صحفي ولاجئ سابق يفوز بجائزة نانسن العالمية لدفاعه عن تعليم اللاجئين
صحفي ولاجئ سابق يفوز بجائزة نانسن العالمية لدفاعه عن تعليم اللاجئين
عندما وصل عبد الله ميري لأول مرة إلى مخيم داداب للاجئين في شمال شرق كينيا في سن الثالثة، وقف مشدوهاً أمام الحروف والكلمات التي رآها على اللوحات الإعلانية وعلى الصفائح البلاستيكية التي غطت المأوى المؤقت لعائلته.
ويستذكر قائلاً: "كنت طفلاً فضولياً، وكنت حريصاً على تعلم كيفية قراءة الحروف الأبجدية".
كان ذلك في عام 1991، وكانت عائلته قد استقرت لتوها في المخيم بعد الفرار من الحرب الأهلية في الصومال. كانت ميليشيات العشائر المتناحرة قد اجتاحت مسقط رأسه بلدة قوريولي الواقعة في جنوب الصومال، مما أجبر السكان على الفرار من البلدة الزراعية المزدهرة.
كان والدا عبد الله ميري يأملان في العودة إلى المنزل بعد فترة وجيزة، ولم يتخيلا أبداً أن مخيم داداب قد يصبح موطنهما لأكثر من عقدين من الزمن - أو أن تساعد هذه المنطقة في تكوين ابنهما الصغير ليصبح صحفياً مرموقاً وحائزاً على الجوائز لدفاعه عن اللاجئين.
نشأ عبد الله في أحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، وسرعان ما أدرك أن التعليم يوفر له مخرجاً من التحديات التي تفرضها الحياة في المخيمات.
يقول: "كان اليوم الأول في المدرسة مثيراً. من كلمة "انطلق" عرفت ما أريد. كنت أعرف أن هذه الصفحة [الجديدة] التي كنت أعيشها في المدرسة كانت شيئاً سيغير حياتي ... وقد بدأت رحلتي من هناك".
بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، حصل على منحة دراسية نافس عليها لدراسة العلاقات العامة في الفرع الرقمي لجامعة كينياتا في داداب. ولكن بعد تخرجه من الجامعة، لم يُدر ظهره للاجئين الشباب الآخرين في المخيم ممن كان لديهم آمالهم وإمكاناتهم، حيث أنشأ "مركز تعليم الشباب اللاجئين"، وهي منظمة يقودها اللاجئون وتدعم الطلاب اللاجئين بالكتب والمواد التعليمية الأخرى.
منذ ذلك الحين، وزع المركز أكثر من 100,000 كتاب تبرعت بها الجمعيات الخيرية التعليمية ولاجئون سابقون من مخيم داداب والذين يعيشون في الشتات لدعم المدارس في المخيم وإنشاء ثلاث مكتبات عامة.
كما يدعو المركز إلى الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للاجئين في كينيا، ويدعم كذلك اللاجئات في المخيم للحصول على سُبل كسب العيش وفرص العمل.
الفائز بجائزة نانسن العالمية للاجئ
تقديراً لحملته المبتكرة للدفاع عن الحق في تعليم اللاجئين في كينيا، تم اختيار عبد الله ميري كفائز بجائزة نانسن للاجئ العالمية لعام 2023. وتُمنح هذه الجائزة المرموقة سنوياً تكريماً للعمل المتفاني الذي يقدمه أشخاص أو منظمات في سبيل مساعدة النازحين قسراً أو عديمي الجنسية حول العالم.
يقول عبد الله: "لم يخطر لي إطلاقاً أن أحقق هذا الإنجاز. أهدي هذه الجائزة إلى كل طفل لاجئ أجبر مثلي على الفرار من منزله. إنها تمنحهم الأمل وهي الحافز للتشبث بأحلامهم".
وفقاً لأحدث تقرير عن التعليم صادر عن المفوضية، لا يزال أكثر من نصف الأطفال اللاجئين في سن الدراسة في العالم، والبالغ عددهم حوالي 15 مليون طفل، خارج المدارس الرسمية.
وفي داداب، حيث يشكل الأطفال أكثر من نصف عدد السكان البالغ عددهم 370,000 لاجئ وطالب لجوء، يرتاد 58% فقط منهم المدارس في المخيم، وذلك بسبب نقص المعلمين المؤهلين، وكذلك لوجود حواجز اجتماعية وثقافية، بما فيها الزواج المبكر.
عندما تخرج عبد الله من الجامعة، شرع في استغلال مهاراته لكتابة القصص عن أبناء بلده من اللاجئين في المخيم والتي نشرتها وسائل الإعلام الدولية، بما فيها قناة الجزيرة ووكالة الأنباء الفرنسية. ويقول: "أصبحت صوت مجتمعي".
في عام 2017، وبينما كان في مهمة عمل صحفية في مدرسة هاغاديرا الثانوية، وهي إحدى المدارس الثانوية الست في داداب، اتصلت طالبة شابة بعبد الله وأخبرته عن الحاجة الماسة للكتب في المخيم، وخاصة بالنسبة للفتيات.
ويقول: "كان اسمها هودان بشير، وأتذكر أنها كانت خجولة جداً، ولكنها مصممة على لفت نظري للتحديات التي كانت تواجهها. أخبرتني أن حلمها هو أن تصبح طبيبة، ولكن حقيقة أنها تتقاسم كتاباً واحداً في علم الأحياء مع 15 فتاة أخرى كان أمراً محبطاً للغاية".
حملة كتاب داداب
وبعدما بثت قصتها الإلهام في عبد الله، فقد شرع في إطلاق حملة لجمع الكتب للمدارس في المخيم. وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وحشد شبكاته، بما في ذلك مع أفراد الشتات الصومالي، تمكن من جمع أكثر من 20,000 كتاب في المرحلة الأولى من الحملة.
كانت هودان من أوائل الطلاب الذين استلموا بعض الكتب المتبرع بها، وهي تعمل الآن كممرضة متدربة في جناح الولادة في المستشفى الرئيسي في المخيم، وتسعى لتحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة.
رؤيتي هي مساعدة كل طفل في المخيم على تحقيق أحلامه من خلال التعليم.
تقول: "بدأ كل شيء بكتاب علم الأحياء هذا، حيث حصلت على الكتاب لأن أخي عبد الله ميري ساعدني ... ونصحني بأن أقرأ هذا الكتاب حتى [أتمكن] من حصد درجة جيدة والوصول إلى طموحي، والآن أنا هنا أساعد الأمهات والأطفال".
واجتذبت حملة الكتاب دعماً من شخصيات بارزة، بما في ذلك محمد علي نور، سفير الصومال السابق في كينيا.
ويستذكر محمد علي نور، قائلاً: "كان عبد الله أحد القادة الشباب النشطين الذين اعتادوا الترحيب بي في داداب كلما أجريت زيارة خلال فترة ولايتي، وهو نموذج لقدرة اللاجئين على القيام بدور قيادي في إيجاد الحلول إذا أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك. لقد أحدث تأثيراً كبيراً بأقل الموارد".
في عام 2020م، فاز مركز تعليم الشباب اللاجئين بجائزة الابتكار للمنظمات غير الحكومية التابعة للمفوضية نظير عمله في مساعدة الطلاب على مواصلة التعلم خلال جائحة فيروس كورونا، وتقديم معلومات حيوية حول الفيروس من خلال برنامج إذاعي أسبوعي.
من خلال العمل بميزانية معدومة، يقضي عبد الله ساعات طويلة في حشد المتطوعين وتنظيم فعاليات لجمع التبرعات. كما يستخدم علاقاته للدفاع بقوة عن المنظمات التي يقودها اللاجئون للمشاركة الهادفة في عمليات صنع القرار.
يتمثل هدف عبد الله الأسمى في وضع كتاب في يد كل طفل في داداب.
يقول: "في المخيم، كل شيء مؤقت. والشيء الوحيد الذي يمثل جواز سفر للخروج من التحديات هو التعليم. رؤيتي هي مساعدة كل طفل في المخيم على تحقيق أحلامه من خلال التعليم".
بدأ كل شيء بكتاب علم الأحياء هذا.