"كل عمل خير مهما كان صغيراً، سيبقى حياً في الذاكرة"
"كل عمل خير مهما كان صغيراً، سيبقى حياً في الذاكرة"
واشنطن العاصمة – تتذكر دانييل إنغو شيئاً واحداً من اليوم الذي أصبحت فيه لاجئة، وكان ذلك في 29 أبريل 1975 – قبل يوم من انسحاب القوات الأمريكية من مدينة سايغون عند نهاية حرب الولايات المتحدة في فيتنام. وبينما انهمرت الصواريخ على مطار تان سون نهات الدولي، تدخلت طائرة نقلٍ عسكرية لإجلاء دانييل مع آخرين ممن اضطروا للفرار من العنف الذي طال كل ما حولهم.
وقالت دانييل: "الشيء الوحيد الذي ما زال عالقاً في ذاكرتي، هو قيام جدي بطي دولار أمريكي واحد ووضعه في جيب قميصي الصغير.. وشعوري حينها بأنه حصولي على شيءٍ أجنبي أمرٌ رائع".
أما التفاصيل الأخرى (عن ذلك اليوم)، فمصدرها هو والدة دانييل؛ فقد فُتح الباب الخلفي للطائرة، وطلب منهم أحد الأشخاص الصعود بسرعةٍ، وبرمي المعدات كي تتسع الطائرة لمزيدٍ من الأشخاص. تعتقد والدة دانييل بأن عائلتهم كانت ضمن آخر دفعةٍ من الفيتناميين الذي فروا مع القوات العسكرية من المطار في ذلك اليوم.
في صغرها، كانت دانييل تريد الانضمام إلى الجيش الأمريكي، ولاحقاً – أثناء دراستها في جامعة ماساتشوستس في مدينة بوسطن – التحقت ببرنامج جامعة بوسطن – المجاورة – لتدريب قوات العسكريين الاحتياطيين (وهو برنامج يمكن استكماله الطلاب الأمريكيين أن يصبحوا ضباطاً يخدمون في القوات الأمريكية المسلحة) والآن، أصبحت دانييل تحمل رتبة كولونيل في الجيش الأمريكي وتعمل كضابطة تنفيذية في مكتب المفتش العام للجيش لدى وزارة الدفاع في محيط العاصمة الأمريكية واشنطن.
وقالت دانييل، رغم أنها أدركت المفارقة في ذلك بمرور السنوات: "كنت أعلم بأنني سأرد الجميل، والتحقت بالجيش لأن والدتي أخبرتني بأن الجيش أنقذنا".
"أنا هنا كمدافعةٍ عن الحريات والحقوق التي تكفلها الولايات المتحدة لشعبها".
وأضافت: "علينا أن نفهم التاريخ لكي نكون بارعين في التخطيط والتخطيط الاستراتيجي. لهذا السبب، تعمقت في تاريخ الحرب في فيتنام وشكلت رأيي الخاص".
وعقّبت دانييل، قائلة: "لكن بالطبع، أنا هنا كمدافعةٍ عن الحريات والحقوق التي تكفلها الولايات المتحدة لشعبها، وهذا ما أركز عليه؛ فهم الدروس التي يعلمنا التاريخ إياها، واستخدامها في عملي اليومي والاستشارات التي أقدمها".
بعد انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام، ساعد الأمريكيون في إعادة توطين أكثر من 140,000 فيتنامي إلى الولايات المتحدة. وعلى مدى العشرين عاماً التالية، اضطر ما يربو على 3 ملايين فيتنامي ولاوي وكمبودي للفرار من العنف في المنطقة. وقد عملت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشكلٍ وثيق مع الحكومات خلال هذه الفترة لمساعدة اللاجئين في الوصول إلى بر الأمان.
بعد اضطرارهم للفرار من فيتنام، انتظرت دانييل وعائلتها لثلاثة أشهرٍ على جزيرة ويك – وهي منطقة أمريكية نائية وصغيرة المساحة في المحيط الهادئ – قبل قبول الولايات المتحدة لهم لإعادة توطينهم.
وعند وصولهم إلى الولايات المتحدة، عاشت العائلة في مخيماتٍ في ولاية هاواي وأركنساس، وأمضت بعض الوقت أيضاً في ولاية تكساس. وفي نهاية المطاف، كفل عم دانييل – الذي كان قد التحق بجامعة هارفرد بفضل منحةٍ دراسية – العائلة التي انتقلت بعد ذلك إلى ولاية ماساتشوستس. وقد تواصل معهم أشخاصٌ من الكنيسة هناك لمساعدتهم على الاستقرار، واصطحبوهم أيضاً لقضاء الإجازات في ولايتي ماين وفيرمونت، حيث تتذكر دانييل الركض واللعب بين الأكواخ وعيش تجربة الطفولة الخالية من المخاوف.
"فكروا بالتعاطف"
وقالت دانييل: "أنا سعيدة لدخولهم في حياتنا.. والآن بعد أن أصبحت أكبر سناً، صرت أدرك أنه لا بد وأنهم كانوا يشعرون بحس التعاطف بالفعل، حتى يبادروا لمساعدة العائلات التي لم تكن تملك شيئاً".
وبعد دأبها لتعلم اللغة الإنكليزية وإيجاد عمل لها، حصلت والدة دانييل أخيراً على فرصة عملٍ مع وكالةٍ كانت تساعد اللاجئين القادمين من تشيكوسلوفاكيا.
وتتذكر دانييل دوماً الأثر الذي تركته عروض المساعدة – مهما كانت صغيرةً – على عائلتها.. وأثناء دراستها الثانوية، أسست دانييل مجموعةً تطوعية لتوزيع الطعام على مآوي المشردين، وفي عملها في مناطق النزاعات – مثل البوسنة والعراق وأفغانستان – شهدت بنفسها كيف انقلبت حياة السكان رأساً على عقب بسبب العنف، وفكرت كثيراً بكيفية مساعدتهم أثناء وبعد انتهاء الصراعات، وقالت بأن التعاطف هو المفتاح لمساعدة اللاجئين وسواهم ممن هجرتهم الحروب والصراعات والاضطهاد.
واختتمت بالقول: "كل عمل خير مهما كان صغيراً، سيبقى حياً في الذاكرة، فكروا بالتعاطف، لأنهم قد لا يملكون شيئاً. الأمر يتعلق بالإنسانية".