حقوقية كولومبية تتحدى المخاطر لإنقاذ السكان وتحسين حياتهم
حقوقية كولومبية تتحدى المخاطر لإنقاذ السكان وتحسين حياتهم
في عام 2013، كان المشهد المروع للجثث التي طفت على نهر سان خوان وتمر عبر قريتها توغوروما أول علامة على أن الصراع المسلح الداخلي الذي طال أمده بين الجماعات المتنازعة قد وصل إلى عتبة دارها.
وقالت إليزابيث، البالغة من العمر 55 عاماً، والمعروفة لمعظم الناس بلقبها "تشافا": "كانت الجثث تحمل رسائل مفادها أنه لا يمكنك إخراج الجثث من الماء ودفنها". انتقلت إحدى الجماعات المسلحة الضالعة في القتال إلى المنطقة، وبعد ستة أشهر هاجمتها جماعة أخرى متناحرة. وأضافت: "في خضم الفوضى، أخذ السكان يهربون في كل اتجاه مع وابل كثيف من الرصاص. لقد كان وضعاً لم نشهده من قبل في منطقتنا".
فرت مورينو مع عائلتها والقرويين الآخرين من توغوروما ولم تعد بعد ذلك إلى ديارها. ولكن هذه التجربة جعلتها أكثر تصميماً وعزماً على التحدث علناً ضد العنف والانتهاكات التي تحدث في تشوكو، وذلك بعد أن أثبتت نفسها بالفعل كزعيمة محلية وانتُخبت كمسؤولة عن المجتمع الأفرو-كولومبي.
أطلقت حملة للتحدث جهاراً نيابة عن غالبية سكان تشوكو الكولومبيين من أصول إفريقية وغيرهم ممن تعرضت سلامتهم وحياتهم للخطر، بمن فيهم مجموعات السكان الأصليين في المنطقة. ومنذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، طالت تأثيرات العنف في كولومبيا ما يقرب من 10 ملايين شخص، مما أجبر أكثر من 8 ملايين منهم على الفرار من منازلهم خلال تلك الفترة، من بينهم اليزابيث.
قائدة مجتمعية
وشرحت مورينو، قائلة: "تشوكو هي واحدة من أكثر المناطق تضرراً من الصراع المسلح في كولومبيا. وفي هذه المنطقة، شهدنا أشنع المجازر، وواجهنا حالات من الاختفاء القسري، وعانت المجتمعات من التطويق، وتم توجيه اتهامات للسكان بالتعاون مع الجماعات المسلحة، وكان هناك الكثير من جرائم القتل. كما عانينا من انتهاكات حقوق الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
وأضافت: "أعتقد أن هذا كان دافعي الحقيقي لأكون قادرةً على إعلام الآخرين بالوضع الذي كنا نمر به. وهنا ولدت الرغبة في أن أكون قائدة".
أدت رؤيتها وتأثيرها إلى أن تصبح أول امرأة تنتخب كممثلة قانونية لمجلس ACADESAN، وهو مجلس إقليمي يعزز ويحمي حقوق 72 مجتمعاً من المجتمعات الأفرو-كولومبية ممن يعيشون في منطقة سان خوان الجنوبية. أما الآن فهي تعمل كمنسقة لمنتدى تشوكو للتضامن بين الأعراق الذي يُعزز التنمية القائمة على الثقافة والمعرفة العرقية، إضافة إلى معالجة قضايا مثل النزوح القسري والتقييد.
وتُعد استراتيجية التضييق واحدة من الاستراتيجيات التي تستخدمها الجماعات المسلحة للسيطرة على المجتمعات المحلية حيث تمنع قرى بأكملها من مغادرة أراضيها، مما يؤدي إلى تعطيل حياة السكان وتعميق معاناتهم. وقد حدث نحو ثلثي جميع حالات التضييق في كولومبيا هذا العام في تشوكو.
وكجزء من دورها في مجلس ACADESAN ، ضمنت إليزابيث إدراج مصالح المجتمعات العرقية في محادثات السلام لعام 2016 بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك) في هافانا، كوبا. كما توسطت في هدنة جزئية بين الجماعات المسلحة المتنازعة في عام 2017 والتي أدت إلى تحقيق السلام في سان خوان لمدة ثلاث سنوات قبل عودة اندلاع أعمال العنف في عام 2020.
في الآونة الأخيرة، نجحت في التفاوض مع الجماعات المسلحة للإفراج عن ضحايا الاختطاف من الشباب، بمن فيهم اثنين من الصبية اللذين التأم شملهما مع أسرتيهما في شهر أغسطس.
تقديراً لالتزامها الشجاع والثابت بتعزيز حقوق أبناء بلدها من الكولومبيين، تم اختيار اليزابيث كفائزة إقليمية بجائزة نانسن للاجئ لعام 2023 عن الأمريكيتين.
تصف الأخت كارمن، وهي راهبة تعمل في قرية نواناما الواقعة في منحنى نهر سان خوان، اللحظة التي رأت فيها هي وآخرون مدى ضراوة وقدرة اليزابيث على الدفاع عن الحقوق، وذلك عندما قاطع مقاتلو "الفارك" لقاءً مجتمعياً، حيث اعتلت إليزابيث المنصة وأخبرتهم أن المنطقة هي للسكان الذين عاشوا فيها لأجيال، وليست لهم.
وقالت الأخت كارمن: "كان كل الرجال [الحاضرين في اللقاء] خائفين، لكن تشافا كانت الوحيدة التي وقفت وتحدثت".
عندما تخاطب اليزابيث جمهوراً ما، فإن تعبيرها الحازم ونبرتها الصريحة تجعل من السهل معرفة السبب وراء جذبها لاهتمام السياسيين والجماعات المسلحة، وحتى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتصف إليزابيث نهجها في جهود الدفاع والمناصرة، قائلة: "ما دأبت على القيام به هو أن أكون طبيعية، أن أكون من هنا، من منطقتي. فأنا لا استخدم لغة منمقة، أنا من أنا".
عمل محفوف بالمخاطر
ومع ذلك، يتطلب الكثير من عملها اليومي السفر لمسافات طويلة بالقارب على امتداد نهر سان خوان وروافده، وزيارة المجتمعات التي تمثلها والاستماع إليها. أثناء سيرها في الشارع الرئيسي في دوكورودو، يداعب شعرها الطويل المضفور حافة قميصها، ويستقبلها السكان المحليون بحرارة، ويهرع الأطفال لاحتضانها، ويقترب منها ناشط شاب لالتماس المشورة.
وقالت سيسيليا روزيرو، زعيمة المجتمع المحلي في وصفها لاليزابيث: "إنها شخص غير متكبر وبسيط ومتواضع، ولقد تعلمت منها أنه شيئاً فشيئاً وبالعمل الجاد، يمكنك تحقيق أشياء كثيرة. كما تعلمت منها أنه يجب أن يكون الشخص شجاعاً. في هذه المنطقة التي نعمل فيها، أن تكون قائداً اجتماعياً يُعد من الأمور الخطير، ولا يجرؤ الجميع على أن يكون كذلك".
عند مشاهدة إليزابيث وهي تتحدث مع السكان في البلدات والقرى التي تزورها، ترتسم ابتسامة على وجهها، ومن الواضح أنها تشعر بأنها في منزلها بين سكان تشوكو.
تقول إليزابيث: "بالنسبة لنا كقادة اجتماعيين، نريد أن نخدم مجتمعاتنا. ونحن نفعل ذلك من صميم قلوبنا وبحب. وأعتقد أنه عندما تتم الأمور بحب وبدافع التفاني ... فإن العمل يسير بشكل جيد".
إن تفاني إليزابيث في تحسين حياة جيرانها في هذا الجزء الجميل ولكن المتقلب من كولومبيا يعني أنها تخطط لمواصلة العمل، ليس فقط حتى يتم تأمين سلامتهم، بل حتى تحقيق ازدهارهم في المستقبل.
وقالت: "يعتقد الكثير من الناس أن السلام يتحقق بإلقاء الجماعات المسلحة لأسلحتها فحسب، ولكن بالنسبة لنا، فإن ذلك يعني فقط أن البنادق قد سكتت. لا يمكننا التحدث عن وجود السلام إلا عندما تكون ظروفنا متساوية، وعند ضمان جميع حقوقنا وعدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان بعد الآن".
تشافا كانت الوحيدة التي وقفت وتحدثت.