سوريون يردّون الجميل للبلد الذي منحهم اللجوء والأمل
سوريون يردّون الجميل للبلد الذي منحهم اللجوء والأمل
بودابست، هنغاريا، 11 ديسمبر/كانون الأوّل (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - بينما يقفان في شقتهما المتواضعة في العاصمة الهنغارية، يعرض اللاجئان السوريان ياسر وعبير بفخر الأدوات التي يستخدمانها لبناء مستقبلهما ولشكر شعب بلادهما الجديدة.
يعرض الزوجان مقصّات وأمشاطاً وبكرات الشعر ومجفّفاً للشعر، وهي الأدوات التي يحتاج إليها مصفّف الشعر المحترف. تصفيف الشعر هي المهنة التي اتخذها ياسر لدى وصوله إلى هنغاريا، ويأمل أن يدير يوماً ما صالون التجميل الخاص به ليعمل مع زوجته وهي خبيرة تجميل.
ولكن في الوقت الراهن، يستعمل ياسر مهنته الجديدة لرد الجميل لهنغاريا من خلال تقديم قصّات شعر مجانية للفقراء. ويقول: "هذا أقلّ ما يمكنني فعله. هنغاريا احتضنتنا وأنا ممتن جداً لذلك. هنغاريا بلاد فقيرة، ولكنّها مع ذلك تساعد اللاجئين".
في الأسبوع الماضي، قدّم ياسر أربع قصات شعر مجانية لأشخاص يقيمون في الحي. ولكن بالنسبة إلى ياسر، لا يقتصر عمل الخير على ردّ الجميل، بل تحول إلى عادة يمارسها حالياً ليشعر براحة البال. ويقول: "تصبح الحياة أسهل بكثير عندما نهتمّ ببعضنا البعض".
لم يتوصل ياسر إلى هذه الحكمة إلا بعد عناء. كان ياسر الزوج والأب لابنتين، يعمل كمندوب لبيع الأدوية في دمشق إلى أن اندلعت الأزمة السورية في مارس/آذار 2011 واجتاح العنف عالمه في فترةٍ وجيزة. رأى جيرانه يقتلون في الطرقات جراء إطلاق النار كما أُصيب هو في ذراعه بشظايا متطايرة بينما كان يحاول مساعدة الآخرين. وسرعان ما أصبح وضع عائلته ميؤوساً منه.
قرّر ياسر أن يغادر سوريا مع عائلته، وغادر لوحده في البداية، فسافر إلى أوروبا وانتهى به الأمر في مركز استقبالٍ لطالبي اللجوء تديره الحكومة الهنغارية، حيث شعر فوراً بالأمان على الرغم من قسوة المكان. اعتنى برقعة أرض مزروعة بالخضراوات ورصف حجارةً كتب بها اسم "هنغاريا" تحيةً للأرض التي منحته المأوى.
مُنح ياسر صفة اللجوء، وبدأ بمعاملات إحضار عائلته بمساعدة منظمة غير حكومية محلية تعنى بحقوق الإنسان ولجنة هلسنكي الهنغارية وهي شريكة المفوضية. بعد مضي عشرة أشهر طويلة على مغادرته وطنه الذي مزقته الحرب، تلّقى اتصالاً هاتفياً من زولتان سوموغيفاري، وهو أحد المسؤولين في لجنة هلنسكي، أخبره فيه أنّ زوجته وابنتَيْه في طريقهنّ إليه.
يقول ياسر: "عندما سمعتُ الخبر السار، لم أتوقف عن شكر زولتان عبر الهدف مراراً وتكراراً". وأقرّ سوموغيفاري أنّ لمّ شمل عائلة ياسر شكّل نجاحاً نادراً. وقال: "تكون هذه الإجراءات عادةً طويلةً جداً ولا تصل إلى نهاية سعيدة على الدوام".
وبحسب لجنة هلسنكي الهنغارية، تتلقى هنغاريا سنوياً بين 60 و80 طلباً للمّ شمل العائلات، وتتلقى أوروبا آلاف الطلبات الأخرى. يُرفض الكثير من هذه الطلبات. وبحسب تقرير جديد صادر عن المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين ومكتب الصليب الأحمر/الاتحاد الأوروبي، غالباً ما يواجه اللاجئون في الاتحاد الأوروبي تعقيدات روتينية كثيرة لدى السعي إلى لمّ الشمل.
ولطالما ينفصل أفراد العائلات عن بعضهم البعض لدى الفرار من الصراعات والحروب. وقد يكون لذلك نتائج مدمرة على رفاههم وقدرتهم على بدء حياة جديدة. وتؤمن المفوضية بضرورة احترام إجراءات لمّ شمل العائلات لحق اللاجئين بوحدة الأسرة بما أنه مبدأ أساسي من مبادئ قانون الحقوق الأوروبي.
كان الانفصال صعباً بالنسبة إلى ياسر وعبير. فقد كانت فترة الأشهر العشرة التي أمضتها في دمشق بمفردها مع الأولاد، بينما ذهب ياسر للبحث عن مأوى في الخارج صعبة جداً. تقول عبير: "كنتُ أعيش في مدينة مُدمرة مع ابنتَيْن صغيرتَيْن ينبغي علي الاهتمام بهما. بعتُ كلّ ما لدي لتوفير الطعام لهما وفقدتُ الأمل". ياسر قلق أيضاً على والدته وإخوته في سوريا. رفضت الحكومة مؤخراً طلب ياسر بإحضارهم إلى هنغاريا؛ لكنه استأنف الطلب.
كان ياسر وعائلته من المحظوطين، وهم يعملون حالياً لبدء حياة جديدة. تذهب ابنتاه رؤى 6 أعوام، ويارا 7 أعوام إلى المدرسة، ويعمل ياسر على صقل مهاراته كمصفف شعر وهي مهنة ستسمح له بالعمل جنباً إلى جنب مع زوجته. وقالت عبير للمفوضية: "سنقوم بكل شيء معاً من الآن فصاعداً".
وعلى الرغم من تفاؤل ياسر، إلا أن عائلاته تواجه التحديات. فابنتا ياسر تعانيان من الذكريات المؤلمة للحرب السورية. وحتى الآن، تعيش العائلة من الدعم المالي الذي توفره الحكومة الهنغارية، ومن المدخرات ومن ديون من الأصدقاء. ولكن يقول ياسر إنّه سيفتتح تجارةً عائليةً يوماً ما: "نود أن نفتتح صالون تجميل خاص بنا فلا نحتاجَ إلى مساعدة الآخرين".
بقلم بالنت ليندر، بودابست، هنغاريا