الحدود الهنغارية.. آخر عقبة في رحلة اللجوء الطويلة
الحدود الهنغارية.. آخر عقبة في رحلة اللجوء الطويلة
سوبوتيتسا، صربيا، 17 ديسمبر/كانون الأول (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - أسد الله هو شاب أفغاني يبلغ 23 عاماً من العمر. إنه يخفي ظروفه وراء ابتسامة عريضة. كان يرتجف في مصنع قرميد مهجور وينتظر تهريبه عبر الحدود المجاورة إلى هنغاريا، وهي البوابة التي ستوصله إلى وجهته الفعلية: النمسا.
يقول: "يجب أن نشعر بالسعادة. إن بقيت حزيناً، فلن أستطيع المضي قدماً".
كانت الرحلة شاقة. فقد أمضى أياماً وليالٍ سيراً على الأقدام أو على ظهر حصان، فقد جاء من أفغانستان إلى إيران، عبر تركيا واليونان وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، إلى سوبوتيتسا في صربيا المجاورة لهنغاريا.
يزعم أسد الله أنه شهد على طول الطريق تعرض 20 شخصاً من المسافرين معه لإطلاق النار على معبر حدودي. ألقت السلطات القبض عليه في إحدى المرات، وقد أمضى تسعة أشهر في السجن لكنه لم يفقد الأمل مطلقاً في أن يوصله المهرّبون الذين قبضوا منه 4500 دولار أميركي إلى النمسا.
انضم أسد الله إلى مئات آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء الذين قَدِموا إلى أوروبا حتى هذه الفترة من العام. سواء كانوا يهربون من الاضطهاد أو يبحثون عن حياة أفضل، لا يجد الكثيرون منهم خياراً آخر عدا اللجوء إلى عصابات التهريب. ويقول إن مجموعة من السوريين غادرت مصنع القرميد نحو هنغاريا في وقت سابق من ذلك اليوم.
يقول سمبل رضوي، أخصائي الهجرة المختلطة لدى المفوضية: "نظراً إلى عدم توفر سبل مناسبة وآمنة ونظامية للحصول على اللجوء والحماية، يستعين اللاجئون وطالبو اللجوء بالمهربين وغالباً ما يعرضون حياتهم للخطر. يهرب اللاجئون لإنقاذ حياتهم. إلى جانب حماية الحدود، يتعين على البلدان أن تسمح لطالبي اللجوء بالتمتع بالأمان والحماية اللذين يحق لهم بهما".
كانت الرحلات المأساوية عبر المتوسط التي أدت إلى غرق الآلاف، كفيلة بجذب الانتباه إلى اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني، تحدث البابا فرنسيس عن هؤلاء المهاجرين وقال: "لا يمكن أن نسمح بأن يصبح المتوسط مقبرة واسعة".
يقول أسد الله الذي يحمل شهادة في علم الحاسوب إنه ترك وراءه زوجة وطفلة عمرها تسعة أشهر. باعت عائلته أرضها لجمع المال ودفعه للمهربين الذين لا يحصلون على كامل المبلغ إلا بعد وصوله إلى وجهته على "الحدود الخضراء" في هنغاريا.
إنها الغابة الواقعة بين المعابر الحدودية الرسمية الخاضعة لمراقبة السلطات الهنغارية بالكاميرات نهاراً وبأجهزة الاستشعار الحرارية ليلاً. أعلنت السلطات أنها قبضت حديثاً على 37 مهاجراً في سيارة "هاتشباك" صغيرة. واعتبر أحد الأطباء أنهم كانوا ليموتوا اختناقاً بعد فترة قصيرة لو لم يتم إنقاذهم.
يُحتجَز الأشخاص الذين يُعتقَلون وهم يعبرون الحدود بطريقة غير نظامية في زنزانات الشرطة الحدودية طوال 24 ساعة. يقدم 86 في المئة منهم تقريباً طلب لجوء ثم يُنقَلون إلى مراكز الاستقبال. تتوقع هنغاريا أن تستقبل حتى 35 ألف طلب لجوء هذا العام، لكن يبقى عدد الأشخاص الذين يكتسبون صفة اللجوء منخفضاً جداً. (يمكن ملاحقة كل من لا يقدم طلب لجوء بتهمة دخول البلد بطريقة غير قانونية وترحيله).
يقول علي الفرحات، وهو رجل أعمال سوري تم استجوابه في زنزانة الشرطة في مدينة سيجد الهنغارية التي تقع على بعد 15 كلم تقريباً في شمال الحدود الصربية، إنه غادر بلدته التي دمرتها الحرب منذ شهرين فقط. يسيطر نظام الأسد على بلدته الأم، وهي مدينة اللاذقية المرفئية، وقد قال إنه تعرض للضغوط كي ينضم إلى القوات المسلحة. ويقول: "لا أريد أن أنحاز إلى طرف دون الآخر".
يقول علي إنه نجا من رحلة خطيرة في البحر بعد أن أحدث المهربون ثقباً في مركبهم الصغير، وهو يظن أن بعض الركاب غرقوا. يقول إنه في حال ترحيله، فسوف يعود إلى سوبوتيتسا ويكرر المحاولة. يدرك المسؤولون على الحدود الهنغارية الطرق المتبعة. وتفيد الشرطة بأن الكلمات الأولى التي يتلفظ بها عدد كبير من الأشخاص الذين يُضبَطون وهم يعبرون الحدود تكون في أغلب الأحيان "لجوء، لجوء".
يخدع بعض المهربين زبائنهم فيتركونهم في بلغاريا مثلاً ويدّعون أنهم في برلين. لكن يزداد عدد "العملاء" الذين يملكون هواتف ذكية مزودة بنظام تحديد المواقع العالمي وقد باتوا أكثر اطلاعاً.
وبحسب أسد الله المتواجد في مصنع القرميد في صربيا، فإن المهربين قالوا له: "مهما حصل، تمسكوا بهواتفكم"". لديه وأصدقائه محطة لشحن للهواتف الخليوية للتأكد من أنهم لن يفوتوا أي تعليمات من المهربين.
كان أسد الله برفقة صبي أفغاني اسمه أمين الله وعمره 15 عاماً وهو يخوض رحلة الفرار منذ خمسة أشهر بعد مغادرة محافظة هلمند الأفغانية. يقول إن حركة طالبان هددت باستعماله وشقيقه الأكبر (موجود هنا معه) كانتحاريين. يقول أمين الله إنه يريد الوصول إلى إنكلترا.
مع غروب الشمس باكراً في يوم شتوي بارد، تسلق أمين الله جبلاً من قطع القرميد الكبيرة داخل مستودع وأشار إلى مساحة حفرها في الأعلى. تبدو قطع القرميد أشبه بسرير صلب جداً للنوم ليلاً. لكن يصحح أسد الله هذه المعلومة قائلاً: "نحن لا ننام. بل إننا نشعل النار وننتظر أن ينادينا المهرّبون".
بقلم كيتي ماكينسي في سوبوتيتسا، صربيا