من "الغابة" إلى لندن.. رحلة مضنية من اللجوء
من "الغابة" إلى لندن.. رحلة مضنية من اللجوء
اغرورقت عينا علي بالدموع لدى رؤية أخيه الأصغر، أحمد، للمرة الأولى بعد أكثر من عام.
عندما فُتح باب غرفة شرطة الحدود في محطة سانت بانكراس للسكك الحديدية، رمى بنفسه بين أحضان أحمد وبدأت الدموع تنهمر من عينيه. فعلي*، البالغ من العمر 21 عاماً، لا يستطيع أن يصدّق حتى الآن حدوث ذلك.
لقد علم بالأمر أمس، عندما تلّقى اتصالاً من المحامي، ولكنّه لم يتمكّن من تصديق الخبر حتى عند سماعه؛ فقد كان الحلم بتحقق ذلك مستحيلاً بالنسبة إليه.
وأحمد*، البالغ من العمر ستة عشر عاماً، هو من بين أربعة شبان سوريين-الباقون هم خليل*، البالغ من العمر 16 عاماً، وعبدول*، 17 عاماً، ومحمد*، 26 عاماً- وصلوا منذ أقلّ من ساعة من فرنسا على متن قطار يوروستار، بعد قرار تاريخي أنهى أربعة أشهر من العيش في حالة من الإهمال في المخيم المؤقت المعروف بـ"الغابة" في كاليه.
وقال لي أحمد وهو يمسك بذراع أخيه: "أنا حقاً سعيد وممتنّ للحكومة هنا وأتمنى أن تستطيع مساعدة بقية اللاجئين في كاليه".
وقبل يوم واحد فقط، أصدرت محكمة الهجرة واللجوء في المملكة المتحدة، قراراً يسمح لمجموعة مؤلفة من ثلاثة فتيان وشاب بالدخول إلى البلاد والإقامة فيها بينما تجري معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. وهم سيعيشون مع أقاربهم حتى تُعالج طلباتهم. وقد حيّا أحد الشبان الوافدين قرار المحكمة على اعتبار أنه طريقة تساعد الأفراد على الوصول إلى المملكة المتحدة "بصورة شرعية وآمنة".
فرّ أحمد من الحرب في درعا، سوريا، عام 2015، وسافر إلى أوروبا في رحلة صعبة ومحفوفة بالمخاطر اجتاز فيها تركيا واليونان والبلقان، ليحاول الانضمام إلى أخيه الذي غادر سوريا في العام السابق وانتقل إلى المملكة المتحدة.
ولكن لدى الوصول إلى كاليه، لم يستطِع المضي قدماً للانضمام إلى شقيقه الذي كان قد عثر على منزل جديد في اسكتلندا، بسبب القيود والضوابط الحدودية التي ازدادت صرامةً.
وعن الوضع في درعا، وهي مدينة تبعد 90 كيلومتراً تقريباً جنوب العاصمة السورية دمشق، لقيَ فيها ما يزيد عن 13,000 شخصٍ، من بينهم العديد من الأطفال، حتفهم في القتال العنيف الذي اندلع منذ عام 2011 عندما بدأت الحرب، قال أحمد: " غادرت سوريا لأنّ الحياة هناك صعبة للغاية. فالحرب دائرة في البلاد ولا تستطيع العيش هناك، لذا غادرت إلى بريطانيا. وأنا أفكر في عائلتي في سوريا، وسأسعى إلى إحضارها أيضاً، لأن الحياة هناك صعبة جداً".
لا يزال والدا أحمد وإخوته الثلاثة الآخرون في درعا. وقد اعترفت المحكمة بالحاجة الملحة إلى إعادة لم شمل العائلة وبمدى أهمية ذلك وأصدرت قراراً بدرس طلبات لجوء الشبان الأربعة في المملكة المتحدة بموجب نظام دبلن الذي يُعتبر أساس نظام اللجوء الأوروبي. وقد رفعت منظمة Citizens UK الخيرية ومشروع قانون المهاجرين ومكتبBhatt Murphy للمحاماة هذه القضية إلى المحكمة.
ولم يتمكّن أحمد من التوقف عن الابتسام طوال الطريق من كاليه إلى لندن: في محطة السكك الحديدية في كاليه وعندما سمع صوتاً يعلن دخول القطار نفق المانش ولدى وصوله إلى لندن، ومن ثمّ رسم ابتسامة عريضة عند بلوغه الأراضي البريطانية.
قبل بضع ساعات فقط، كان يودّع أصدقاءه وقائداً مجتمعياً متطوعاً سوري الجنسية، يُدعى أبو عمر علي، تقرب من الشبان وأوصل قضيتهم إلى منظمة Citizens UK، التي يعمل معها.
وجاء أبو عمر علي إلى محطة السكك الحديدية في كاليه ليودّع الشبان للمرة الأخيرة.
وقال لي وهو يلوّح بتذاكر القطار في محطة القطارات السريعة كاليه - فريثون: "هؤلاء الفتيان هم كأطفالي، كأبنائي. شكراً".
وكان هذا اليوم مهمّاً جداً بالنسبة إلى أبو عمر علي، لأنّها المرة الأولى التي يُعاد فيها لمّ شمل عائلات بصورة شرعية من كاليه إلى لندن.
وأضاف أبو عمر علي قائلاً: "إذا أراد هؤلاء الشبان أن يذهبوا إلى المملكة المتحدة، فذلك... لأنّهم يريدون أن ينضموا إلى عائلاتهم".
ويعيش حالياً ما بين 4,000 و5,000 لاجئٍ ومهاجرٍ تقريباً في مخيم "الغابة" الذي هو عبارة عن مجموعة من الخيام الرثة والممزقة المنتشرة عبر الحقول الموحلة والمغمورة بالمياه. وقد فرّ غالبية هؤلاء من الحرب أو الاضطهاد. أتوا من السودان وأفغانستان وإريتريا والعراق وسوريا وبعض البلدان الأخرى.
وقال أبو عمر علي: "نحن هنا بسبب الحرب التي تشهدها بلادنا منذ خمسة أعوام. وأنا متأكّد من أنّ كافة السوريين سيرغبون في العودة إلى بلادهم عندما تنتهي الحرب فيها لأنّنا نفتقد إليها وإلى عائلاتنا وأرضنا".
ومن بين اللاجئين والمهاجرين البالغ عددهم 45,000 شخصٍ، والذين وصلوا إلى أوروبا عن طريق البحر في هذا العام، تمثّل النساء نسبة 17 في المئة والأطفال نسبة 27 في المئة، وبينهم عدد مرتفع من المفصولين عن عائلاتهم.
وبعد وصولهم إلى سانت بانكراس، اصطُحب الشبان بسيارة أجرة إلى فندق نُظّم فيه لقاء صغير وعشاء قبل أن يتوجّهوا لقضاء ليلتهم الأولى مع عائلاتهم.
كان الجو مريحاً وإنّما باعثاً على التفكير.
وقال أحمد بحزن: "أنا سعيد لأنني هنا ولكنّني حزين أيضاً لأنّني تركت أصدقائي في كاليه؛ فهم أيضاً لديهم عائلات هنا. وأتمنى أن يتمكّن الأشخاص الآخرون أيضاً الذين يقيمون في مخيم "الغابة" من الاجتماع بعائلاتهم".
وفي إحدى زوايا الغرفة، ناقش متطوعو Citizens UK حالات لمّ شمل أخرى.
وقال جورج غابرييل، المتحدّث باسم مؤسسة Citizens UK: "نحن نريد أن نمنع موت المزيد من الأطفال لدى محاولتهم الوصول إلى أحبّائهم. الضغوطات هائلة والمسؤولية كبيرة لأنّه يتعيّن علينا التأكد من أنّ كلّ شخص يتمتّع بهذه الحقوق قادرٌ على الحصول عليها".
بقلم سيلين شميت
*تمّ تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية.