متطوعات في المانيا ينسجن صداقات جديدة مع اللاجئات
متطوعات في المانيا ينسجن صداقات جديدة مع اللاجئات
برلين، 24 نوفمبر/تشرين الثاني (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - تحدّق شيراز بقدمها اليمنى وتضعها بتردد على الدواسة العالية وهي تمسك بمقود دراجة مستعارة وغير مألوفة لها. ثم ترفع رأسها وعيناها شاخصتان نحو آفاق حديقة واسعة وتتابع بعدما انسابت رجلها اليسرى بحماس في إيقاع التدويس.
في سن الـ27، تركب شيراز، وهي طالبة لجوء سورية في ألمانيا، الدراجة الهوائية للمرة الأولى. وكل ذلك بفضل تشجيع المتطوعات المقيمات في برلين واللواتي أمضين الفترات الصباحية من أيام السبت الأربعة الماضية في تدريبها على كيفية ركوب الدراجة على عجلتين.
وأفادت شيراز التي فرت من القتال في حلب، شمال سوريا، مع عائلتها بأكملها منذ شهرين قائلةً: "أنا أحب ركوب الدراجة الهوائية. كان هذا اليوم رائعاً لركوب الدراجة حول الحديقة، وأود قريباً أن أتنقل على الدراجة في شوارع برلين مثل السكان المحليين".
تتشارك شيراز غرفتين في مركز إقامة كبير مع والدتها ووالدها وشقيقها وزوجته. وقالت بأنه بالنسبة إلى والديها، قد يكون انتظار معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهما محبطاً، ولكن مجموعة ركوب الدراجات الهوائية الخاصة بالنساء أعطتها شعوراً جديداً نحو تحقيق هدفها.
وقالت شيراز: "مع هذه المجموعة، أشعر بأنني بدأت أعرف ما أفعله هنا. لم يكن لدي حياة في سوريا، ولا مستقبل. لم نرد أنا وعائلتي سوي إيجاد مكان آمن، مكان فيه سلام. وفي النهاية، اضطررنا إلى المغادرة، وكنا نتعرض للقصف. والداي موجودان معي هنا في ألمانيا، لذا أشعر للحظة بأنه ليس لدي أي مخاوف. أنا حرة في أن أركب الدراجة إن أردت ذلك".
ألمانيا هي حلم كل راكب دراجة هوائية، من دون استثناء العاصمة برلين. فنظراً لمساحة المدينة الواسعة وشوارعها المسطحة ووجود مسارات كثيرة محددة للدراجات، تعتبر الدراجة وسيلة النقل المفضلة لدى الكثير من السكان. وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن 72 في المئة من سكان برلين يملكون دراجات هوائية، مقارنة بـ35 في المئة من السكان الذين يملكون سيارات.
وصرحت كاتي غريغز، وهي بريطانية تبلغ من العمر 40 عاماً ونظمت دورات غير رسمية لركوب الدراجة الهوائية بعد أن سألتها شيراز وعدد من صديقاتها طالبات اللجوء عن كيفية تمكنهن من تعلّم ركوب الدراجة قائلةً: "يركب الكثير من الناس الدراجات الهوائية هنا وسرعان ما يكتشف القادمون الجدد إلى المدينة أنها وسيلة سهلة للتنقل".
وأضافت غريغز التي كانت تجمع الأموال لإعطاء أفراد المجموعة دراجات هوائية خاصة بهم قائلةً: "يمنح ركوب الدراجة شعوراً بالاستقلالية، إنه نوع من التحرر بطريقة ما". في الشهر الماضي، تلقت أكثر من 1,000 يورو من التبرعات وقدمت لامرأة سورية وابنها دراجة جديدة لكل منهما، مع أقفال وخوذة ودعم للإصلاحات عند الحاجة.
وقالت: "كل شخص يتعلم بطريقة مختلفة، البعض يتعلم بطريقة أسرع والبعض الآخر بطريقة أبطأ. وفي الكثير من الأحيان، يقوم الأمر على مجرد إعطاء شخص دراجة ليمسكها ويلمسها ويسير بها، ويعتاد عليها".
وقالت راكبة الدراجة الهوائية المبتدئة شيراز، والتي كانت تدرس المحاماة عندما أجبرها خطر القصف على الفرار من ديارها، بأنه في وطنها سوريا، غالباً ما كان الأولاد الصغار هم فقط من يملكون الدراجات. وتابعت قائلةً: "من الغريب أن ترى امرأة على دراجة في بلدي. في ذلك الوقت، لم أحلم يومًا بأنني سأعيش هنا في ألمانيا. لم أفكر يوماً في المغادرة عندما كنت أعيش حياةً طبيعية في سوريا".
لا تهدف دورات ركوب الدراجات الأسبوعية التي تقام في مساحات ترفيهية واسعة ومفتوحة في وسط برلين إلى تعلّم ركوب الدراجة فحسب، فبالنسبة إلى طالبات اللجوء مثل شيراز، والمتطوعات اللواتي يقدمن دراجاتهن ودعمهن المعنوي، تهدف هذه الدورات إلى بناء علاقات جديدة.
وقالت شيراز: "بالطبع أفتقد منزلي وجامعتي وأصدقائي.عندما تجد نفسك في مكان غير آمن، ما من وقت لتوديع الجميع. ولكن علينا فقط التحلي بالصبر وانتظار وقت أفضل ننضم فيه إلى الشعب الألماني ونصبح جزءاً من الثقافة الألمانية."
وأضافت: "في حال أصبح الوضع في سوريا آمناً من جديد، سأفكر في العودة- فهذا وطني. ولكن ليس لدي أمل كبير في أن يحدث ذلك قريباً. فالوضع يزداد سوءاً كل يوم. ويبدو أن عودة الوضع إلى ما كان عليه في السابق مجرد حلم".
ولكن، بينما كانت شيراز تركز على تحقيق التوازن الدقيق والتنسيق والتماسك للبقاء مستقيمة على دراجة هوائية، بدأ كابوس الحياة في منطقة حرب يضمحل بعض الشيء.
بالنسبة إلى غريغز التي ليس لديها خبرة سابقة في تعليم ركوب الدراجات، هناك شيء حميم بشأن توجيه هذا النشاط الذي يكون عادةً بين الآباء والأمهات وأطفالهم الصغار. وقالت: "إنه شعور مذهل، غالباً ما تغلبني العواطف. عندما أقمنا الدورة الأولى، وبدأن جميعاً بركوب الدراجة، علي أن أقر بأنني بكيت".
وقالت غريغز، وهي تشير إلى مجموعة المتطوعات من ألمانيا وبريطانيا وآيسلندا والسويد وأميركا وكندا وهن يصفقن لشيراز وهي تركب الدراجة بثقة اكتسبتها حديثاً: "من المهم دائماً أن نحصل على عدد كاف من المساعدين - للهتاف أيضاً".
إن وجود بيئة آمنة وداعمة أمر حيوي لراكبي الدراجات للمرة الأولى الذين قد يشعرون بضعف وهم يتأرجحون على عجلتين. وقالت غريغز بأنها لم تخطط لأن تكون المجموعة مؤلفة من نساء فقط، ولكن لم يتقدم إليها سوى النساء للحصول على مساعدتها. وأضافت: "حتى لو لم يركب الرجال دراجة يوماً، يبدو أن معظمهم يتمتعون بالشجاعة للقفز على الدراجة على الفور والانطلاق بها على الطرقات".
ومع انخفاض درجات الحرارة، شاركت راكبات الدراجات المبتدئات في الصف المؤقت الأخير لهن لهذا العام في نهاية هذا الأسبوع، وذلك قبل يوم واحد من سقوط الثلوج لأول مرة في ألمانيا هذا العام. ولكن لن يتم إهمال الصداقات الجديدة خلال أشهر الشتاء الباردة إذ خططت المجموعة للقاءات طهو وجولات لاستكشاف متاحف برلين العديدة.
كتابة جوزي لو بلوند في برلين