اللاجئون يواجهون البرد في صربيا على أمل إيجاد مستقبل أفضل
اللاجئون يواجهون البرد في صربيا على أمل إيجاد مستقبل أفضل
بلغراد، صربيا – لم ينم عزيز جبرخيل، وهو لاجئ أفغاني يبلغ من العمر ثمانية أعوام، في سرير حقيقي منذ عام تقريباً. وحتى الآن، لا يزال ينام على كومة من البطانيات في مجمّع من المستودعات القذرة والمهجورة خلف محطة القطار الرئيسية في بلغراد. إلا أن وضعه اليائس قد يتغير أخيراً.
منذ أن أقفلت بلدان الاتحاد الأوروبي المجاورة حدودها في ربيع عام 2016 وبدأت بالطرد الجماعي إلى صربيا، التي هي خارج الاتحاد الأوروبي، ارتفع بشكل ملحوظ عدد اللاجئين والمهاجرين العالقين في البلاد من بضعة مئات إلى حوالي 8,000 شخص.
واستجابةً لذلك، قامت السلطات الصربية والمفوضية، بالتعاون مع الشركاء في المجال الإنساني، برفع قدرة المآوي الحكومية المدفّأة على استيعاب اللاجئين والمهاجرين في صربيا من أقل من 2,000 إلى حوالي 7,000 سرير.
وبفضل هذه الجهود، يقيم حوالي 85% من اللاجئين المتواجدين في البلاد، بما في ذلك النساء والعائلات، في 17 مرفقاً حكومياً. وفي الوقت نفسه، لا يزال بعض مئات الرجال والفتيان يعيشون في ظروف بائسة وغير آمنة.
وقد زاد أقسى شتاء منذ أعوام الحاجة الملحة لبذل الجهود لإقناع جميع الأطفال المتبقين كعزيز بالانتقال من المباني المهجورة إلى المآوي الحكومية.
وفي الأيام الأخيرة، وافق أكثر من 400 لاجئ ومهاجر، بما في ذلك 200 طفل، على مغادرة المأوى غير الصحي والعشوائي في بلغراد والانتقال إلى مسكن مجاور افتتحته الحكومة في منتصف يناير. وعبّر الذين وافقوا على الانتقال عن سرورهم للقيام بذلك.
وقال كيرامات صافي، وهو فتى غير مصحوب من أفغانستان، يبلغ من العمر 17 عاماً، قرر طوعاً بعد أربعة أشهر من العيش في العراء مغادرة المستودعات والانتقال إلى مأوى مجاور آخر في كرنجاكا، قبل أسبوعين: "اضطررت إلى المغادرة؛ فالجو كان بارداً وملوثاً جداً هناك".
وأضاف: "حالياً، أشعر أنني بحال أفضل لأن الجو هنا أكثر دفءاً؛ فلا يوجد دخان ويمكنني النوم في الداخل".
ولكن حتى الآن، كان عزيز يرفض الانتقال إلى مأوى. وكان ينتظر سماع أخبار عن والده الذي فُقد منذ حوالي ثلاثة أسابيع بعد القيام بمحاولة فاشلة لعبور الحدود. ترك عزيز، وهو الإبن البكر في عائلته ويبلغ من العمر ثمانية أعوام، أسرته ومنزله في ولاية ننكرهار في أفغانستان منذ ثمانية أشهر وسافر مع والده، حبيب رحمان، وعمّه خان.
وقال عزيز بأنهم كانوا متوجهين للانضمام إلى عمّه الثاني، وهو طالب لجوء في فرنسا، لكنهم انتقلوا إلى المستودعات في أواخر أكتوبر بعد الفشل في محاولة العبور إلى كرواتيا.
حاولوا العبور مراراً وتكراراً، لكنهم كانوا يطردون إلى صربيا.
بعد ذلك، خلال محاولتهم الأخيرة منذ ثلاثة أسابيع، وقعت الكارثة. كانت المجموعة تعبر أحد الأنهار في ظل تدني درجات الحرارة إلى ما دون الصفر عندما غرق قاربهم، ما أدى إلى تبلّلهم ويشعورهم ببرد لا يحتمل. طلبوا المساعدة من حرس الحدود الصربية المجاورة الذين اعتقلوا والد عزيز.
بعد أن سمحت للجميع بالمغادرة، طلبت الشرطة من عزيز وعمه خان المغادرة والتسجيل في مأوى حكومي قريب. ولكن مع غياب أي وسيلة اتصال بحبيب رحمان وعدم معرفتهما بمكان وجوده، اتخذا القرار بالعودة إلى بلغراد لانتظاره. وبعد يومين، عاد والد عزيز إلى المبنى المهجور.
وقد اتصلت المفوضية، من خلال شركائها، بحبيب رحمان وعزيز وحثتهما على الانتقال من المخيم غير الصحي العشوائي إلى مأوى حكومي.
قال حبيب رحمان البالغ من العمر 31 عاماً: شعرت بالفرح الشديد عندما وجدت ابني هنا. وحالياً، لا نعرف ما يجب القيام به. أريد الذهاب إلى المأوى، لكن في الوقت نفسه نريد محاولة عبور الحدود مرة أخرى. سنذهب إلى المأوى على الأرجح لكن لا أريد البقاء هناك لفترة طويلة".
وتواصل المفوضية توزيع المناشير وتقديم المشورة إلى المقيمين في المستودع بشأن حقهم في السكن في مآوٍ حكومية. وقد عملت بجهد لتحديد الأطفال غير المصحوبين الذين ينامون في العراء في بلغراد وأماكن أخرى.
ومع ذلك، لا يزال عدّة مئات من اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك عدد من الأطفال كعزيز، غير مقتنعين ويواصلون التخييم في المستودعات والمباني المحيطة في وسط مدينة بلغراد.
قال عزيز وهو يحرق قصاصات من الورق للتدفئة في قاعة مليئة بالدخان: "إنني أصغر المقيمين هنا. كان هناك أطفال آخرون أصغر سناً لكنهم انتقلوا إلى المأوى".
وذكر عزيز بأنه شهد العديد الأمور المرعبة خلال رحلته الطويلة التي استغرقت ثمانية أشهر من أفغانستان إلى صربيا. ولكن من نواحي عديدة، فإنه كأي طفل يبلغ من العمر ثمانية أعوام. يحب كرة القدم وقد وجد كرة ممزقة مفرغة من الهواء يلهو بها على أرضية المستودع الداكنة.
ويقول: "أحب أن ألعب كرة القدم والكريكت، وأنا أعرف جميع كبار النجوم. إن اللعب في البلد مع أشقائي وشقيقاتي أفضل من هنا وأنا أفتقدهم. غادرت، لكن الآخرين كانوا صغاراً جداً للمجيء".
وحتى الآن، لا يزال عزيز وحبيب رحمان وخان ينامون على الأرض في مكتب قديم. إنهم سعداء بإيجاد مكان يستطيعون إغلاق بابه للتدفئة، والتمتع بقدر من الخصوصية. وقد تبرع لهم أحد الأشخاص بموقد يعمل على الحطب مع مدخنة، ما يزيد من الدفء خلال الليل دون انبعاث الكثير من الدخان.
وقال أحمد أمدزي، وهو لاجئ أفغاني يبلغ من العمر 17 عاماً يتقاسم الغرفة مع الفتى وأقاربه: "الجميع هنا يهتم بعزيز، فهو مجرد طفل. والوضع في هذه الغرفة أفضل من أماكن أخرى هنا".
وفي مستودع آخر، فإن وضع فيصل خان، وهو لاجئ أفغاني يبلغ من العمر 16 عاماً، أكثر سوءاً. فهو يمضي أيامه جالساً تحت كومة من البطانيات المتبرع بها. والهواء من حوله مليء بالدخان السام المنبعث من العوارض الخشبية للسكك الحديدية المهجورة التي يحرقها السكان على مدار الساعة للتدفئة. لكنه مصر على البقاء.
وقال فيصل: "مرةً خلال اليوم، أنهض وأذهب إلى الخارج لشرب الشاي، فأنا أمضي معظم وقتي في الداخل، تحت البطانية، لأن الجو في الخارج بارد جداً. الدخان كثيف هنا، لكن ما الذي يمكننا أن نفعله؟"
وقال فيصل بأنه كان متوجهاً للانضمام إلى شقيقته، وهي طالبة لجوء في الدنمارك، إلا أن رحلته وصلت إلى طريق مسدود أيضاً في بلغراد منذ أربعة أشهر. ومنذ ذلك الوقت، حاول مرة واحدة عبور حدود كرواتيا إلا أنه طُرد إلى صربيا.
وقال: "أنا لا أتجرأ على القيام بذلك مجدداً لأن الهواء بارد جداً. ماذا إن أضعت الطريق؟ وعندما يخفّ هذا البرد، سنحاول مرة أخرى، إن شاء الله. بالنسبة لنا إنه مكان مناسب ولن ننتقل إلى المأوى".
كعزيز وخان، لا يرغب فيصل في تقديم طلب اللجوء في صربيا وهو مصرّ على المضي قدماً في رحلته. وقال بأنه سيبقى في المستودعات المهجورة على الرغم من المخاطر الناجمة عن الدخان وانخفاض درجات الحرارة.
وفي الوقت نفسه، يتطلع الشاب عزيز إلى مستقبل أكثر راحةً. وقال: "عندما نغادر هذا المكان، أستطيع الذهاب والنوم في سرير، وفي منزل".