات العامة، كتبت خلود وتحدثت عن محنتهم ودعت الناس لفتح قلوبهم للاجئين.
تقول للجمهور: "إن معاناة أي أمة في أي مكان من الأرض هي دائماً معاناة للإنسانية جمعاء. اللاجئون هم أشخاص مثلكم. نحن لم نغادر منازلنا وذكرياتنا وطفولتنا ولغتنا وثقافتنا لأننا نريد أن نسلبكم حياتكم. غادرنا لأننا أُجبرنا على ذلك بسبب الحرب".
خلود ليست لاجئة بحد ذاتها، لكنها وصلت إلى كراكوف في وقت سابق من هذا العام بموجب منحة لمدة عامين للكتابة في مكان يعمه السلام. تمول مدينة كراكوف إقامتها وهي تعيش في غرفة في "فيلا ديسيوس" وهو عبارة عن قصر تم ترميمه ويعود إلى عصر النهضة ويقع في منطقة نضرة ومورقة تحولت اليوم إلى مركز ثقافي.
تقول خلود، البالغة من العمر 38 عاماً، والتي تنكب على كتابة الشعر والنثر إضافة إلى الرسم منذ وصولها من سوريا في شهر فبراير: "كراكوف تذكرني بالوطن".
تم اختيار خلود ككاتبة تستحق الدعم من قبل شبكة المدن العالمية للاجئين "أيكورن"، وهي منظمة نرويجية تربط حوالي 70 مدينة توفر المأوى المؤقت للكتاب المعرضين لخطر الاضطهاد.
"عندما يخيم الخوف على أفكارك، لا يمكنك أن تكتب أي شيء بصراحة"
في عام 2011، أصبحت مدينة كراكوف الغنية بتاريخها الأدبي والتي يتحدر منها كتاب كجوزيف كونراد وستانيسلاف ليم وتشيسلاف ميلوش، أول عضو في "أيكورن" من وسط وشرق أوروبا.
وقد ساعد خلود في تيسير الحصول على الإقامة كل من مدينة كراكوف وجمعية فيلا ديسيوس ومكتب مهرجانات كراكوف.
وقال روبرت بياسكوفسكي، وهو مدير البرامج في مكتب مهرجانات كراكوف: "نسعى لأن نكون صوت التضامن في سياق الخوف من اللاجئين في شرق أوروبا".
ويقول غريغورز يانكوفيتش، وهو صحفي يساعد في التعريف بخلود وتواصلها مع نظرائها من الكتاب: "عندما يخيم الخوف على أفكارك، لا يمكنك أن تكتب أي شيء بصراحة".
ويقول باويل ليزفينسكي، وهو مساعد خلود في فيلا ديسيوس: "من المثير للاهتمام العمل معها. فشعرها وموقفها من الحياة يبعث على الروحانية، وهما مختلفان عن طريقتنا العقلانية في النظر إلى العالم".
تتحدر خلود من قرية المجيمر القريبة من مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب غرب سوريا. وخلال طفولتها، تعلمت درساً مؤلماً حول هشاشة الحياة وعدم قدرتنا على تفادي المعاناة.
"نحن البشر، لدينا هذا القبح في داخلنا. نحاول إخفاءه ولكننا لا نستطيع"
"كنت في غرفتي. فتحت النافذة لأشعر بأنني قريبة من الطبيعة. وفي الخارج، كانت هناك فراشة كبيرة ترفرف بأجنحتها. كان الطقس خريفياً وكانت بحاجة للدفء. وكان هناك أيضاً عقرب أسود كبير وقد أمسك بالفراشة التي حاولت الفرار. كانت هذه معركة حقيقية ولم أستطع فعل أي شيء بسبب الشبك الموجود على النافذة".
ألهمت هذه الذكرى عنوان ديوانها الأول "رفاة فراشة" الذي نُشر في عام 2016 ولقي استحسان النقاد العرب.
تعلمت خلود المزيد عن التعاطف والعجز بعد تخرجها من جامعة دمشق وحصولها على شهادة كتقنية طبية. عملت في الوحدة الطبية التابعة لأحد سجون النساء ولم تستطع تفادي وفاة إحدى السجينات.
كما عايشت محنة سماع الأخبار وليس في يدها حيلة عندما هاجم مسلحو تنظيم الدولة بلدتها في يوليو 2018، وقد كتبت عن ذلك مقالاً من كراكوف نُشر في نادي القلم الدولي.
"نحن البشر، لدينا هذا القبح في داخلنا. نحاول إخفاءه ولكننا لا نستطيع. لدي شغف دائم، وأرغب في المساعدة، ولكنني لا أستطيع فعل أي شيء أحياناً".
تذكرها المدينة القديمة في كراكوف بدمشق: "حشود الناس ومتاجر الحلوى والأقواس وطيور الحمام والقبب..."
"أحاول أن أعانق هذه الفتاة التي بداخلي لأقول لها حسناً، فهي ليست بمفردها"
تتأمل خلود الكتب في الشقة التي كان يقيم فيها تشيسلاف ميلوش والتي سيتم تحويلها قريباً إلى موقع لورش عمل للكتّاب، وتقول بأنها تشعر بوجود الراحل الحائز على جائزة نوبل.
وبينما تنظر من النافذة إلى الفناء الهادئ في الأسفل، تهمس خلود قائلة: "أشعر بأنه (ميلوش) هنا. يمكنني أن أكتب بسهولة كبيرة في هذا المكان".
وبفضل الهدوء الذي يعم كراكوف، تمكنت خلود للتو من الانتهاء من كتاب ثانٍ وهو عبارة عن سيرة ذاتية بعنوان "رحلة عودة"، وتقول: "إنه حول تلك الفتاة عندما كنت صغيرة وحولي كامرأة الآن. أحاول أن أعانق تلك الفتاة التي بداخلي لأقول لها حسناً، فهي ليست بمفردها".
عندما نتحدث عن محنة السوريين في سوريا وخارجها، تغرورق عينا خلود بالدموع. فكل ما يمكنها فعله هو ملاحظة ما يحدث والكتابة عن بعد.
وبقصيدة تفطر القلب حول الحرب، تختم خلود قائلةً:
حملوا أجزاءهم المتبقية
أخذوا قليلاً من القهوة
وقلماً
وحفنة من الذكريات بمناديل أمهاتهم
واتجهوا إلى الجبل
يمتطون نسراً من حكايات جداتهم
بعدما كسّروا فأس المعنى
وتلاشوا كالآخرين
في العدم!