حرفي نازح يعود إلى ورشته في الموصل ليساعد جيرانه بعد عامين من النزوح
تقفز أشواق فوق أنقاض المباني المدمرة بمرح في البلدة القديمة للموصل، ممسكة بيد والدها وهو يريها الشوارع والمنازل التي كانت موطناً لأسر المدينة على مدى أجيال. وبعد سنوات من الاستيلاء على المنطقة ومن النزوح، لم تعد تذكر هذه الطفلة الحي الذي كانت تقطنه.
كانت أشواق، البالغة من العمر تسع سنوات، في عمرها الرابع فقط عندما سيطر تنظيم الدولة على المدينة. خلال السنوات الثلاث الأولى، أبقى والدها سعد على أشقائها في داخل المنزل لحمايتهم من الحكم الاستبدادي المفروض على السكان المحليين، حيث واجهوا قيوداً على كل شيء، بدءًا مما يمكنهم ارتداؤه إلى ما إذا كان بإمكانهم استخدام الهواتف المحمولة، مع وجود عقوبات شديدة في حال انتهاك تلك القوانين، بما في ذلك الضرب على الملأ والإعدام.
عندما اندلعت معركة استعادة المدينة في أكتوبر 2016، فر سعد وأسرته إلى جزء آخر من الموصل، ليتمكنوا من تجنب أسوأ المعارك، والتي أدت إلى دمار جزء كبير من المدينة التاريخية القديمة.
"أريد أن تعود الحياة ..."
والآن، وبفضل مساعدة مالية لإعادة تأهيل منزلهم المتضرر، تمكنت العائلة أخيراً من العودة إلى الحي القديم. ويأتي الدعم من خلال برنامج النقد مقابل المأوى والذي تقوده المفوضية.
وتحدث سعد عن منطقة الموصل التاريخية والتي عاش وعمل فيها طوال حياته، قائلاً: "لطالما كنت حريصاً جداً على العودة إلى الحي القديم الذي يعود إلى العصر الآشوري وعمره 6,000 سنة، وأريد أن تعود الحياة إليه".
تعتبر الموصل أكبر مدينة في محافظة نينوى، حيث عاد حتى الآن 1.7 مليون نازح سابق إلى منازلهم. ومع ذلك، فلا يزال أكثر من 334,000 شخص في عداد النازحين.
عندما انتهى القتال في نهاية المطاف، كان هناك أكثر من 40,000 منزل في الموصل بحاجة إلى إعادة التأهيل.
من خلال برنامج النقد مقابل المأوى والذي يوفر الدعم لما يصل إلى 4,000 دولار أمريكي لعمليات الترميم الأساسية، ساعدت المفوضية حتى الآن في إصلاح حوالي 765 منزلاً، لتوفر بذلك المأوى الآمن لأكثر من 7,000 شخص. ولكن بالنظر إلى حجم الدمار، فإن الأمر سيستغرق سنوات عديدة من الدعم المستمر قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها.
وبينما يشير بيده لابنته أشواق إلى المعالم الرئيسية للمدينة، كالجسر الذي يعلو نهر دجلة وبعض المنازل القديمة على طول ضفافه، يستذكر سعد كيف كانت الحياة هنا في أوقات كان يسودها المزيد من السلم، ويقول: "كان الناس يذهبون في نزهات بالقرب من النهر واعتدت أنا وأصدقائي على لعب كرة القدم على ضفة النهر. كانت الحياة جيدة ومزدهرة في الموصل في ذلك الوقت".
تمثلت الأولوية بالنسبة لسعد بعد عودته إلى منزله الذي أعيد تأهيله في إعادة فتح ورشة لحام المعادن الخاصة به، والتي أسسها والده في عام 1978 قبل تسليمها لابنه.
قبل النزاع، كانت تتركز معظم أعماله حول تصنيع قنوات الألمنيوم وأجهزة التهوية للتدفئة المنزلية وأنظمة تكييف الهواء. ولكن كان هناك طلب قليل على هذه الكماليات أثناء سقوط المدينة والسنوات الصعبة التي تلت ذلك.
عندما عاد لفتح ورشته لأول مرة، وجد أن احتياجات الجيران القلائل العائدين إلى المنطقة كانت أموراً أساسية، ووجد طريقة لاستئناف عمله، وفي الوقت نفسه، لمد يد المساعدة.
وأوضح سعد قائلاً: "عدت إلى ورشة العمل الخاصة بي وشعرت بأنه يمكنني مساعدة الأشخاص العائدين من خلال إصلاح خزانات وسخانات المياه التالفة بتكلفة بسيطة، بينما ساعدت الكثير من الناس مجاناً ممن لم يتمكنوا من دفع أجرة العمل".
كما صنع حوالي 350 مدفئة بسيطة لحرق الحطب باستخدام الصفائح المعدنية، والتي باعها لأولئك الذين لم يكن لديهم وسائل أخرى للتدفئة وذلك مقابل 5 دولارات أمريكية، وهو مبلغ بالكاد يكفي لتغطية تكاليف العمل.
"كلنا مواطنون في الموصل"
وقال سعد: "لقد ساعد ذلك الناس - ليس فقط المنازل فحسب، بل أيضاً المتاجر التي تم إعادة فتحها. يستحق السكان فرصة ثانية. معظمهم فقراء ويحتاجون للمساعدة. كلنا مواطنون من الموصل، وعلى من يكون قادراً مساعدة أولئك الذين هم أقل حظاً مناً".
مع عودة السكان والتجارة ببطء إلى الحي، استأنف سعد مؤخراً صنع قطع الغيار لأنظمة التكييف والتدفئة المركزية للمرة الأولى منذ أكثر من ست سنوات.
يأمل أن تكون هذه العلامة المشجعة بمثابة بداية حياة أفضل لعائلته وللمدينة، وأن تأتي ابنته أشواق مرة أخرى للتعرف على الحي وعلى منزل الأسرة: "كل ما أريده هو أن يعيش أطفالي حياة جيدة وأن أكون قادراً على توفير حياة مريحة لهم. أتمنى أن يحظوا بمستقبل جيد في الموصل".