موسيقي عراقي يجد في بروكسل الحب والمستقبل
موسيقي عراقي يجد في بروكسل الحب والمستقبل
يشعر الموسيقي العراقي حسين راسم بالامتنان لمدينة بروكسل لسببين. فهي لم تقدم له منزلاً جديداً فحسب، بل لمت شمله كذلك مع أكثر ما يعني له، وهي آلته الموسيقية.
يذكر اللاجئ البالغ من العمر 29 عاماً الذي وصل إلى بروكسل بعد فراره من وطنه في عام 2016 ويقول: "كنت سعيداً في بروكسل. لكنني افتقدت للموسيقى والتي كانت أول شيء افتقده".
ساعده عوده على تحمل ما أسماه "بؤس" الحرب في العراق. اضطر لتركه عندما فر وكان يتوق للعزف مجدداً في أمن وسلام.
كتب عن الأمر على الفيسبوك، وسرعان ما عرضت عليه المساعدة مجموعة من الأشخاص المهتمين بالموسيقى في العاصمة البلجيكية.
"كنت سعيداً، لكنني افتقدت للموسيقى"
"ساعدوا حسين على عزف الموسيقى مجدداً"، هذا ما حمله نداء تمويل جماعي تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الصحفي براين جينغ، وإيرم عارف وماريا سيرانو من منظمة العفو الدولية، وميف باترسون من المفوضية.
تمثلت خطتهم بجمع 2,000 يورو. ومع انتشار الأخبار واستجابة الناس من كافة أنحاء العالم، أدركت المجموعة أنها ستحقق هدفها.
بالكاد صدق حسين أنه سيعاود العزف على العود: "كما تعلمون، يقدم الناس الكثير من الوعود وأتفهم الأمر إن لم تتحقق هذه الوعود. لم أصدق إطلاقاً أنَّ ذلك كان ليتحقق. لكنَّ المبلغ أخذ في الازدياد وكنت متحمساً جداً".
لسنوات، حطمت الحرب في العراق معنويات حسين. يعزف على العود منذ عام 2009 كطالب في معهد الدراسات الموسيقية في بغداد، ولكنَّ تدهور الأوضاع في البلاد جعلته يشعر بالضيق.
يقول حسين: "يمكنك أن ترى الحزن والعناء على وجوه الناس. يحاول الأشخاص كل يوم العثور على بضعة دولارات لإطعام أسرهم. انفجارات، ولا كهرباء. إنه البؤس".
في أغسطس 2016، اتخذ حسين قراره بالفرار. توجه إلى تركيا ودفع للمهربين مبلغ 3,000 دولار أميركي لنقله إلى اليونان.
كانت الأمواج العاتية تلطم قارب الصيد الصغير الذي عبر على متنه مع 22 شخصاً آخر بحر إيجه في صباح يوم بارد. استغرق الأمر ثلاث ساعات للوصول إلى اليونان.
ولكن حسين كان يحلم بالذهاب إلى بلجيكا، التي أخبره صديق أميركي مرةً بأنها جميلة.
"هناك انفجارات، ولا كهرباء. إنه البؤس".
من اليونان، مرّ عبر جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وصربيا وهنغاريا، وكان ينام في الشوارع، ويتسلل عبر الغابات، ويدفعه المهربون إلى سياراتهم.
بعد وصوله إلى بروكسيل، نام في "حديقة مكسيميليان"، حيث كان هناك مئات اللاجئين، بينما كان ينتظر رداً على طلب لجوئه. وجد نفسه يتصرف كمتحدث باسم مَن حوله، ويجول مع الوافدين الجدد في كافة أنحاء المدينة لمساعدتهم على الشعور كأنهم في ديارهم. ولكنْ حتى بعد حصوله على صفة لاجئ، كان ينقصه شيء.
عرفت صديقته ميف باترسون ما يجب القيام به حيث تقول: "بالنظر إلى صورة حسين ورسائله على وسائل التواصل الاجتماعي، شعرت أنا وأصدقائي بأنه يتعين علينا تقديم المساعدة. فكّرت أنه من الصعب إحداث فارق للجميع، ولكنْ إذا كنا نستطيع أن نفعل شيئاً لشخص واحد فقط، فتلك هي البداية. وقد بدا واضحاً أنَّ جهداً صغيراً من قبلنا سيحدث في النهاية فارقاً كبيراً في حياة حسين، لأن عوده والموسيقى ليسا شغفه فحسب، بل مهنته أيضاً".
بعيداً عن عائلته وأصدقائه وثقافته، وجد حسين البهجة في الموسيقى مرةً أُخرى. وقد أعطاه حصوله على آلة العود أيضاً الفرصة لكسب لقمة لعيش، وتنظيم الحفلات الموسيقية وتسجيل ألبومات.
حتى أنَّ حسين قد وجد الحب من خلال الموسيقى، إذ التقى جولييت، عازفة التشيلو، التي أصبحت الآن أم ابنته إيليا البالغة من العمر شهرين، وأحد أعضاء فرقته الموسيقية. وقع الزوجان في الحب بعد أن اقترحت جولييت أن يعزفا معاً أغنية "لمّا بدا يتثنى"، إحدى أغاني حسين المفضلة.
يقول حسين، وهو يضحك: "قالت لي "دعنا نعزف هذه الأغنية إن كنت تعرفها"، وأجبت بأنني أعرفها طبعاً. عزفناها ذلك اليوم وما زلنا نعزفها في كل الأوقات. لو لم أحصل على العود لما التقيت بجولييت".
في يناير، أطلقت فرقتهم "نوارس" ألبومها الأول، وعنوانه "الهجرة"، وسوف تقدم سلسلة من الحفلات الموسيقية. لا يمكن لحسين أبداً أن ينسى كيف بدأ كل شيء؛ إعلان على الفيسبوك، أربعة أصدقاء، ومدينته الجميلة بروكسل.
ويختم حسين قائلاً: "عشت لحظات هادئة كثيرة في بروكسل، لكنَّ اللحظة الخاصة هي حصولي على العود والعزف، ثم العزف، ثم العزف، فقد غيَّر ذلك حياتي".