اليأس يستبد باللاجئين المنسيين العالقين على الحدود المصرية الليبية
اليأس يستبد باللاجئين المنسيين العالقين على الحدود المصرية الليبية
السلوم، مصر، 26 يونيو/ حزيران (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - نحو الساعة 9 صباحاً، ذهبت مها* إلى العيادة في مخيم السلوم للاجئين الواقع داخل الحدود المصرية مع ليبيا وأغرقت نفسها بالبنزين، بيد أن وحده التدخل السريع من المتطوعين في العيادة حال دون أن تشعل اللاجئة السودانية عود الثقاب.
قالت مها للمفوضية بعد محاولة الانتحار: "ليس لديَّ مكان لأذهب إليه ولا عمل أقوم به. يبدو أن الحياة قد توقفت في هذا المكان، نحن في بقعة غير مرئية من العالم وقد أدار الجميع ظهره لنا".
لا يعتري الشعور باليأس مها وحدها، فمنذ أن أُنشئ مخيم السلوم عند قيام الثورة في ليبيا لاستضافة الفارين من العنف المتنامي تمكَّنت المفوضية من إعادة توطين نحو 900 لاجئ من المخيم إلى بلدان ثالثة، بيد أن معظم الباقين في السلوم وعددهم 900 لاجئ و350 طالب لجوء وجدوا أنفسهم في مأزق قانوني.
وقالت الحكومة المصرية - التي تأمل في الحد من دخول المزيد من طالبي اللجوء من ليبيا -إن أي شخص يدخل المخيم بعد 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 لا يمكن النظر في إعادة توطينه في بلد آخر. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طلبت الحكومة المصرية من المفوضية أن توقف تسجيل الواصلين إلى السلوم الساعين إلى تحديد صفة لجوئهم. ولكن يتوالى وصول المزيد من الأشخاص حيث يوجد حالياً نحو 60 فرداً غير مسجلين ولا يتلقون أية مساعدات.
فرت مها، وهي الآن في أواخر الأربعينيات من العمر، إلى السلوم مع زوجها في 27 من أكتوبر/ تشرين الأول 2011 للهروب من العنف والتهديدات في ليبيا - أي بعدما أُغلق باب إعادة التوطين مباشرة.
كان هذا ثاني نزوح قسري لهم حيث غادرا السودان بعد أن هرب زوجها من الجماعات المسلحة التي جندته إلزامياً للمشاركة في الصراع بجبال النوبة. عاشت مها وزوجها في سلام مع عاملين آخرين بمزرعة في الكفرة بليبيا حتى قامت الثورة. وبعدها هاجمهما الثوار الذين وجهوا إليهم تهمة تأييد الديكتاتور الراحل القذافي، تلك التهمة التي غالباً ما توجه إلى أفارقة جنوب الصحراء الكبرى الذين يعيشون في ليبيا.
هذه المرأة التي حاولت التخلص من حياتها ما هي إلا مثال لليأس الذي يخيم على اللاجئين في السلوم الذين ينتظرون جميعاً إيجاد حل لمحنتهم على الحدود. وتأمل المفوضية أن تحرز تقدماً في المفاوضات التي تجريها مع السلطات المصرية لإيجاد حل لهذا الوضع.
يقول محمد دايري، ممثل المفوضية الإقليمي في القاهرة: "ظروف العمل والمعيشة في مخيم السلوم صعبة للغاية. نبذل قصارى جهدنا حتى نتمكن من إغلاق المخيم بحلول الربع الأول من العام القادم. ونأمل في الوقت نفسه أن نتوصل مع الحومة المصرية إلى فهم مشترك لإجراءات اللجوء لباقي طالبي اللجوء".
بعد العيش لمدة عامين في المخيم، تظهر ضغوط اليأس والقلق والأرق. وقد تفاقمت هذه المشكلات النفسية وتحولت إلى اعتداءات لفظية وبدنية في حق الطاقم الطبي، وكذلك فرق توزيع الأغذية وفرق الحماية التابعة للمفوضية من قبل طالبي اللجوء الذين وصلوا بعد ديسمبر/ كانون الأول 2012 لتعذُّر تسجيلهم بعدئذ.
وقال دنيش شريستا، مدير المكتب الميدانى للمفوضية في السلوم: "يرجع السبب وراء تصرفاتهم إلى فقدان الأمل في حل قضيتهم أو وجود فرصة لحلها. وحيث إننا قد طُلب منا ألا نسجلهم، فهم لا يحصلون على الوجبات اليومية أو المساعدات الأخرى. لذلك يحاولون لفت الأنظار إليهم".
أكوال دينق* هي من بين اللاجئين الذين لا يقدرون على التقدم بطلب صفة اللاجئ. إنها تتساءل عما إذا كانت قد أقدمت على الاختيار الصحيح عندما قررت المجيء إلى مصر، ولكنها لا تعلم ما يمكن أن تفعل.
في عام 2012، قُتلت ابنتها داليا البالغة من العمر 7 أعوام في أبيي؛ وهي منطقة حدودية بين السودان وجنوب السودان. ولخوفها من ازدياد العنف غادرت السودان مع زوجها وابنتيها الأخريين واستقروا في مدينة الزاوية غرب ليبيا.
في أحد الأيام إبان الحرب الليبية، غادر زوجها المنزل للذهاب إلى العمل ولكنه لم يعد. وبعد أشهر من الانتظار، فرت دينق برفقة ابنتيها إلى مصر. وعندما وصلت إلى السلوم في ديسمبر/ كانون الأول، وجدت نفسها غير قادرة على مغادرة المخيم الحدودي للدخول إلى مصر أو أن يُعرض عليها إعادة التوطين في بلد آخر. لقد قُطعت السبل أمامها.
وقالت ديان طيبي، الاستشارية النفسية التي عينتها المفوضية لتقييم الحالة النفسية لنحو 40 لاجئاً في المخيم: "يشعر اللاجئون في السلوم بقلق بالغ لقرب موقعهم من ليبيا، ويعد بقاؤهم هناك إلى أجل غير مسمى فكرة لا تطاق. ويزداد شعورهم باليأس جراء الغموض الذي يحيط بوضعهم إذ يتحتم عليهم الانتظار وسط ظروف معيشية صعبة للغاية".
"ومع أن هؤلاء الأشخاص قد خابت آمالهم عدة مرات، فما زالوا يخاطرون بالثقة في الوعود مجدداً بعد خروجهم من مكتب المشورة. يمكنني أن أرى لمحة من الأمل في عيونهم وأتمسك ببارقة الأمل هذه".
* تم تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية
بقلم أحمد أبو غزالة وداليا العشي في السلوم بمصر