المفوضية تولي أهمية للصحة النفسية لضحايا أزمة الروهينغا
المفوضية تولي أهمية للصحة النفسية لضحايا أزمة الروهينغا
عندما تحطم قارب الصيد المزدحم وسط العاصفة، قذف نورس سلام في البحر حاملاً ابنه الوحيد.
كان يمسك به بأشد ما يمكن ولكن الأمواج كانت أقوى من قبضته. وفجأة اختفى عبد البالغ من العمر عامين. وهمس نوروس قائلاً: "لا أزال أسمع صراخه "بابا، بابا" كلما أغمضت عيني".
نوروس، البالغ من العمر 22 عاماً هو من بين الأشخاص الـ27 الذين نجوا من غرق قاربهم في 26 سبتمبر قبالة سواحل بنغلاديش والذي أسفر عن مصرع 23 شخصاً على الأقل. ولا يزال العشرات في عداد المفقودين.
تحدث نوروس الذي فقد زوجته سانجيدا البالغة من العمر 18 عاماً في حادثة الغرق أيضاً، خلال جلسة دعم في غرفة مدرسية في مخيم اللاجئين هذا برئاسة طبيبة نفسية تابعة للمفوضية. يجتمع عشرون من الناجين في غرفة مدرسة بيكوك الابتدائية، التي تشكل أيضاً مكان إقامتهم المؤقتة.
وتتحدث رشيدة بيجوم، البالغة من العمر 23 عاماً، وهي تجلس القرفصاء على الأرض، لمعالجة محمودة كيف انزلقت ابنتها البالغة من العمر سبعة أشهر من قبضتها وسط الأمواج العاتية.
هذه إسعافات أولية للصحة النفسية لأزمة الروهينغا، وهي كارثة من صنع الإنسان تسببت في معاناة على نطاق أوسع مما يمكن تصوره.
ويشرح عبد رشيد، البالغ من العمر 16 عاماً، أن والده قتل بالرصاص في ميانمار. أما والدته فغرقت عندما تحطم قاربهم قبالة الشاطئ، وبصفته الأكبر من بين الأشقاء الأربعة الذين نجوا، فهو الآن المعيل الجديد للأسرة.
وقال لمحمودة بصوت خافت: "يجب علي الآن رعاية هؤلاء الأطفال، فلا يوجد أحد غيري. أنا أشعر بالعبء الذي على عاتقي عندما أحاول النوم".
درست محمودة، وهي إخصائية نفسية في مجال التعليم ومستشارة، الطب النفسي مع تدريب خاص في اضطراب ما بعد الصدمة.
وهي الأخصائية النفسية الوحيدة التابعة للمفوضية في مخيمي اللاجئين الرسميين اللذين تديرهما الحكومة في بنغلاديش - كوتوبالونغ ونايابارا - وفي المدن الجديدة الواسعة المليئة بمساكن الخيزران والبلاستيك التي يقيم فيها مئات الآلاف من الناس. هناك خمسة أخصائيين نفسيين آخرين يعملون مع المنظمات الشريكة، ولكن ما من أطباء نفسيون.
منذ غرق القارب قبل خمسة أيام، عقدت محمودة جلسة جماعية مع جميع الناجين البالغ عددهم 27، وجلسات علاج فردي مع 14 من الرجال والنساء والأطفال الذين تمكنوا من بلوغ الشاطئ أحياءً.
وتبقى معاناتهم المأساوية مجرد غيض من فيض، وسط أعمال العنف الجارية التي اقتلعت أكثر من نصف مليون شخص من ديارهم في ظروف لا يمكن تصورها.
قالت محمودة: "لقد مر جميع اللاجئين بتجارب مؤلمة كثيرة. فمشوا لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، أو جاءوا على متن قارب ... لقد شهدوا الذبح وإطلاق النار والتعذيب والاغتصاب ... لقد شهدوا كل شيء".
"لقد شهدوا الذبح وإطلاق النار والتعذيب والاغتصاب"
بدأت محمودة جلسة المجموعة الثانية للناجين من غرق القارب برسالة مطمئنة وواضحة وقالت لهم بصوت ناعم وهادئ وواثق فيما كانوا يستمعون إليها بإمعان: "أنتم على قيد الحياة. أنتم بأمان. لستم لوحدكم. نحن معكم".
وتظهر دراسات الصحة النفسية أن اللاجئين قادرون على الصمود بشكل مذهل. يتعرض معظمهم إزاء النزوح والخسائر لضغط نفسي حاد وحزن شديد، فيما تظهر نسبة أقل - ما لا يزيد عن واحد من كل خمسة عادةً - أشكالاً طفيفة أو معتدلة من مشاكل الصحة النفسية، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة المعتدل. ويعاني عدد أقل من اضطرابات خطيرة مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الذهان.
لدى محمودة موارد محدودة للغاية، ليس أقلها الوقت. فهي أقرب طبيب نفسي في دكا وهي تستطيع إحالة الحالات البسيطة فقط إلى الأطباء في المخيم الذين شاركوا في حلقة دراسية مكثفة في الصحة النفسية. وخياراتها محدودة في إطار إحالة البعض إلى شبكات الرعاية الصحية والاجتماعية الأخرى في المخيمات.
ومن المثير للدهشة، أنه رغم العذاب الذي يعيشه الناجون من غرق القارب والموارد البدائية التي تملكها محمودة، هناك دلائل صغيرة على أن البعض قد يجد طريقاً للمضي قدماً.
تطمئن محمودة أولئك الذين تم إنقاذهم بأنهم الآن بأمان وعليهم أن يجدوا القوة لمتابعة حياتهم.
ومن الجدير بالملاحظة أن رشيدة بدأت تتقبل فقدان طفلتها، فقالت لمحمودة: "ربما هذا مصيرنا".
"عندما كنا في ميانمار، كان يمكن أن تقتل طفلتي على يد الجيش، أو أن تذبح من قبل شخص آخر. أنا أعزي نفسي بذلك. لقد فقدتها، ولكن علي البقاء على قيد الحياة".
إلى جانب فقدان والديه، يشعر عبد رشيد بالرهبة إزاء مسؤوليته برعاية أشقائه، في الثامنة والتاسعة والثانية عشرة من العمر. فيستمع باهتمام فيما تقدم له محمودة معلومات واضحة عن الدعم المتاح له.
وهي تشرح أن هناك مساحة صديقة للأطفال في المخيم حيث يمكن لإخوته الرسم واللعب بالكرة وصنع الألعاب وعيش القليل من طفولتهم من جديد. وهي ستسعى للبحث عن دعم إضافي له، من شركاء آخرين في المخيم.
"يحق لهؤلاء الناس العيش بكرامة وبصحة عقلية سليمة، ولكن قدرتنا محدودة جداً"
أما بالنسبة لمحمودة، التي تتعامل مع الألم النفسي على نطاق لا يمكن تصوره ببساطة، فهي تراجع تدريبها وتذهب إلى العمل. وهي تتساءل عن تأثير عملها عليها، وما إذا كانت قدرتها على العمل تعني أنها تفقد تعاطفها.
فقالت: "بعد أن أعود إلى المنزل، أقوم ببعض تمارين التنفس العميق والاسترخاء لأحرر نفسي - فبعد سماع هذه القصص، من الصعب جداً أن يبقى المرء هادئاً وساكناً".
ورداً على سؤال حول ما تحتاجه لمساعدة مجموعة زبائنها التي نمت بمقدار 15 ضعفاً خلال شهر واحد، فإجابتها واضحة. طبيب نفسي واحد على الأقل وأخصائي نفسي للأطفال وتدريب للعاملين في المجال الطبي في المخيمات بحيث يصبحون قادرين على أن يقدموا الرعاية الصحية النفسية الأساسية على الأقل للاجئين الروهينغا.
"يحق لهؤلاء الناس العيش بكرامة وبصحة عقلية سليمة، ولكن قدرتنا محدودة جداً، لذلك لا يمكن تغطية هذا العدد الكبير من الناس".
وأضافت بهدوء وبهاء خارقين يطمئنان بالتأكيد أولئك الذين يسعون للحصول على المساعدة في هذه الكارثة التي لا تزال تتكشف معالمها: "نحن نبذل قصارى جهدنا لأجلهم. إذا كان هناك من يستطيع أن يقدم لنا يد العون فنحن نرحب به".