بيان المفوض السامي فيليبو غراندي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
بيان المفوض السامي فيليبو غراندي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
شكراً سيدي الرئيس،
يشرفني أن أقدم الآن إيجازي المعتاد أمام مجلس الأمن خلال رئاسة موزمبيق له. وكما ناقشنا للتو، فقد أجريت زيارة لدولتكم في شهر مارس ورأيت بنفسي كيف تواجه موزمبيق العديد من التحديات العالمية التي يواجهها العالم، وتأثيرها على الحياة اليومية للسكان – بعضها انعكاس لأكثر مظاهر الأزمة المناخية الطارئة فداحة، والصراع الداخلي العنيف الذي تغذيه الجماعات المسلحة، والنزوح القسري واسع النطاق الناتج عن الحالتين الأخريين. ولكم ألهمتني كلمات الرئيس نيوسي - وهو يصف كيف تعالج موزمبيق هذه المشكلات - أنه من المهم "ألا يصرفنا الوضع الحالي عن العمل على إيجاد الحلول".
هذه الرسالة موجهة إلينا جميعاً، وهي مناسبة لمجلس الأمن، وأنتم تواجهون اليوم التحديات الخطيرة التي تعتري السلام والأمن. إنها رسالة قوية، إذا أردنا أن نتجاوز الكلام دون الأفعال نحو حل مشاكل الناس.
لا تنسوا من فضلكم أن هذه المشاكل تشمل مخاطر النزوح القسري وواقعه - واسمحوا لي أن أقول هذا، لأنه في بعض الأحيان يتم تهميش هذا البعد! لقد بلغ عدد الأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم بسبب الحروب والعنف والاضطهاد 114 مليون شخص حسب آخر إحصاء لدينا. وفي الشهر القادم، سوف نحدث هذه الأرقام.. والتي ستكون أعلى من ذلك. من الواضح أن الحلول السياسية اللازمة لحل مشكلة النزوح لا تزال غائبة.
السيد الرئيس،
آخر مرة قدمت فيها إحاطة لهذا المجلس كانت في شهر أكتوبر. في ذلك الوقت، شاركت وجهات نظري حول العديد من الأزمات وحذرت من أن العاملين في المجال الإنساني، رغم عدم استسلامهم، فإنهم يقتربون من نقطة الانهيار. لقد مرت سبعة أشهر ولكن الوضع لم يتغير، بل إنه أصبح أسوأ من ذي قبل. لذا، فمن المؤسف للغاية أنني سأضطر إلى التحدث مرة أخرى عن نفس الأزمات ــ وكيف أنها أدت إلى نزوح عدد متزايد من الناس.
لماذا يحدث هذا؟ الأسباب متعددة، وغالباً ما تتعلق بالجغرافيا السياسية - وهو مجالكم، وليس مجالي! ومع ذلك، اسمحوا لي أن أركز على عامل مباشر آخر، أشهده أنا وزملائي - بل وجميع العاملين في المجال الإنساني - في عملهم اليومي، وهو: عدم الامتثال للقانون الإنساني الدولي. "عدم الامتثال" هو تعبير بارد وتقني: ما يعنيه حقاً هو أن أطراف الصراعات - على نحو متزايد، وفي كل مكان، وجميعهم تقريباً - توقفوا عن احترام القواعد الأساسية للحرب، بل ويتظاهرون في بعض الأحيان بالقيام بذلك؛ حيث يُقتل المدنيون بأعداد متزايدة؛ ويستخدم الاغتصاب وغيره من أشكال الانتهاكات الجنسية كأسلحة حرب؛ تتعرض البنية التحتية المدنية للقصف والتدمير؛ ويصبح العاملون في المجال الإنساني أهدافاً. إنكم تسمعون وتناقشون هذا كل يوم. وقد تحدث إليكم رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر - المكلفة بصون هذا القانون - في الأسبوع الماضي حول هذا الموضوع. ولكنني أريد منكم أن تسمعوا ذلك مني أيضاً، لأننا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نتعامل مع نتيجة واحدة محددة لهذه الانتهاكات: ونظراً لأن هذا السلوك الوحشي للأعمال القتالية لا يعني التدمير فحسب، بل أيضاً ترويع المدنيين - في كثير من الأحيان – فليس لديهم خيار آخر سوى الفرار وسط حالة من الرعب.
وما حدث في غزة منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وخلال الهجوم الإسرائيلي، هو مثال على ذلك. واسمحوا لي أن أضم صوتي إلى أولئك الذين يحثونكم على السعي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، والاستئناف الكامل للمساعدات الإنسانية؛ والأهم من ذلك، عدم ادخار أي جهد لإحياء عملية سلام حقيقية - وهي الطريقة الوحيدة لضمان السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين. ولسوء الحظ، لم يحدث أي من هذا حتى الآن. لقد جعلتنا الأحداث المريعة في رفح نشهد مرة أخرى - وبشكل أكثر دراماتيكية - مئات الآلاف من الأشخاص الذين يحاولون تجنب الهجمات الدموية من خلال التحرك بشكل محموم في المنطقة المحدودة والمقيدة في جنوب غزة، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال قدر ضئيل من المساعدات؛ مع فقدان العشرات لحياتهم. ومن بين الصور العديدة لهذا الصراع التي ستطاردنا لفترة طويلة، صورة الأشخاص اليائسين المحاصرين والذين غالباً ما يُقتلون داخل مناطق الحرب. يجب أن تكون سلامتهم شاغلنا الأول. وفي حين أن مفوضية اللاجئين - التي تحترم بشكل كامل تقاسم العمل مع الأونروا – لا تعمل ولن تعمل هناك، واسمحوا لي أن أقول - من منظور دوري وولايتي - أنه في حين ينبغي حماية الفلسطينيين أينما كانوا، فإن المعضلة المروعة المتمثلة فيما إذا كان ينبغي عليهم الخروج من غزة – أم لا – هي مسؤولية واضحة تقع على عاتق إسرائيل لكي تتجنبها؛ لأنه نعم، هناك بالفعل حق عالمي في طلب اللجوء، والذي كثيراً ما تستجيب له الدول المجاورة للصراعات، والذي سأدافع عنه دائماً، كمسألة مبدأ. ولكن في هذه الحالة، هناك أيضاً - وعلى وجه الخصوص - التزام قانوني دولي على قوة الاحتلال بعدم إجبار – عدم إجبار - السكان المدنيين على الفرار من الأراضي التي تحتلها. وسوف يؤدي أي نزوح قسري آخر للفلسطينيين إلى خلق مشكلة أخرى مستعصية على الحل، ويجعل من المستحيل إيجاد حل لهذا الصراع المستمر منذ عقود.
تشكل الحرب في غزة أيضاً تذكيراً مأساوياً بما يحدث عندما تُترك الصراعات (وبالتالي أزمة اللاجئين) دون معالجتها. ويجب أن يكون أيضاً بمثابة دعوة إلى عدم نسيان الأزمات الأخرى التي لم يتم حلها. ومن الأمثلة الصارخة (والقريبة) على ذلك هو أنه بعد مرور 13 عاماً على اندلاع الصراع في سوريا، لا يزال هناك 5.6 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة، والتي استضافت أيضاً لاجئين فلسطينيين لأجيال، مع بقاء المحنة التي تواجه لبنان الأكثر إثارة للقلق، والتوترات الحادة جداً مرة أخرى والمتعلقة بوجود اللاجئين في ذلك البلد. أما الأردن، وهو من المضيف الرئيسيين الآخرين للسوريين، فقد وقع مباشرة بين أزمتين.
ومع ذلك، فإن محنة اللاجئين السوريين لا تحظى بالاهتمام إلا عندما تظهر عوامل أخرى. في الآونة الأخيرة، أثار وصول بعض السوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي موجة من المقترحات حول كيفية حل المشكلة، بما في ذلك عن طريق إعادة اللاجئين إلى ما يسمى "المناطق الآمنة" في سوريا. اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر مرة أخرى موقفنا بشأن هذه المسألة: العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى وطنهم هي الحل الأمثل وهي حقهم. ولكن على الرغم من أن معظم اللاجئين يرغبون في العودة يوماً ما، إلا أن عدداً قليلاً جداً منهم يرغب في العودة في الوقت الحالي، حيث أعرب الكثيرون إما عن الخوف من استهدافهم وانعدام الثقة في الحكومة السورية، أو القلق من أن الظروف المعيشية في سوريا - كالخدمات والسكن والعمل - في حالة سيئة للغاية. إن الحكومة السورية هي المسؤولة عن معالجة المجموعة الأولى من العقبات؛ وفيما يتعلق بالمجموعة الثانية، فإننا نحث جميع الدول المانحة على زيادة دعمها لأنشطة التعافي المبكر وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2642. وإذا كنا جادين في حل مشكلة اللاجئين السوريين - ويجب أن نكون كذلك - فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً يتمثل في التغلب على المعوقات السياسية والعمل على كلا المسارين، مع جميع أصحاب المصلحة - وهو ما تفعله المفوضية بالفعل.
في الوقت نفسه، استمرت انتهاكات القانون الإنساني الدولي في إحداث تأثير بالغ على حياة الملايين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إجبار السكان على الفرار. لم نشهد في أي من أزمات اللاجئين والنزوح التي وصفتها لكم في أكتوبر الماضي أي علامة على التقدم في هذا الصدد.
على سبيل المثال، ميانمار، حيث نزح أكثر من 1.5 مليون شخص بسبب القتال منذ إيجازي الأخير، ليصل العدد الإجمالي إلى أكثر من ثلاثة ملايين، ويحاول العديد منهم البحث عن مأوى لهم في البلدان المجاورة. والوضع في ولاية راخين مثير للقلق بشكل خاص، حيث اندلع الصراع بين القوات المسلحة في ميانمار وجيش أراكان مرة أخرى، مما أدى إلى نزوح مجموعات عرقية مختلفة، ووقوع مجتمع الروهينغا بين الطرفين واستهدافه بانتهاكات خطيرة ووصم وتجنيد قسري؛ ومع العاملين في المجال الإنساني الذين يتواجدون في بيئة شديدة الخطورة، الأمر الذي أجبر الوكالات حتى الآن على الانتقال مؤقتاً من مناطق معينة. وأود أن أكرر هنا ندائي الأخير للأطراف لضمان حماية المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة؛ وإلى البلدان المجاورة لميانمار للسماح بالوصول الآمن للاجئين الفارين للنجاة بحياتهم؛ ولكم أيضاً أن تعملوا على ضمان وضع العملية السياسية الرامية إلى معالجة مشاكل ميانمار مرة أخرى (وبجدية) على الأجندة الدولية، قبل أن تؤدي بعض العواقب إلى تهديد استقرار المنطقة بشكل أكبر.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعد العنف بين الرجال المسلحين أمراً شائعاً لدرجة أنه لا يوجد مكان آخر على وجه الأرض يمثل خطورة على النساء والأطفال مثل شرق ذلك البلد. ورد فعلي ليس ساذجاً. فقد سبق أن عملت هناك، وأعرف المشاكل العرقية المستعصية، ونهب الموارد من قبل العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الدول؛ والتداعيات الإقليمية؛ واستمرار حالة عدم الاحترام للطابع المدني لمواقع النازحين داخلياً من قبل الرجال المسلحين، مما يعرض النازحين والعاملين في المجال الإنساني للخطر. ولكن كيف يمكن لأعضاء الأمم المتحدة، وكيف يمكننا "نحن الشعوب" أن نولي هذا القدر الضئيل من الاهتمام وأن نتقاعس عن العمل في مكان يمكن فيه لممارسة الجنس مع طفل أن يكلف أقل من ثمن مشروب بارد؟ يا لها من وصمة عار على جبين الإنسانية!
ونحن، العاملون في المجال الإنساني، نحاول أن نقوم بدورنا. في العام الماضي، طلب الرئيس تشيسيكيدي من المفوضية تنشيط الجهود لإيجاد حلول لحالات النزوح القسري المعقدة عبر حدود المنطقة، وخاصة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وافقت الحكومة الرواندية واستأنفنا الحوار، ولكن في الواقع، ومن دون وجود عملية سياسية أوسع نطاقاً - أو على الأقل إطار سياسي - سيكون من الصعب إحراز تقدم على الجانب الإنساني؛ وتتزايد صعوبة حشد المساعدات لضحايا هذا الوضع.
اسمحوا لي أن أتطرق بإيجاز إلى أوكرانيا لأنها مسرح آخر للحرب حيث يتم انتهاك القانون الإنساني الدولي كل يوم: انظروا إلى الهجمات المتواصلة على شبكة الكهرباء الأوكرانية، والتي تسبب مشقة هائلة للمدنيين. ولا تستثني الهجمات المنازل والبنية التحتية المدنية الأخرى. في يناير الماضي، وفي قلب الشتاء، التقيت بأطفال أوكرانيين يرتادون مدرسة مؤقتة في مترو أنفاق خاركيف، لأنه كان المكان الوحيد الذي يمكن للسلطات المحلية أن توفر لهم فيه الأمان والدفء. ويتزايد النزوح - هناك أيضاً - مرة أخرى، معظمهم داخل البلاد، ومعظمهم من كبار السن وغيرهم من الفئات الضعيفة والذين يعيشون بالقرب من خطوط المواجهة، مما يتطلب دعماً إنسانياً ونفسياً عاجلاً وحيوياً. وبينما تواصلون التعامل مع الحرب في أوكرانيا كقضية سياسية وعسكرية، لا تفقدوا التركيز على عواقبها الإنسانية العميقة والفادحة على الشعب الأوكراني.
السيد الرئيس،
إن التجاهل الصارخ للقانون الإنساني الدولي من جانب أطراف الصراعات يزيد من صعوبة تحقيق السلام. يؤدي الموت والدمار والنزوح إلى تعميق الانقسامات المجتمعية، وهو ما يزعزع الثقة، ويجعل من الصعب إعادة تجميع أجزاء البلاد مع بعضها البعض.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك السودان، والذي زرته في فبراير، حيث تواصل أطراف النزاع وضع عقبات إضافية أمام أنشطة المساعدة من خلال إحجامها عن السماح بالوصول إلى بعض المناطق الرئيسية، مما يمنع العاملين في المجال الإنساني من مساعدة العديد من المحتاجين، بما في ذلك عبر العمليات التي تجري على الحدود وعلى خطوط التماس، والتي يبقى تنظيمها معقداً للغاية. إن الوضع السياسي محبط: فجهود صنع السلام غير الكافية أو الدعم الصريح لأحد الطرفين أو للآخر، كل ذلك يجعل الصراع أسوأ بكثير. وبالنسبة لكلا الجانبين، وبغض النظر عن كل المشاعر الإنسانية والاعتبارات لشعبيهما، فإن الحل يبقى عسكرياً في الأساس. ونتيجة لذلك، أصبح هناك الآن تسعة ملايين شخص من النازحين داخل السودان أو لاجئين في البلدان المجاورة ــ وبعضها، مثل تشاد أو جنوب السودان، يتصارع مع جوانب ضعفه الخاصة به، وهو رقم مماثل لما لاحظناه في أوكرانيا، لكنه قوبل بإهمال ولامبالاة مستمرة من جانب المجتمع الدولي. ويبقى التمويل غير كافٍ على الإطلاق. وفي مؤتمر مرحب به انعقد في باريس في إبريل، تم الإعلان عن مساهمات تزيد قيمتها عن ملياري دولار، ولكن لم يتم تحقيق سوى القليل جداً منها حتى الآن. ويتم تمويل أنشطة المساعدات داخل السودان بنسبة 15% فقط وعمليات اللاجئين بنسبة 8%. ولا يتطلب هذا مزيداً من التعليق.
ويعد السودان أيضاً مثالاً على العواقب الأوسع نطاقاً لعدم احترام قواعد الحرب والافتقار التام للمساءلة. أولاً وقبل كل شيء، بالطبع، فيما يتعلق بالمدنيين: على سبيل المثال، لم يذهب أي طفل تقريباً في السودان إلى المدرسة منذ أشهر؛ وهنا أيضاً تنتشر الانتهاكات الجنسية، في دارفور ومناطق الحرب الأخرى. ويروي لنا اللاجئون الذين يصلون إلى تشاد يومياً قصصاً مروعة عن نساء تعرضن للاغتصاب أمام أطفالهن وعن أطفالٍ قتلوا أمام أمهاتهم. وأنا هنا أسألكم: كيف يمكن لأولئك الذين فروا من هذه الفظائع أن يشعروا بالأمان لكي يعودوا؟ كيف يمكن أن يثقوا بهؤلاء الرجال الذين يحملون الأسلحة؟ علاوة على ذلك، كيف يمكن للطبقة المتوسطة في السودان – وهي نفس الطبقة المتوسطة التي نجحت بطريقة أو بأخرى في الحفاظ على تماسك البلاد خلال كل هذه الاضطرابات على مدى العقود الماضية والتي تتعرض الآن للنزوح أو الدمار، أن تعيد بناء البلاد بعد هذا الصراع؟
وليس من المستغرب أيضاً أن نشهد زيادة بنسبة 500% في عدد السودانيين الذين يصلون إلى أوروبا في العام التالي لاندلاع أعمال العنف، معظمهم لم يرغب أبداً في مغادرة ديارهم، لكن العنف الدموي أجبرهم على الفرار. كما أجبرتهم المساعدات غير الكافية في البلدان المجاورة على التحرك مرة أخرى - وخاصة إلى شمال إفريقيا وخارجها، نحو أوروبا. تشعر الدول الغنية بالقلق باستمرار بشأن ما تسميه "التحركات غير النظامية". لكن في هذه الحالة وغيرها، لا يبذلون ما يكفي لمساعدة السكان قبل أن يسلّموا أنفسهم إلى المتاجرين بالبشر. لا مفر من العواقب.
لذا، فإن الامتثال للقانون الإنساني الدولي - وهو التزام بالطبع - ينطوي أيضاً على عنصر المصلحة الذاتية. سيدي الرئيس، إنه مشهد سياسي قاتم هو الذي أراه من حولنا، من وجهة نظري الإنسانية: قرارات قصيرة النظر في السياسة الخارجية، غالباً ما تقوم على معايير مزدوجة، مع الدعاية الكلامية للامتثال للقانون، ولكن القليل من القوة حتى من هذا المجلس لدعمه ودعم السلام والأمن معه.
إن القانون الإنساني الدولي هو أوضح تمثيل للجهود المبذولة لإيجاد أرضية مشتركة. وإذا كان يتعين على الأطراف، في أوقات الحرب ــ وهي من أكثر الأوقات رعباً واضطراباً التي يمكن أن تعيشها البشرية ــ أن تضع خلافاتها جانباً وأن تعمل بطريقة تحمي على الأقل حياة المدنيين (وهو ما أحثهم اليوم على القيام به)، وكذلك ينبغي عليكم ذلك في عملك اليومي.
اعذرني، سيدي الرئيس، إذا استخدمت كلمات قوية - فهذا هو الإحباط الذي يشعر به من يعمل في المجال الإنساني وهو يتحدث هنا.
لقد دعوتكم العام الماضي إلى استخدام صوتكم – وليس أصواتكم.
لكن تنافر هذا المجلس يعني أنكم واصلتم بدلاً من ذلك رئاسة تنافر أوسع من الفوضى في جميع أنحاء العالم.
لقد فات الأوان بالنسبة لعشرات الآلاف الذين قتلوا حتى الآن في غزة، وأوكرانيا، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وميانمار والعديد من الأماكن الأخرى.
ولكن لم يفت الأوان بعد لوضع تركيزكم وطاقتكم على الأزمات والصراعات التي لا تزال دون حل، حتى لا نسمح لها بالتفاقم والانفجار مرة أخرى.
ولم يفت الأوان بعد لتكثيف المساعدات للملايين ممن نزحوا قسراً للعودة إلى ديارهم طوعاً وبأمان وكرامة.
ولم يفت الأوان بعد لمحاولة إنقاذ ملايين لا حصر لها من ويلات الحرب.
شكراً لكم.