إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

تغير المناخ يؤجج الصراع في منطقة الحزام الأوسط في نيجيريا

قصص

تغير المناخ يؤجج الصراع في منطقة الحزام الأوسط في نيجيريا

بينما يجتمع زعماء العالم في الدورة 29 لمؤتمر الأطراف، أدى تغير المناخ إلى الحد من توفر الموارد الطبيعية في نيجيريا، مما فاقم الصراعات بين المجتمعات المحلية في ولاية بينو، ودفع نحو نصف مليون شخص للنزوح.
15 نوفمبر 2024 متوفر أيضاً باللغات:
ميمي كيفا أمام مأواها في مخيم إيتشوا للنازحين داخلياً، حيث تعيش منذ اضطرارها للفرار من ديارها نتيجة استيلاءٍ عنيف على الأراضي عام 2021.

ميمي كيفا أمام مأواها في مخيم إيتشوا للنازحين داخلياً، حيث تعيش منذ اضطرارها للفرار من ديارها نتيجة استيلاءٍ عنيف على الأراضي عام 2021.

في مخيم إيتشوا للنازحين داخلياً قرب مدينة ماكوردي في ولاية بينو وسط نيجيريا، تشرف ميمي كيفا على فصل دراسي للأطفال، وهم يغنون ويقفزون ويصفقون. ورغم عدم امتلاكها لمؤهلاتٍ تدريسية، فإن هذه السيدة ذات الـ47 عاماً تتمتع بموهبة طبيعية في التعليم، فهي تقوم بذلك بشغفٍ وعناية، وبحيويةٍ منقطعة النظير.

حتى قبل بناء الصف الدراسي العام الماضي، وقبل تعيينها كمساعدة مُدرِّسٍ متطوعة، كانت ميمي تجمع أطفال المخيم معاً لإجراء حصصٍ دراسيةٍ في الهواء الطلق. وقالت: "أسرد لهم قصصاً عن مجريات حياتنا قبل قدومنا إلى المخيم، وعن ثقافتنا.. يسعدني ذلك لأنه ينسيني كل شيء".

هناك الكثير مما تود ميمي نسيانه. فقبل ثلاثة أعوامٍ، لم تكن معلمةً، بل كانت مزارعةً. لديها هي وزوجها وأولادها الثلاثة هكتاران من الأراضي في منطقة غوما المحلية، التي تبعد 30 دقيقةً عن المخيم. كانوا يزرعون البطاطا الحلوة والسمسم والدُّخن، ويربون الخنازير والدجاج. كانت ميمي فخورة بشكلٍ خاص بمحصولها من البطاطا الحلوة، التي كانت حباتها تنمو إلى حجمٍ كبير في تربة المنطقة الخصبة. لكن في بعض الأحيان، كان رعاة المواشي من الرُّحَّل يمرون من هناك. وقالت ميمي: "كانوا يطلبون منّا الدخن والبطاطا الحلوة، ولم نبخل عليهم بها.. هكذا كانت الأمور في السابق، لكن الوضع قد تغير الآن".

ميمي كيفا أثناء حصةٍ دراسية في مدرسة مخيم إيتشوا الابتدائية، حيث تتطوع كمعلمة مساعدة.

ميمي كيفا أثناء حصةٍ دراسية في مدرسة مخيم إيتشوا الابتدائية، حيث تتطوع كمعلمة مساعدة.

في أحد الأيام، كانت ميمي تعمل مع زوجها وابنتها ذات الـ11 عاماً في حقول البطاطا الحلوة الخاصة بهم، عندما سمعوا صوت إطلاق النار. ولمّا نظروا حولهم، رأوا رجالاً مسلحين، ولم يكن هناك وقت كافٍ للفرار. اغتصب المسلحون وقتلوا ابنتها، وتعرضت هي أيضاً للاغتصاب، بينما قُتل زوجها. وجدها صيّاد جريحةً وفاقدة الوعي، فساعدها في الاحتماء في الأدغال، واختبأ الاثنان هناك لمدة يومين، حتى أصبح الوضع آمناً بما يكفي ليصحبها إلى المخيم، حيث تلقت العلاج والتأم شملها بابنيها اللذين يبلغان من العمر الآن 12 و15 عاماً.

وأضافت ميمي: "لقد فقدت كل شيء. إن ذهبتم إلى قريتي، ستجدون كل شيء قد احترق، ولم يعد بإمكاني ممارسة الزراعة. ليس الأمر متعلقاً بي فحسب.. بل جميعنا مررنا بهذه الظروف، وهناك الكثير من الأرامل والأيتام هنا".

كان جميع السكان المسجلين في مخيم إيتشوا والمخيمات الكثيرة المنتشرة حول ولاية بينو – الذين يبلغ عددهم نحو 3,790 شخصاً – من المزارعين الصغار مثل ميمي، والذين أجبروا على القدوم إلى هنا نتيجة الاستيلاء على الأراضي.

تأسس مخيم إيتشوا قبل 5 أعوام لإيواء العدد المتزايد من سكان منطقة ماكوردي في ولاية بينو الذين اضطروا للفرار نتيجة الهجمات الدموية على مزارعهم وقراهم.

تأسس مخيم إيتشوا قبل 5 أعوام لإيواء العدد المتزايد من سكان منطقة ماكوردي في ولاية بينو الذين اضطروا للفرار نتيجة الهجمات الدموية على مزارعهم وقراهم.

على مدى العقد الماضي، حصد الصراع بين المجتمعات المحلية أعداداً لا تحصى من الأرواح في منطقة الحزام الأوسط الخضراء في نيجيريا، وأجبر ما يقدر بنصف مليون شخصٍ على النزوح في ولاية بينو وحدها. تستشري الاشتباكات المماثلة في مختلف أنحاء منطقة الساحل الإفريقي، حيث يؤدي تغير المناخ إلى انقطاع سبل كسب الرزق التقليدية، وتفاقم التنافس على الموارد المائية والأراضي الزراعية المنتجة المتضائلة.

يستكشف تقريرٌ صدر اليوم عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – بالتعاون مع شركاء في مجال البحوث – كيف يتقاطع تغير المناخ مع كل من الصراعات والنزوح القسري. ويحذر التقرير من أن ازدياد وتيرة الظواهر الجوية القاسية قد يؤدي إلى تنامي التوترات، وإضعاف التماسك الاجتماعي، وتفاقم الأسباب الجذرية للصراعات وحالات عدم الاستقرار.

في الوقت عينه، تؤدي الظواهر الجوية القاسية مثل الفيضانات وموجات الجفاف لمضاعفة المخاطر التي تطال الأشخاص النازحين بالأصل جراء الصراعات والعنف. ويعيش حالياً نحو 90 مليون شخص من النازحين قسراً في بلدانٍ معرضة لمستويات مرتفعة أو شديدة من المخاطر المرتبطة بالمناخ. ويتحمل نحو نصف النازحين قسراً مغبة الصراعات والآثار السلبية المترتبة على تغير المناخ. وتشير التوقعات إلى ازدياد هذا العدد بالتوازي مع تفاقم المخاطر المرتبطة بالمناخ على مدى العقود المقبلة.

تحدٍ جديد

تعيش الغالبية العظمى من رعاة المواشي في نيجيريا حياة الترحال التقليدية، متنقلين مع قطعانهم من مكانٍ إلى آخر بحثاً عن المراعي. في السابق، كانوا يجوبون البلاد، لكن تغير أنماط هطول الأمطار والتصحر الشديد قد دفعا بأعدادٍ متزايدةٍ منهم باتجاه وسط وجنوب نيجيريا، حيث أدى النمو السكاني وتعاقب الفيضانات إلى خفض مساحات الأراضي المناسبة للرعي.

وقال إبراهيم غالما، وكيل جمعية ميتي لتربية الماشية، وهي رابطة عامة تمثل رعاة المواشي في نيجيريا: "يفرض تغير المناخ تحدٍ جديد لم نكن نواجهه قبل 20 أو 30 عاماً. إن تأثيره بات يطالنا الآن". وأضاف: "لقد جفّت مراعينا، ولا يمكن لقطعاننا النجاة. يضطر رعاتنا لقطع مسافاتٍ طويلة، الأمر الذي تحول إلى أزمةٍ خطيرة منذ عام 2012".

ويقول غالما بأن الصراع وندرة المراعي كان لهما أثر كبير، حيث إن الكثيرين من أعضاء الرابطة فقدوا جزءاً من قطعانهم نتيجة الأمراض التي أصيبت بها أثناء ترحالها لمسافاتٍ طويلة، وأما ما نجا منها، فهي تعاني عادة من نقص التغذية الذي يحول دون حملها للعجول، أو إنتاجها للحليب الذي تعتمد عليه الرعاة من النساء لكسب رزقهن. وأضاف: "كانت المجتمعات ودودةً مع الرعاة، لكنهم بدأوا برؤية وجوهٍ غير مألوفةٍ بالنسبة لهم، وأصبحوا مرتابين، ونتج عن ذلك حالة من العنف الشديد".

وأضاف بأن الإجراءات الأمنية لم تكن كافية لحل الأزمة: "كان الحوار الأمر الوحيد الذي حققنا النجاح من خلاله. إنه الطريقة المثلى، وتأتي بعده النشاطات الأخرى كالتدريب على بناء السلام ومهارات العمل".

تنخرط الجمعية في الجهود الرامية لتوعية الرعاة بفوائد التخلي عن حياة الترحال، واتباع الممارسات الزراعية الذكية من الناحية المناخية، وذلك لاستنبات من يكفي من العشب والعلف لمواشيهم. واستطرد غالما، قائلاً: "إن استقرينا في مكانٍ واحد، سيتاح لأطفالنا ارتياد المدرسة، وسنتمكن من التصويت ومن حماية أنفسنا.. لكننا بحاجةٍ إلى الأراضي، وإلى التعليم، وإلى مرافق صحيةٍ أفضل".

ظروف قاسية

تتفق بياتريس شومكيغ، المسؤولة الميدانية لدى المفوضية في ماكوردي، بالرأي مع غالما من حيث الحاجة إلى مزيدٍ من التفاعل بين المجتمعات الرعوية والزراعية، وتقول: "يجب أن يستمر الحوار، وعلينا أن نقيّم ونعيد تقييم ما نفعله، وما علينا القيام به بشكلٍ مختلف".

في تلك الأثناء، تعمل المفوضية مع شريكتها المحلية مؤسسة العدالة والتنمية والسلام، لتوفير المساعدات الغذائية، وخدمات حماية الأطفال والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والخدمات الاستشارية للأشخاص النازحين مثل ميمي، والذين يعانون مرارة الخسائر والصدمة.

وقالت ميمي: "قدموا لي الاستشارة والتدريب، الأمر الذي ساعدني كثيراً. رغم الألم، عليّ أن أتحدث عن حياتي، فذلك يخفف عني".

تزور ميمي الآن خيام اللاجئين، وتوفر الاستشارة للنساء الأخريات، مشجعةً إيّاهن على التحدث عن تجاربهن الخاصة، وتقول: "يمنحني ذلك عملاً لا يمكنني التخلي عنه عند عودتي إلى دياري".

في حين ساعد التعليم في المدرسة وتلقي الاستشارة ميمي في إدارة صدمتها النفسية، تبقى الظروف في المخيم قاسيةً جداً، فهي تصف المأوى العشوائي الذي تعيش فيه مع ابنيها بأنه "قفص"، وتسرد قصةً عن نجاتها بالكاد من لدغة أفعى.

تقول شومكيغ بأن نقص التمويل يمنع المفوضية من دعم مزيدٍ من المبادرات الرامية إلى التخفيف من وطأة مثل هذه الظروف، أو إلى مساعدة المزارعين النازحين في إيجاد سبل جديدة لكسب الرزق، والرعاة في التكيف مع تغير المناخ. يعتمد معظم سكان مخيم إيتشوا على العمل غير الثابت في المزارع المجاورة لكسب دخلٍ ضئيل، بينما يستأجر آخرون أراضٍ صغيرة قريبة يزرعونها بأنفسهم، لكن ذلك ينطوي على مخاطر تطالهم نظراً لمناخ المنطقة المتقلب بشكل يصعب التنبؤ به، إلى جانب تفشي انعدام الأمن.

اقترض فينسنت إيجيبي وزوجته جينيفر المال لاستئجار نصف هكتارٍ من الأرض على ضفاف نهر بينو لزراعة الأرزّ. واقترضا مزيداً من المال لشراء السماد، وقضيا ساعاتٍ طوالاً يومياً في التنقل من المخيم للعناية بمحصولهما. كان الزوجان يعتزمان سداد دينهما بعد حصاد الأرز، لكن – قبل شهرٍ من نضج المحصول – جاءت الأمطار الغزيرة وتحرير المياه من السد في أعلى النهر في الكاميرون، وتسببت بفيضانٍ أغرق حقلهما، ولم يتمكنا من إنقاذ سوى القليل من الأرز.

فينسنت إيجيبي يعطي لزوجته جينيفر نباتات الأرز غير الناضجة في حقلٍ استأجراه بجوار نهر بينو الذي فاضت مياهه مؤخراً.

فينسنت إيجيبي يعطي لزوجته جينيفر نباتات الأرز غير الناضجة في حقلٍ استأجراه بجوار نهر بينو الذي فاضت مياهه مؤخراً.

وقال فينسنت وهو يمد يده في مياه الفيضان ليقتلع شتلات الأرز غير الناضجة: "سأضطر للعمل في مزارع الآخرين مجدداً". ولن يتوفر لديه المال ليغطي تكاليف التحاق ابنه الأكبر بالمدرسة الثانوية خارج المخيم.

تتمسك ميمي بالأمل بالعودة إلى أرض أجدادها يوماً ما، وتقول: "كنت أفخر جداً بأن كنا بمثابة سلة الغذاء لبلدنا بأكمله.. سأستمر بالزراعة، فهي جزء من حياتنا".

 

"يفرض تغير المناخ تحدٍ جديد لم نكن نواجهه قبل 20 أو 30 عاماً"

إبراهيم غالما