كاتب حائز على جائزة نوبل يتناول موضوعات النزوح والتاريخ والوطن
كاتب حائز على جائزة نوبل يتناول موضوعات النزوح والتاريخ والوطن
يقول المؤلف والحائز على جائزة نوبل عبد الرزاق قرنح: "تعتقد أنك تفهم الأماكن"، وهو يسترجع التحديات التي واجهها عندما كان مراهقاً من زنجبار بعد وصوله إلى المملكة المتحدة منذ أكثر من نصف قرن.
"لكن الأمر كان مختلفاً تماماً، بعيداً جداً من حيث الثقافة، والملكية الاجتماعية، واللغة، والدين ... لقد كانت مقدمة صعبة وصادمة، خاصة بالنسبة لشخص غريب وفقير - وخاصة إذا كان عمرك 18 عاماً".
جالساً في "عليّة الكاتب" – وهي غرفة مليئة بالكتب في الجزء العلوي من منزله في قرية خارج مدينة كانتربيري التاريخية، الواقعة جنوب شرق إنكلترا - روى قرنح للمفوضية قصته الشخصية حول النزوح والغربة، بدءًا من كيفية مغادرته لموطنه الأصلي زنجبار في عام 1968 والأسباب الكامنة وراء ذلك.
بعد أربع سنوات من الثورة التي أطيح على إثرها السلطان وحكومته، بقي العنف في الجزيرة منتشراً. يقول قرنح: "لقد كانت فترة مرعبة – لم تكن بالضرورة رعباً شخصياً، لكن الأجواء كانت مرعبة".
"ذهبت لأفعل شيئاً ما في حياتي"
وأضاف: "قتل عدد من الاشخاص وكان هناك من في السجن، فيما تم طرد عدة أشخاص. خسر السكان مصادر رزقهم، وتم نزع ملكية الشركات، وما إلى ذلك".
ومع ذلك، فقد قرر الرحيل بعد أن أغلق النظام الجديد المدارس. "كان هذا بالنسبة لي أكبر سبب وراء رغبتي في المغادرة. ذهبت لأفعل شيئاً ما في حياتي".
اليوم، يلتفت قرنح إلى الوراء ليرى مسيرة أكاديمية حافلة وسلسلة من الروايات التي نالت استحسانا كبيراً، والتي بلغت ذروتها العام الماضي بحصوله على جائزة نوبل للآداب عن عمله "تغلغل لا هوادة فيه لتأثيرات الاستعمار ومصير اللاجئ في الخليج بين الثقافات والقارات".
يتحدث قرنح ويكتب مرتكزاً على تجربته. يستذكر قائلاً أن التكيف مع الحياة في بريطانيا كان أمراً صعباً، فقد فاقمت العنصرية شعوره بالغربة - العرضية منها والعلنية، وأحياناً الجسدية - والتي كانت شائعة في ذلك الوقت.
ومع ذلك، فقد برع كطالب قبل أن يتحول إلى مجال العمل الأكاديمي، ليصبح في نهاية المطاف أستاذاً للغة الإنكليزية وآداب ما بعد الاستعمار في جامعة كنت، وهو منصب تخلى عنه في عام 2017. على طول الطريق، كتب روايات مثل "الجنة" و"بجانب البحر"، متحدثاً فيها عن موضوعات الغربة والعزلة والاستعمار والهوية.
ومع ذلك، لم ينجح في تحقيق النجومية الأدبية إلا من خلال جائزة نوبل. ومثل العديد من الأشخاص الذين ردوا على تلك المكالمة الهاتفية الأولية، لم يصدق قرنح فوزه بالجائزة في البداية، حيث ذهب للتحقق عن المعلومة عبر الإنترنت، متخيلاً أن أياً كان صاحب الخدعة، فإنه سوف "يضحك ويقول: لقد وقعت في الفخ!".
يقول قرنح إن حبه للكتابة يعود إلى أيام دراسته، لكنه لم يكن ينوي أبداً تحويلها إلى مهنة: "عندما بدأت الكتابة، كان الأمر يتعلق بالتفكير أكثر في الموقف الذي كنت فيه، ووجودي هنا في إنكلترا ... لأن الكتابة أحياناً ... تساعد في هذا النوع من تفكيك الأشياء أو فصلها".
في الوقت نفسه، وجد أيضاً متعة في الكتابة وأدرك أنه قد يكون لديه موهبة في ذلك، وهو ما تحول في نهاية المطاف إلى رغبة "في فعل شيء ما ... بدلاً من مجرد كتابة أشياء. وبمجرد أن تعلق في شرك ذلك، فلا مناص منه".
في محاضرة نوبل الأخيرة التي ألقاها، قال قرنح إن ابتعاده عن الأحداث في زنجبار دفعه إلى "التفكير في قبح ما كان يمكننا إلحاقه ببعضنا البعض"، بالإضافة إلى الأذى اليومي الناجم عن حالة عدم المساواة الاجتماعية وتلك القائمة على نوع الجنس وغيرها. ويساوره الشك في أن تكون مثل هذه الأفكار "أحد أعباء الأشخاص الذين فروا من الصدمة ووجدوا أنفسهم يعيشون بأمان بعيداً عن أولئك الذين تركوهم وراءهم".
"المواقف الأكثر إنسانية ممكنة"
الكتابة - والشهرة الآن - أعطت قرنح منصة للتحدث نيابة عن اللاجئين.
يصر على القول أنه "لا أستطيع أن أخبر أحداً ماذا يفعل"، لكنه يستطيع أن يستمر في الإشارة إلى حالة الظلم والوحشية التي يواجهها اللاجئون، و "للاستمرار في القول أنه من الممكن وجود مواقف إنسانية" أكثر من العداء الذي يرتديه بعض السياسيين كعلامة.
يقول: "نرى قصصاً لا نهاية لها من النجاح من قبل الأشخاص الذين أتيحت لهم الفرصة. ليس فقط كلاعبي كرة قدم، بالطبع، ولكن أيضاً كرجال أعمال وسيدات أعمال، كطلاب أصبحوا أطباء فيما بعد" (ناهيك عن كبار السياسيين، حسبما أضاف). "هناك أمثلة لا حصر لها حول ما يمكن [للاجئين] أن يجلبوه من منافع للمجتمع الذي يستقبلهم - ليس فقط لأنفسهم، بل للمجتمع أيضاً".
في مقابلات سابقة، انتقد قرنح المواقف الرسمية المتخذة تجاه اللاجئين والمهاجرين في الدول الأوروبية الغنية مثل المملكة المتحدة، والتي وافقت في 27 أبريل على تشريع يسعى إلى ردع الأشخاص عن طلب اللجوء في البلاد. إذن من أين تأتي الكراهية تجاه اللاجئين؟
"حسناً، هذا ليس شيئاً يحدث في جميع أنحاء العالم. هناك أماكن تتضاءل فيها مشاعر العداء على الأقل من خلال شعور الأغلبية بأنه "يجب علينا أن نفعل ما في وسعنا". يبدو لي أن معظم الدول الغنية هي المعادية والدفاعية والخائفة. وهذه مفاجأة، لأنه إذا فكرت في التاريخ الأوروبي، فقد كان اللاجئون من 50 أو 60 عاماً فقط يتنقلون جيئة وذهاباً عبر القارة الأوروبية لسبب أو لآخر".
كما تلفت انتباه قرنح لغة النزوح. يقول إن كلمة "لاجئ" يجب أن تحافظ على معناها المحدد - وعلى الرغم من الظروف التي غادر فيها زنجبار، فإنه لا يعتبر نفسه لاجئاً.
يقول: "إن كنت لاجئاً، فذلك أمر مؤسف للغاية. ليس لأنك ترغب في ذلك ... فالأمر يتعلق بمحاولة إنقاذ حياتك وربما حياة عائلتك أيضًا".
وقال قرنح إن كلمتي "لاجئ" و "منفى" تحملان نبلاً أساسياً، وتطبيقهما بشكل فضفاض على كافة الأشخاص الذين يغادرون بلدانهم قد يعرض الكلمتين لفقدان السياق الذي غادر فيه الأشخاص ديارهم، فضلاً عن صعوبة تحديد من هم في أمس الحاجة إلى المساعدة.
لذا بعد هذه الفترة الطويلة من العيش في إنكلترا، سيكون من الصعب العثور على بيئة إنكليزية أكثر من كينت التي تُعرف أيضاً باسم "حديقة إنكلترا"، أين يشعر قرنح بالمكان الأقرب إليه؟
يقول: "المنزل لا يشير فقط إلى المكان الذي تعيش فيه، بل أيضاً المكان الذي تشعر فيه بالراحة الخيالية. هل أشعر أنني زنجباري؟ تماماً. لكنني عشت أيضاً في بريطانيا لمدة 50 عاماً حتى الآن. في مخيلتي، أشغل المكانين ولكن بطرق مختلفة. وأنا أيضاً سأرفض أن ينكرني أحد".