بلدة حدودية بولندية متواضعة ترحب باللاجئين القادمين من أوكرانيا
بلدة حدودية بولندية متواضعة ترحب باللاجئين القادمين من أوكرانيا
لا ينام ماريك إيواسيتشكو سوى أربع ساعات في المتوسط في الليلة منذ أن بدأت القنابل في السقوط على أوكرانيا.
يترأس إيواسيتشكو، البالغ من العمر 64 عاماً، بلدية ميديكا منذ عام 2006. وتقع البلدة على الحدود الأوكرانية مع بولندا، وعلى بعد 85 كيلومتراً غرب لفيف، حيث ينتظر ما يقدر بنحو مليوني شخص في حالة من الخوف قبل اتخاذ قرار بالمغادرة. وتعتبر هذه المدينة أكبر نقطة لعبور للاجئين الفارين من حياتهم التي عصفت بها الحرب في أوكرانيا.
وقال إيواسيتشكو للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى مركز الاستقبال في المدينة، وهو عبارة عن صالة رياضية تم تحويلها وتتسع لـ 240 سريراً: "من الواضح أننا لم نتوقع ذلك - إنه درس بالنسبة لنا".
وأضاف: "الأولوية تكمن في حياة الإنسان، والحرص على عدم وفاة أي شخص بسبب البرد أو غيره من الاحتياجات. لقد انخفضت درجة الحرارة بين عشية وضحاها الأسبوع الماضي إلى -12 درجة مئوية هنا. لقد حالفنا الحظ ولم يمت أحد. وفرنا المأوى لأكثر من 700 شخص، والذين كانوا ينتظرون حافلات النقل في كل زاوية لدرء البرد عنهم".
- اقرأ أيضاً: الأسر الأوكرانية تواجه واقعاً جديداً لها كلاجئين
نظراً لحجمها المتواضع، فقد استقبلت البلدة عدداً كبيراً وغير متناسب مما مجموعه 1.8 مليون لاجئ من أوكرانيا والذين عبروا حتى الآن إلى بولندا. يحتاج معظمهم إلى مكان للتوقف والتجمع من جديد والتعافي قبل الانتقال إلى مدن أخرى في بولندا أو خارجها.
شمّر إيواسيتشكو عن ساعديه على الفور، وذلك من خلال العمل مع السكان المحليين والمنظمات غير الحكومية والشرطة ومراكز الإطفاء، بهدف تحويل الصالة الرياضية إلى مركز استقبال، فيما يتم وضع الحيوانات الأليفة في مبنى قريب. وقال: "كنا أول من أنشأ مركز الاستقبال لأننا الأقرب إلى الحدود وشهدنا أكبر تدفق للأشخاص في الأيام الأولى ونحن نحظى بدعم من السلطات الإقليمية".
عندما زارت المفوضية المركز، كانت طاقته الاستيعابية لا تتجاوز 20 بالمائة، على الرغم من أن الوافدين الجدد يميلون إلى القدوم ليلاً. إذا انتقل الصراع إلى غرب أوكرانيا، فإنه من المتوقع مرور عدد أكبر من هذا المكان. تعمل المفوضية منذ أيام على نشر موظفين إضافيين في المناطق الحدودية والحضرية للمساعدة في رصد تحركات الوصول، وتوفير المعلومات للاجئين حول خياراتهم المتاحة، وتقديم المشورة بشأن اختيار المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين وتقديم الدعم المتخصص في مجال حماية الطفل والمساعدة القانونية.
"لقد فقد هؤلاء اللاجئون كل شيء تقريباً"
يدرك رئيس البلدية أن الحرب ستترك بصمة دائمة على ميديكا: "لقد خسر هؤلاء اللاجئون كل شيء تقريباً. يجب علينا مساعدتهم، حتى لو كان هذا يعني أنه سيتعين علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع القليل من الموارد".
يعتبر هذا الجزء الجنوب الشرقي من بين المناطق الأقل ازدهاراً في بولندا، ولكنه استفاد من تمويل الاتحاد الأوروبي في العقد الماضي. من بين الاستثمارات التي تمكنت هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6,500 نسمة من القيام بها، إنشاء صالة الألعاب الرياضية – التي باتت الآن مركزاً للاجئين - وروضة للأطفال وتطوير الطرق.
لكن في الأسابيع الماضية، لاحظ إيواسيتشكو تدهوراً في الهياكل المحلية، كأعمدة الشوارع المكسورة والأضرار التي لحقت بالطرق والأرصفة. وقال: "جاءنا عدد كبير جداً من الوافدين ولم تستطع البنية التحتية للمدينة تحمل ذلك. الجميع هنا متكيفون مع الوضع، لكننا سنحتاج إلى المزيد من مرافق الاستحمام والمزيد من الحمامات – بصفة مبدئية للاجئين ولكن لاحقاً للمجتمع. سنحتاج للمزيد من الفصول الدراسية وسوف تتزايد الاحتياجات".
قال رؤساء بلديات المدن الكبرى مثل وارسو وكراكوف إنهم يصارعون أيضاً لاستيعاب أعداد الوافدين ويحثون المزيد من البلدات والمدن على تكثيف الجهود.
وأضاف: "في هذه المرحلة، لا أحد يفكر في التكلفة أو التبرعات. هناك أمور فورية يجب القيام بها. نأمل في الحصول على مزيد من الدعم، لكننا الآن نركز على اللاجئين. باقي الأمور ستأتي لاحقاً".
"نحن نركز الآن على اللاجئين"
في المركز، يأتي المتطوعون بالطعام الذي يتم إعداده في المطابخ المحلية بدعم من الاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية. لقد ساهمت البلدة بأكملها في إعداد وجبات الطعام واستضافة الأسر اللاجئة.
هناك أكوام من التبرعات داخل المركز وخارجه أتت من أماكن بعيدة، والعديد منها غير مجدٍ. بعضها مواد غذائية منتهية صلاحيتها ويجب التخلص منها، وهو ما يتسبب بإضاعة الوقت. وقال رئيس البلدية: "بالطبع، تلقينا الدعم من العديد من المنظمات، لكن بعضها كان مجرد كومة من القمامة. كان علينا أن نقضي وقتاً طويلاً في عملية الفرز والتخلص من الأشياء غير الصالحة. لقد كان الأمر صعباً".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى سلعة عالمية تسمى النقد"، وهو ما يتيح له بالاستثمار في ما هو مطلوب وعند الحاجة.
هذه الرسالة أكد عليها بيوتر، وهو أحد المتطوعين في المركز: "ليست هناك حاجة لمزيد من الملابس. يأتي الناس إلى هنا بنصف حافلة [حمولة] ولا يمكننا أخذها، فنحن نعاني من أزمة في التخزين. الأطعمة المعلبة ذات الصلاحية الطويلة مفيدة ويمكن حفظها بالخارج. يوجد الكثير من الطعام الآن ولكن المخزون انخفض خلال الأسبوع. يحتاج الفارون من الحرب إلى أشياء معينة كالمأوى والدفء والطعام والدواء والمعلومات والنقل والإنترنت".
أضاف أحد منسقي المركز أن الصدمات النفسية باتت من المشكلات الكبرى: "يختبئ العديد من الأطفال الذين وصلوا تحت البطانيات أو الأسرة، ولا يزالون يخشون سقوط القنابل. سوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يشعروا بالأمان ويبدأوا اللعب مرة أخرى. لدينا مساحة للأطفال والأخصائيين النفسيين للمساعدة. يحتاج معظم البالغين إلى وقت أطول للانفتاح. ستكون هناك حاجة إلى هذا الدعم بمجرد أن يستقروا بشكل أكبر".
في غضون ذلك، يتعين على إيواسيتشكو، الذي ولد على مرمى حجر من مركز اللاجئين، أن يؤجل أي أفكار للتقاعد. يقول: "لا نعرف متى سينتهي ذلك وهذا هو الأمر الأصعب. لكننا سنبقى هنا ما دامت هناك حاجة لنا ويمكننا المساعدة".