عودة بعض اللاجئين من جنوب السودان إلى ديارهم رغم هشاشة الأوضاع
عندما عادت ماري نيكولا للمرة الأولى إلى جنوب السودان بعد فرارها من الصراع قبل أربع سنوات، جهشت بالبكاء. فقد وجدت أن الأرض التي غادرتها قد استولى عليها آخرون وتوفي زوجها عندما كان لاجئاً في الخرطوم بعد صراع طويل مع المرض. كان عليها أن تبدأ من الصفر، ولكن رغم ذلك، فقد شعرت بالارتياح لمجرد العودة.
وقالت وهي تمد حصيرة على الأرض خارج منزل أختها في بينتيو، وهي بلدة صغيرة في ولاية الوحدة بالقرب من الحدود مع السودان: "كانت تنتابني مشاعر مختلطة. لقد كان الأمر مؤلماً ولكن في نفس الوقت كنت سعيدة بالعودة إلى الوطن".
ماري هي من بين حوالي 350 ألف لاجئ من جنوب السودان ممن عادوا من بلدان اللجوء منذ عام 2017، وشجعتهم الأخبار الواردة من الأصدقاء والعائلة بأن السلام يعود ببطء إلى بلدهم.
تعاني الأم البالغة من العمر 30 عاماً من إعاقة جسدية حيث تتنقل بمساعدة كرسي متحرك وابنة أختها. يدفعها أطفالها الصغار في بعض الأحيان على طول طريق وعر وجاف ومغبر للبحث عن الماء.
"كانت لدي مشاعر مختلطة ... لكن في نفس الوقت كنت سعيدة بالعودة إلى الوطن"
وقالت: "عندما غادرت، كان ذلك لأنه لم لم يكن بإمكاني المشي والهروب من القتال، لكن الأمور أصبحت أفضل الآن".
في عام 2011، باتت جنوب السودان الدولة الأحدث عهداً في العالم، وذلك بعد عقود من الحرب، لكن البلاد انزلقت مرة أخرى في الصراع في عام 2013. وقد هُجّر أكثر من أربعة ملايين شخص من جنوب السودان في جميع أنحاء المنطقة وداخل بلدهم في واحدة من أكبر أزمات النزوح في إفريقيا.
جدد الاتفاق بشأن حل النزاع في جمهورية جنوب السودان الذي وقعته الأطراف المتحاربة في سبتمبر 2018 الآمال بشكل حذر في التنعم باستقرار طويل الأجل، وهي من الأمور الضرورية للتوصل إلى حلول دائمة للنزوح، بما في ذلك العودة والاندماج المحلي.
أثناء زيارة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي للبلاد للاطلاع على الفرص والتحديات التي تواجه عملية السلام الهشة، التقى بمسؤولين حكوميين ولاجئين ونازحين داخلياً وبالمجتمعات المضيفة وأولئك الذين عادوا مؤخراً، مثل ماري.
وقال: "لقد شهدنا زيادةً في أعداد العائدين بعد تراجعها أثناء ذروة الجائحة، لكن الأرقام عادت إلى الازدياد مجدداً".
في باناكواتش، وهي نقطة حدودية بين السودان وجنوب السودان، التقى غراندي باللاجئين العائدين والذين يستقلون حافلات تغص بالأسرّة والفرش والحاجيات الأخرى التي تراكمت خلال فترة وجودهم في الخرطوم، عاصمة السودان.
المفوضية ليست بصدد تشجيع أو تسهيل العودة إلى جنوب السودان، لكن غراندي حث على المزيد من التفكير الاستراتيجي العاجل من قبل الحكومة والشركاء، وذلك لمساعدة العائدين والمجتمعات التي يستقرون فيها على العيش بأمان وكرامة، مع قدر أكبر من الأمن والخدمات.
وأضاف غراندي: "هناك تحول بطيء في النموذج المرتبط بعملية السلام إلى وضع أفضل، لكن التحديات هائلة ... يجب أن تلتزم السلطات على نحو حازم بالأمن وسيادة القانون والحكم الرشيد". كما دعا غراندي المجتمع الدولي إلى المساعدة في تعزيز جهود التنمية للحرص على أن تعود المدارس والخدمات الصحية وفرص العمل بالفائدة على السكان.
ألحقت سنوات من الصراع في جنوب السودان أضراراً جسيمة بالبنى التحتية الأساسية وأنهكت جهود المساعدات الإنسانية. ودعا غراندي إلى إيلاء اهتمام خاص بأمن النساء في البلاد واحتياجاتهن، مثل ماري، واللائي تحملن وطأة العنف المروع والصدمات النفسية خلال الحرب الأهلية في البلاد.
وقال: "لقد مرت النساء بما يكفي من المعاناة في هذا البلد. التقينا بالعديد من النساء اللواتي قلن لنا إنهن يقدن عائلاتهن من أجل العودة إلى الديار، وهن من يحتجن إلى المزيد من الطمأنينة بشأن الأمن وتعليم الأطفال والصحة وسبل العيش، ويتساءلن كيف سيكون بإمكانهن العيش".
وتأتي زيارة المفوض السامي في وقت يزداد فيه الضغط من أجل تحديد حلول دائمة لنحو سبعة ملايين نازح قسرياً من وداخل جنوب السودان والسودان، من قبل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية.
أشاد غراندي أيضاً بسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها جنوب السودان تجاه اللاجئين واستمرار إبدائها سخاءًا وتضامناً مع ما يقرب من 300 ألف لاجئ من الموجودين حالياً على أراضيها، لا سيما في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية هائلة.
"لقد عانت النساء بما فيه الكفاية في هذا البلد"
وقد تسببت فيروس كورونا بتعميق محنة الأشخاص الفارين من الحرب والصراع والاضطهاد وكذلك الأشخاص الأكثر ضعفاً في جنوب السودان، في وقت سيستمر فيه الدعم الإنساني الذي تقدمه المفوضية. وعندما سُئلت عما إذا كانت قلقة من عودة الصراع إلى مسقط رأسها، قالت ماري بأنها تشعر بالقلق، لكنها مستعدة الآن للاستفادة من هذه الفرصة.
تود أن تطلق مشروعاً تجارياً حتى تتمكن من رعاية أسرتها لكنها تحتاج إلى رأس المال: "إذا حصلت على محل للشاي بداخله مواد مثل السكر والحلويات وغيرها، فيمكنني أنا وابنة أخي أن ندير المتجر".