كيف يمكن تحفيز العمل المستدام من خلال تنمية الابتكار والتعاون
كيف يمكن تحفيز العمل المستدام من خلال تنمية الابتكار والتعاون
يُمكن لفكرةٍ جيدة واحدة أنْ تُغيِّر العالم. لن نسترسل في استخدام اللغة المنمقة، لكن يمكن للبستنة أن تصلح للتشبيه: إذا زرعت بذرة، واعتنيت بها، وغذيتها كي تتجذر، وتضعها في بيئة لتُزهر وربما لتنتشر إلى أبعد حدّ وعلى نطاق واسع.
ولكنْ، كيف يمكن زراعة الحركات الجيدة، وما الذي يحفزها على التطور للتحول إلى أعمال ملموسة ومستدامة؟ ما الذي يمكن أن يحوِّل نواة إلهام إلى عملية مستدامة يمكن تكرارها في كل مجال ونطاق من منظمة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؟
يُقدِّم برنامج زمالة الابتكار التابع للمفوضية فكرة جيدة حول كيفية نجاح كل ذلك. وتحصد المكاتب عبر منظومة المفوضية ككل الفوائد التي يُدخِلها زملاء الابتكار من خلال ما تعلموه إلى عملياتهم حيث لا تساعد مقارباتهم الذكية على تحسين قدرات المفوضية فحسب، بل يمكنها كذلك أن تدفع الأفراد والعمليات إلى الازدهار بطرقٍ غير متوقعة.
لتقدير أهمية تحويل الإلهام إلى عمل، من المهم فهم الطلب القوي على الابتكار.
يُعدُّ اكتشاف طرق جديدة وأفضل لمساعدة اللاجئين أمراً حاسماً في عالمٍ أصبحت فيه احتياجات اللاجئين والنازحين أكثر إلحاحاً وتعقيداً. ويمكن للمؤسسات الكبيرة والراسخة مثل المفوضية أن تميل إلى اتخاذ القرار والاستجابة للتحديات من خلال عقلية "لطالما نجحنا على هذا النحو" بدلاً من تبني طرقٍ جديدة لحل المشكلات.
تُدرك المفوضية هذه الحقيقة، ولهذا السبب أنشأت برنامج زمالة الابتكار كاستراتيجية لتزويد الأشخاص بالمهارات المطلوبة لاختبار الأساليب الجديدة، على أمل اكتشاف حلول مبتكرة. وفي عامه الخامس الآن، يُثبت البرنامج أنَّه من بين ألمع أفكار المفوضية.
تنمية العقول الذكية لتحفيز الابتكار
تم إطلاق برنامج زمالة الابتكار في عام 2013، وهو يدرب حوالي 25 شخصاً كل عام. معظم المشاركين هم من موظفي المفوضية، ولكنْ تمَّ شمل ممثل أو ممثلين من الشركاء الخارجيين للمفوضية في المجموعات الأخيرة، مما يعكس التزام البرنامج بالعمل الجماعي والتعاون خارج الحدود التقليدية لمكتب واحد أو منظمة واحدة.
وعلى الرغم من أنَّ البرنامج ركَّز على المشاريع الفردية في البداية، إلاَّ أنه تطوَّر ليصبح أشد تركيزاً على الأشخاص، كما تقول إميليا سارلينين، مديرة برنامج زمالة الابتكار. في النهاية، الأشخاص هم من يحملون بذور الأفكار الجيدة التي تبدأ في التبرعم.
وتشرح سارلينين: "لكل زميل مشروع، لكنَّ المشروع نفسه يُعتبر وسيلة للزملاء لتجربة أدوات وأساليب وتقنيات جديدة؛ إن نجاح الزمالة لا يرتبط بنجاح المشروع. بدلاً من الطلب من الزملاء بإرسال أفكارهم الجيدة لنا، نحاول إيجاد الأشخاص الذين يتمتعون بالسلوك الصحيح والدافع الصحيح والشغف الصحيح للابتكار".
منه بدايته، جذب برنامج زمالة الابتكار مجموعة متنوعة من مقدمي الطلبات. وعملية الاختيار صارمة، تشمل طلباً تفصيلياً يتضمن أسئلة حول دوافع المتقدمين واستعدادهم للتعاون ومهاراتهم في التفكير الناقد ومرونتهم طوال فترة العملية، بالإضافة إلى سمات رئيسية أخرى تعتبر علامات لعقلية مبتكرة. تقوم لجنة الاختيار بمراجعة كل طلب وتجري مقابلات مع قائمة مختصرة من المرشحين قبل اختيار المجموعة النهائية.
ويأتي الزملاء من مراكز العمل التابعة للمفوضية ككل، من مكاتب العمليات الكبيرة والصغيرة على السواء ومن الأقسام التي تتراوح من التمويل إلى حماية اللاجئين وصولاً إلى الإمداد والدعم التكنولوجي. يمكن أن تكون تحديات كل بلد ومكتب فريدة من نوعها، لكنَّ الأدوات والعمليات التي يتعلم الزملاء تطبيقها من خلال البرنامج متسقة، وهو عامل مهم في خلق ممارسات الابتكار المستدام.
يتعلَّم المشاركون كيف يحددون التحديات الأكثر إلحاحاً، وكيف يطبقون أدوات وأساليب الابتكار الخاصة بالبرنامج في معالجتها. وهم يشاركون في ورشتي عمل تفاعليتين، بالإضافة إلى مهام عملية سوف يطبقونها في عمليتهم وتعزز التعاون، والتي تمنح الزملاء فرصة لوضع الأساليب التي تعلموها موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، فهم مسؤولون عن العمل كـ"سفراء للابتكار" يشجعون الأشخاص الذين يعملون معهم على فهم ما هو الابتكار حتى يتمكنوا من جعله جزءاً من ثقافة عملياتهم.
وتقول إميليا: "يمكن لأي شخص أن يكون مبتكراً، لكن لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك بمفرده. نريد أن نعطي الزملاء شعوراً بالأمل بأنهم ليسوا الأشخاص الوحيدين الذين يفكرون بالطريقة التي يفكرون بها".
يتمثل أحد المكونات الأساسية في الزمالة في تعليم المشاركين كيفية تحويل الابتكار إلى عمل، حتى يتمكنوا من إنشاء حلول عملية تؤثر بشكل إيجابي على حياة اللاجئين. يتم تعيين المهام والعمليات الجديدة للزملاء طوال فترة البرنامج، مما يحفزهم على اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة والتفكير بطرق غير خطية. وكما تشرح إميليا، نادراً ما ينتقل الابتكار من النقطة "أ" إلى النقطة "ب".
تقول إميليا: "أنت بحاجة إلى المضي ذهاباً وإياباً بطريقة غير مريحة جداً مقارنةً بالطريقة التي اعتدنا عليها في العمل. لا يقتصر الأمر على التقنيات والأدوات فحسب، بل يتعلق أكثر بالموقف والجرأة للعودة والقول: "لا أعرف أين أذهب، لكنني في طريقي كجزء من العملية".
تخصيب حديقة الابتكار
إن الرغبة في قبول هذا المسار غير الخطي وإبداء الرأي من الآخرين في السعي إلى الابتكار كانا بمثابة تجلٍّ لسيمينه جيبييهو، وهو موظف مساعد في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة في أسوسا، إثيوبيا، والذي كان في مجموعة عام 2016 من زمالة الابتكار. لقد تطوَّر نهج الزمالة منذ أن شارك سيمينه، ولكنْ حتى قبل أن يتم التأكيد على دور سفراء الابتكار على النحو الذي هو عليه اليوم، فقد فهم بشكل غريزي مقدار أهمية إحضار ما تعلمه إلى عمليته.
كان مشروع سيمينه لتحويل نفايات مخيم اللاجئين إلى قوالب فحم حجري كثيفة الطاقة لاستخدامها كوقود ناجحاً جداً، فكرة جيدة تعززت من خلال مشاركته في البرنامج والتعاون مع زملائه. لقد تطور مشروع سيمينه من حل ذكي يفتقر إلى الميزانية والموارد إلى مبادرة ضمنت التمويل لمكننة عملية إنشاء القوالب، مع إمكانية التوسع إلى أجزاء أُخرى من إفريقيا.
إنَّ إيجاد حل يستفيد منه اللاجئون في إثيوبيا وما وراءها هو نتيجة إيجابية في حد ذاتها. لكنَّ سيمينه أدرك أن الاستماع إلى مدخلات من الآخرين جزء لا يتجزأ من الابتكار.
ويشرح سيمينه: " في الماضي ، كان من الصعب للغاية بالنسبة لي تلقي الآراء حول عملي، لأنني كنت أفكر بأنني على حق. أتلقى الآن الآراء دون أي تردد، وأفهم أننا يجب أن نعمل على الفكرة كفريق واحد من أجل تنفيذها".
وقد تبنى كذلك التزامه بأن يكون سفيراً للابتكار يُدخل مبادئ الإبداع والتعاون إلى عمليته. لم يعمل سيمينه فقط مع زملائه كفريق لتطوير مشروعه، بل ألهم الآخرين على اتباع خطواته.
يقول زيرو مارو، وهو موظف مساعد في برنامج في أسوسا، بأن العمل مع سيمينه على مشروعه، إلى جانب ورشة العمل التي استضافها سيمينه عام 2016 لتبادل ما كان يتعلمه عن الابتكار مع زملائه، ألهماه للتقدم بطلب إلى زمالة الابتكار. زيرو الآن عضو في مجموعة عام 2018.
ويضيف زيرو: "نرى أن سيمينه يقدم شيئاً ملموساً جداً للعملية التي تعالج إحدى المشكلات اليومية التي يواجهها اللاجئون، ونرى أن الابتكار أمر حاسم لمعالجة تحديات كهذه".
ولمشروعه الخاص، يريد زيرو إنشاء طرق أفضل لرصد المبادرات المختلفة التي يقوم بها مختلف الشركاء في عملية أسوسا والإبلاغ عنها. ويقول بأن فريق تنسيق وإدارة برنامج أسوسا يواجه التحديات باستمرار بسبب نقص الموارد، ويتطلب تطوير الحلول تعديل طريقة تفكيرهم لإيجاد طرق جديدة لأداء الأعمال.
ولهذه الغاية، سيطبق زيرو ما تعلمه حتى الآن من سيمينه ومشاركته الخاصة في برنامج الزمالة للابتكار. وتبدأ هذه العملية بتحديد التحدي الذي يأتي مباشرة من مدخلات المتأثرين به، بمن فيهم موظفي المفوضية وشركائها واللاجئين.
ويقول زيرو عن هذه العملية التي تشمل جمع الآراء وفي نهاية المطاف اختبار المفاهيم التي يطورنوها: "نحن الآن في مرحلة تحديد المشاكل والتحديات في هذا المجال، ثم سننتقل إلى توليد الأفكار واختبارها معهم. ويرى أعضاء الفريق فعلاً أنهم إذا عملوا بشكل وثيق مع بعضهم البعض كفريق، فهناك طرق لتطوير حلول أفضل لمشاكل الأشخاص الذي تُعنى بهم المفوضية في عملية أسوسا".
تهييئة أرض خصبة لثقافة التغيير
يتفق زيرو وسيمينه على أن برنامج زمالة الابتكار ألهمهما على مقاربة كل جانب من جوانب عملهما بعقلية جديدة. كما يوضح زيرو، قبل مشروع سيمينه لم يفهم الفريق في أسوسا بشكل كامل ما يعنيه الابتكار للمفوضية وكيف يمكن استخدامه لمعالجة المشاكل. وهما ممتنان لدعم الإدارة العليا في مكتب أسوسا الفرعي الذي يمتد عبر فريقهما وشركائهما في الميدان.
أمينان لرسالتهما كسفيري للابتكار، فإن سيمينه وزيرو يغيران المواقف في عمليتيهما. يدرك الفريق الآن أن الابتكار لا يدور حول التكنولوجيا، كما يعتقد الكثيرون، بل حول التعاون، وهو تحول في الإدراك مهم للنظر إلى الابتكار بطريقة أكثر فائدة وإنتاجية.
يقول زيرو: "اعتقدوا أنَّ الابتكار يتعلق بالتكنولوجيا المتطورة، وهو أمر غير ممكن في سياق اللاجئين، كما هو الحال في أسوسا. بدلاً من ذلك، يوجد الآن حافز كبير لخلق ثقافة الابتكار باستخدام التعاون. من خلال تطبيق مهارات الابتكار والعمليات، يمكننا حل المشاكل بطريقة أكثر كفاءة واستدامة".
من خلال خدمتهما كسفيرين للابتكار ومواصلة عملهما على مشاريعهما الخاصة مع زملائهما، فإن زيرو وسيمينه يقدمان لهم أمثلة ملموسة كيف ينجح الابتكار من الناحية العملية، إلى جانب فرصة المشاركة في تطوير مبادرات جديدة. إنهما يعتقدان أنَّ ذلك التدفق الحر للأفكار سيساعد عمليتيهما بشكل أفضل لتحقيق أهدافهما في المستقبل عن طريق غرس التفكير التعاوني الإبداعي في كل مسعى.
يقول سيمينه: "نحن نبحث الآن عن الابتكار عند كل مستوى من مشروع وبرنامج. فمفهوم الابتكار يحقق فائدة للجميع. إنه يغيِّر عقليتك، ويجعلك منفتحاً للتغذية الراجعة ويمنحك طريقة تفكير جديدة تتيح لك القيام بعملك بشكل أكثر كفاءة".
ومن أجل ترسيخ ثقافة الابتكار التي تنمو في إطار عملية أسوسا، قدم زيرو وسيمينه ورشة عمل لمدة يومين لزملائهما في الفترة من 21 إلى 22 يونيو/حزيران 2018. وقد تم تصميم ورشة العمل، التي تستند إلى تدريب برنامج زمالة الابتكار في بانكوك، لتثقيف وإشراك جميع أصحاب المصلحة، الداخليين والخارجيين على حد سواء.
وكجزء من ورشة العمل، طور سيمينه وزيرو وزملاؤهما خطة عمل ملموسة للتأكد من أن التعاون بشأن التحديات والحلول يظل جزءاً لا يتجزأ من عمليتهم. وتشمل عناصر خطة العمل إنشاء مجموعة عمل للابتكار تتألف من موظفي المفوضية والشركاء، وخلق الفرص لمشاركة الأفكار الجديدة لخدمة اللاجئين بشكل أفضل، وإنشاء أنظمة الإبلاغ عن الابتكار لتسهيل المتابعة، ووضع استراتيجيات لتحديد أفضل الممارسات للابتكار والاعتراف بها.
إن ترسيخ هذا النوع من النهج المنظم لتحويل الأفكار إلى عمل هو بالضبط ما يأمل الفريق المؤسس لبرنامج زمالة الابتكار أن يجري في كل عملية يوجد فيها سفير للابتكار. ويتمثل الهدف النهائي في إدماج الابتكار، وجعله عنصراً روتينياً في العمليات اليومية، وتلقيح الابتكار في كل أنحاء المفوضية مع تحرك أشخاص مثل زيرو وسيمينه حول المنظمة.
وتقول إميليا: "من الناحية المثالية، سيصبح بعض الزملاء من كبار المديرين، وإذا كانوا قد أدمجوا هذه العلاقة في الأداء والتفكير، فسيتم نشرها حول المنظمة خارج نطاق الزمالة. نأمل أن يكون الابتكار متجذراً فيهم، لذلك أينما ذهبوا، فإنهم سيبتكرون بأي طريقة مطلوبة".
وإذا كانت عملية أسوسا تشير إلى أي شيء، فمن المؤكد أن رؤية جعل الابتكار جزءاً مستداماً من ثقافة المفوضية في جميع أنحاء العالم ستصبح حقيقة واقعة.
يقول زيرو: "منذ أن بدأت العمل مع سيمينه في مشروعه وحضرت تدريب الزمالة، أغير شخصياً وجهات نظري. أنا مقتنع بأننا ما لم نعتمد مفهوم الابتكار هذا، فسنستمر في مواجهة التحديات نفسها كل عام. إذا واصلنا تحقيق أقصى قدر من المعرفة وفتح الباب الذي يمكن أن تأتي منه الأفكار الجيدة من الزملاء الآخرين والشركاء واللاجئين، وإذا تم تطبيقها بشكل صحيح، فإن الابتكار سيكون له تأثير كبير في أسوسا".
نحن نبحث دائماً عن قصص وأفكار وآراء رائعة حول الابتكارات التي يقودها اللاجئون أو تترك أثراً عليهم. إذا كان لديكم واحدة لمشاركتها معنا، أرسلوا لنا رسالةً إلكترونيةً على [email protected]
وإن كنتم ترغبون في إعادة نشر هذه المقالة على موقعكم الالكتروني، يُرجى الاطلاع على سياسة إعادة النشر الخاصة بنا.