امرأة سورية نازحة تعيل أسرتها من خلال كشكٍ صغير
امرأة سورية نازحة تعيل أسرتها من خلال كشكٍ صغير
دمشق، سوريا، 28 أبريل/نيسان (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - على بعد حوالي ثمانية عشر كيلومتراً جنوب العاصمة دمشق، هناك قصة أخرى لتُروى. إنها قصة أمومة وعزيمة وتشبث بالحياة في ظل حرب ما زالت تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة في سوريا.
أم عبد الوهاب هي ربة منزل في الأربعينات من عمرها وأم لثلاثة صبية وفتاتين شابتين. عاشت هذه السيدة لسنين خلَتْ مع زوجها وأولادها الخمسة في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق. ولكن عندما اندلع القتال في تلك المنطقة، انتقلت برفقة عائلتها إلى مدينة المليحة في الغوطة الشرقية بحثاً عن مكان آمن يأويهم. وبعد فترة وجيزة ومرة أخرى بسبب القتال، اضُطروا جميعاً للفرار إلى منطقة الدُّخانيّة شرقيّ العاصمة.
تقول أم عبد الوهاب: "في غضون ساعات قليلة كان علينا أن نحزم حقائبنا لنقطع مسافة قصيرة بعيداً عن الاشتباكات الدائرة، وكانت وجهتنا نحن ومجموعة من سكان الحيّ إلى أحد مراكز الإيواء قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق".
مثلها مثل بقية المناطق في سوريا، عانت هذه المنطقة من قتال مدمر وتقطعت بسكانها الأوصال، فقد اشتدّت الاشتباكات هناك في سبتمبر/أيلول من عام 2014، مما اضُطر جميع سكانها ومن بينهم أم عبد الوهاب وعائلتها إلى الفرار.
تتذكر أم عبد الوهاب الأيام الخوالي بحسرة وتقول: "كنا نملك سيارة وكان زوجي يعمل خياطاً في دمشق. ومنذ فترة، طلب منه الطبيب أن يتوقف عن العمل حيث أن ساقه لم تعد تساعده على القيام بهذه المهنة، وبالرغم من ذلك فإنه يواصل الذهاب إلى العاصمة للبحث عن عمل يمكنه من توفير الطعام لأولادنا".
في حين لا يزال المزيد والمزيد من السوريين يفقدون منازلهم وأعمالهم وأحبائهم أو يغادرون البلاد بحثاً عن فرص أفضل في الخارج، لا يزال الكثيرون ينتظرون مستقبلاً غامضاً داخل البلاد، لا سيما أولئك النازحون. كما أن ظروف الحياة اليومية التي فرضتها الحرب وانعدام الأمن جعلت النازحين القاطنين في مركز الإيواء يعيشون تحت وطأة ضغوط نفسية تؤثر على حياتهم اليومية وتجبرهم على البحث عن حلول أخرى، من ضمنهم أم عبد الوهاب التي تجاهد للتكيّف مع هذه الظروف.
"حاولت أن أجد طريقة ما أساعد فيها زوجي وأوفر من خلالها مصدراً للدخل لعائلتي"، تقول أم عبد الوهاب وهي جالسة مع ابنها البكر على الفراش في الغرفة التي اعتادوا أن يعيشوا فيها في هذا المركز، وفي الجانب الآخر من الغرفة تكوّمت ممتلكات العائلة التي استطاعوا أن يحملوها معهم خلال رحلة نزوحهم في المرة الأخيرة من فراش وحقائب بلاستيكية وملابس وأواني مطبخية.
"كنت أملك مبلغاً صغيراً من المال. فقررت أنا وسيدة نازحة أخرى تقيم في هذا المركز أن نؤسس هذا الكشك الصغير ونبيع فيه البضائع للسكان القاطنين هنا".
يبعد مركز الإيواء الذي تقيم فيه أم عبد الوهاب وعائلتها نسبياً عن مركز المدينة، ومن هنا جاءت فكرة هذا المشروع الصغير. تقول أم عبد الوهاب: "جلبنا الحاجيات اليومية الأساسية التي يحتاجها النازحون هنا ولا يجدونها في المحال القريبة من المركز حيث أن السوق بعيد وهذا الأمر يشكل عبئاً عليهم ويتوجب السير مسافة ثلاثة كيلومترات على الأقدام لشراء ما يلزمهم ولا يملكون أية وسائل نقل تساعدهم للوصول إلى سوق المدينة".
أم عبد الوهاب ليست وحيدة هنا، فابنها البكر يساعدها في العمل في هذا الكشك الصغير وفي جلب البضائع من السوق في مدينة الكسوة. ويمكن للزبون، بحسب قولها، أن يجد في هذا الكشك التوابل والبيض ومواد التنظيف وتنوي في المستقبل شراء ثلاجة صغيرة لحفظ اللبن المصفى الذي تخطط لصنعه وبيعه.
قدمت أم عبد الوهاب وشريكتها فكرة المشروع لجمعية الندى التي بدورها أثنت على الفكرة ووافقت على دعم هاتين السيدتين بمبلغ مالي يمكنهما من شراء منتجات أخرى لتطوير عملهما.
حاله حال باقي مراكز الإيواء التي تستوعب النازحين السوريين، فإن مركز الإيواء هذا جُهّز بحيث يستقبل النازحين لفترة قصيرة من الزمن ولكن مع دخول الصراع في سوريا عامه السادس دون وجود حل للأزمة فإن المنظمات الإنسانية تعمل جاهدة لإيجاد حلول إنسانية دائمة لأكثر من 7.6 مليون نازح داخل البلاد.
تسعى مفوضية اللاجئين وشركاؤها في العمل الإنساني لتحسين الأحوال المعيشية في مراكز إيواء النازحين والتخفيف من معاناتهم وتقديم الدعم اللازم لهم. ووفقاً لمديرة برنامج المنح الصغيرة في جمعية الندى نور سطان، فإن الجمعية قررت رفع قيمة المنحة في العام 2016 إلى 500 ألف ليرة سورية، على أن يكون المستفيد مسؤولاُ عن إعالة خمسة أفراد على الأقل. هذا وتقوم فرق الجمعية بدراسة الجدوى الاقتصادية من المشاريع التي يقترحها النازحون وتوفر لهم المشورة والدعم اللازمين.
بقلم فيفيان طعمة في دمشق، سوريا