كلمة المفوض السامي غراندي في افتتاح المنتدى العالمي للاجئين 2023
كلمة المفوض السامي غراندي في افتتاح المنتدى العالمي للاجئين 2023
صاحب الجلالة،
السيدات والسادة الحضور في المنتدى العالمي للاجئين الموقرون،
قد لا تعكس الأرقام القصص الواقعية، إلا أنّه يوجد رقم واحد – 114 مليون – يتمتع بالأهمية ولنبدأ التمعن به اليوم: 114 مليون، إنه رقم يمثل عدد الأشخاص النازحين قسراً الذين أجبرهم الاضطهاد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والعنف والصراعات المسلحة، والأحداث المخلة بالنظام العام بشكلٍ جسيم على الفرار من ديارهم؛ 114 مليون حلمٍ ذهب أدراج الرياح، وحياةٍ تعطلت، وآمالٍ تقطعت. إنه رقم يعكس أزمةً إنسانية – أو في الواقع العديد من الأزمات. رغم ذلك، يمثل هذا الرقم – من ناحيةٍ أخرى – مدى كرم وضيافة الأشخاص الذين فتحوا قلوبهم وبيوتهم أمام أولئك المضطرين للفرار؛ وهم أشخاصٌ عادةً ما تكون الموارد المتاحة لهم شحيحةً، شأنهم شأن أولئك الذين اضطروا لترك كل شيء وراءهم.
لكن عالمنا مهدد أيضاً بأوجه عدم المساواة العميقة، وانتشار الفقر، وتغير المناخ؛ فالأمن هو مصدر قلق مادي وافتراضي؛ وقد كشف وباء فيروس كورونا عن مدى تعرضنا للمخاطر الصحية. ولذلك فمن السهل أن ننسى في بعض الأحيان أن النزوح القسري يظل أيضاً مشكلة لم تُحل وتعنينا جميعاً؛ ليس فقط عندما نرى صور التدفقات الهائلة، أو عندما يطرق اللاجئون أبوابنا. إنّها - مثل التحديات العالمية الأخرى - تصبح أكثر صعوبة بفعل تزايد الانقسام في المجتمع الدولي.
لذلك، دعونا لا ننسى اللاجئين وسط العديد من التحديات الأخرى، والتي قد يبدو بعضها أكبر وأكثر إلحاحاً: إن رقم الـ114 مليون شخص يعادل في ضخامته وإلحاحه أكبر الأزمات. ولهذا السبب يأتي انعقاد المنتدى العالمي للاجئين في الوقت المناسب: لأنه يمثل فرصة لنا جميعا لإعادة الالتزام ببعض الأساسيات اللازمة للاستجابة للنزوح القسري: حماية الأشخاص الذين أجبروا على الفرار، وتقاسم المسؤولية مع أولئك الذين يستضيفونهم؛ وضمان تمكين اللاجئين من المساهمة في المجتمعات والدول التي توفر لهم اللجوء؛ ومضاعفة الجهود لحل قضية وجودهم خارج أوطانهم؛ والسعي إلى معالجة الأسباب الجذرية لفرارهم.
صاحب الجلالة،
السيدات والسادة،
هناك كارثة إنسانية كبرى تتكشف فصولها في قطاع غزة، وقد فشل مجلس الأمن حتى الآن في وقف العنف. إن الأحداث التي وقعت في إسرائيل وغزة منذ 7 أكتوبر تأتي خارج نطاق ولاية المفوضية. ولكن من المؤسف أننا نتوقع المزيد من الخسائر في الأرواح والمعاناة بين المدنيين، وكذلك المزيد من النزوح الذي يهدد المنطقة. لا أستطيع أن أفتتح المنتدى العالمي للاجئين، دون أن أكرر أولاً دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وإطلاق سراح الرهائن، و– بعد طول انتظار – استئناف الحوار الحقيقي الذي ينهي الصراع إلى الأبد، ويفضي إلى السلام والأمن الحقيقيين لشعبي إسرائيل وفلسطين. لقد قمت بدعوة زميلي وصديقي فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، للإدلاء بتصريحاتٍ خاصة بعد ظهر هذا اليوم، من وجهة نظر الوكالة المكلفة بمساعدة ودعم اللاجئي الفلسطينيين، وبالتالي فإنها الأكثر اضطلاعاً وانخراطاً في الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة.
ولكن في حين يظل التركيز – كما هو واجب – متمحوراً حول غزة، فإنني أرجو أن لا تغفلوا الأزمات الإنسانية وأزمات اللاجئين الملحة الأخرى. إن وضع المدنيين في السودان وأوكرانيا – بما في ذلك الملايين من اللاجئين والنازحين – يتطلب اهتمامنا ودعمنا، كما هو الحال مع الأزمات التي طال أمدها مثل محنة الروهينغا، والوضع في سوريا، وأفغانستان، والمصاعب المستمرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وانعدام الأمن المتزايد في منطقة الساحل الإفريقي، والتدفقات السكانية الهائلة عبر الأمريكتين، والبحر الأبيض المتوسط وخليج البنغال، وغيرها الكثير..
إن معظم هذه الأزمات - كما نعلم جميعاً - تستمر بسبب الافتقار إلى حلول سياسية للصراعات ــ أي عدم القدرة على صنع السلام ــ من جانب أطراف الصراعات والدول ذات النفوذ، ويقترن ذلك على نحو متزايد بتغير المناخ وحالات الطوارئ الأخرى. يترك كل هذا الأشخاص العاديين عرضة للمصاعب المريعة، ولانتهاكات حقوق الإنسان، وللنزوح. وفي هذه الحالات، يجب علينا ألا نهمل - على أقل تقدير - التزامنا الأساسي تجاه الإنسانية، وأن نضمن توفير الحماية والمساعدة الإنسانية الأساسية. ولا يسعني إلا التنويه بأن العديد من المنظمات الإنسانية تواجه تحديات تمويلية حادة: فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحدها تفتقر إلى 400 مليون دولار أمريكي لإنهاء العام بالحد الأدنى من الموارد اللازمة، وهو عجز لم نشهده منذ سنوات؛ ونحن جميعاً ننظر بعين القلق الكبير إلى عام 2024. واسمحوا لي أن أغتنم هذه اللحظة، بحضور العديد من المانحين الأسخياء، لتوجيه نداءٍ أقوى إليكم لتعزيز دعمكم المالي. لأن حالة العالم، للأسف، تحتاج إلى منظمات إنسانية قوية.
صاحب الجلالة،
السيدات والسادة،
عندما اختتمنا المنتدى العالمي الأول للاجئين قبل أربع سنوات، قلت بأننا نمتلك "مقومات النجاح". واليوم، تحولت هذه المقومات إلى محركٍ يمكنه أن يقودنا إلى أبعد من ذلك بكثير، وذلك بفضل الجهود المتضافرة التي بذلناها. كثيرون هنا في هذه القاعة وخارجها – ليس الدول فحسب، ولكن أيضاً المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والمنظمات المحلية والتي يقودها اللاجئون (واللاجئون أنفسهم، بما في ذلك أكثر من 300 يشاركون في هذا المنتدى)، فضلاً عن الهيئات الرياضية والمنظمات المالية الدولية والمؤسسات والزعماء الدينيين والأوساط الأكاديمية والشركات الخاصة والمواطنين الذين ساهموا جميعاً بما في وسعهم، في تكريس روح "المجتمع بأكمله" الإيجابية التي تعد السمة المميزة للميثاق العالمي بشأن اللاجئين.
ولذلك، اسمحوا لي بأن أعرب عن امتناني لكم.
واسمحوا لي أيضاً بتوجيه الشكر لشريكتنا في استضافة المنتدى؛ سويسرا، على دعمها الراسخ لهذه القضية.
وأود أيضاً أن أعبر عن عميق وصادق امتناني أيضاً للدول المشاركة في عقد المنتدى؛ كولومبيا وفرنسا واليابان والأردن وأوغندا، على دورها القيادي والإرشادي ومثابرتها استعداداً لهذا المنتدى.. والأهم من ذلك كله، على تضامنكم الراسخ مع اللاجئين على مدى السنوات الماضية كمضيفين ومانحين.
ولن أفوت الفرصة – بشكلٍ خاص – لأتوجه بالشكر إلى جلالتكم؛ ليس فقط لتشريفكم إيّانا بحضوركم الكريم اليوم، وللكلمة التي سوف تلقونها لاحقاً، بل أيضاً على حسن الضيافة الراسخ التي تبديه المملكة الأردنية الهاشمية تجاه اللاجئين – الأمر الذي كان لي الشرف بأن أشهده وأقدره شخصياً على مدى العديد من السنوات، سواء أثناء خدمتي في الأونروا أو في منصبي الحالي. لم يشمل ذلك اللاجئين العراقيين والسوريين على مدى العقود القليلة الماضية فحسب، بل أيضاً اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948.
ليست مشاركة الأردن وكولومبيا وأوغندا في عقد المنتدى محض الصدفة، فهي تمثل الدول المضيفة – ومن أكبر البلدان المضيفة – التي قامت بإيواء وحماية ومساعدة اللاجئين على مدى عقودٍ من الزمن أحياناً، وبدعمٍ خارجي ضئيل غالباً. وتدعو ديباجة اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ صراحةً إلى التعاون الدولي لتخفيف "الأعباء الثقيلة المفرطة" التي يمثلها "منح اللجوء". إن إحدى أبرز رسائلي إليكم اليوم هي على وجه التحديد ما يلي: من غير الممكن لنا أن نبالغ في تقدير الدور الذي تلعبه البلدان والمجتمعات المضيفة في إنقاذ الأرواح، ويجب ألا ننسى إطلاقاً الثمن الذي تدفعه هذه البلدان والمجتمعات - بالنيابة عنا جميعاً – أثناء تقديمها التضحيات للصالح العام العالمي.
جرى تصميم الميثاق العالمي بشأن اللاجئين - الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2018 والذي يعد حجر الأساس لهذا المنتدى – في ضوء هدف محدد يتمثل في السعي إلى تقاسم الأعباء والمسؤوليات بشكل أكبر في الشؤون المتعلقة باللاجئين. صحيح أننا شهدنا في بعض الأماكن تصرفات تهدف إلى العكس تماماً، مثل انتهاك القانون الدولي أو صد اللاجئين، أو بناء جدران قانونية أو فعلية، أو إلقاء المسؤولية على عاتق أطرافٍ خارجية؛ علماً بأن هذه السياسات – بالمناسبة – غير صائبةٍ أو فعالة. ولا يمكننا أن نتقبل حقيقة مفادها أن العديد من اللاجئين والبلدان والمجتمعات المضيفة الأكثر ضعفاً لم يتلقوا الدعم الذي يحتاجون إليه ويستحقونه.
ولكن من المهم نعترف بأننا – على الرغم من كل التحديات – قد أحرزنا بالفعل الكثير من التقدم؛ التقدم المحرز من خلال العمل معاً..
التقدم الذي أحرزناه من خلال الالتزامات الكبيرة متعددة الأطراف، فضلاً المبادرات الإقليمية المماثلة لما رأيناه في منصات الدعم الإقليمي الثلاث (التي ستصبح أربعاً في وقتٍ قريب). التقدم الذي شمل أيضاً مبادرات لا تحصى أطلقها أشخاص عقدوا العزم على تحسين حياة اللاجئين ومضيفيهم.
التقدم المحرز في تعزيز الاعتماد على الذات لدى اللاجئين، وتقليل الاتكال على المساعدات، والبحث عن الحلول في بلدانٍ ثالثة، وتحسين الظروف الملائمة للعودة الطوعية إلى الوطن، من خلال أكثر من 1,700 تعهدٍ سجلت أثناء المنتدى الأول من قبل نحو 130 دولةً و550 كياناً غير حكومي.
التقدم الذي تقوده البلدان المضيفة التي اعتمدت سياسات لا توفر الوصول إلى الأراضي والأمان فحسب، بل تتيح أيضاً إمكانية الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية، أو قطع الأرض في بعض الحالات - على الأقل حتى يتمكن اللاجئون من إيجاد حلول دائمة، لا سيما من خلال العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة. وقد كفلت دولٌ عدة حرية التنقل داخل أراضيها وإمكانية التوظيف، مما أدى إلى توسيع الفرص.
التقدم الذي رسخه المانحون ممن أدركوا أهمية دعم هذه الجهود من خلال تعزيز الخدمات الوطينة في الدول المضيفة، وتمويل البنى التحتية وفرص العمل – التي تسهم في تعزيز الاعتماد على الذات في صفوف اللاجئين وتحفيز إجمالي الناتج المحلي للبلدان المضيفة لهم، بالتزامن مع الحد من تكلفة الشمول في الخدمات الوطنية.
يتوجب علينا – في كافة الأحوال – ألا نعتبر سخاء الدول المضيفة أمراً مسلّماً به.. فلنتذكر بأن الغالبية العظمى من اللاجئين – 75 بالمائة على وجه التحديد – يعيشون في دولٍ ذات دخل متوسطٍ أو منخفض، وتعاني أصلاً في رعاية مواطنيها. لهذا السبب يلعب الدعم الدولي دوراً محورياً ينبغي تعزيزه.
أود توجيه الشكر إلى البنك الدولي لمواصلته لعب دورٍ قيادي في هذا الصدد، ولشراكته الحقيقية مع المفوضية والبلدان المضيفة للاجئين. وتوجد جهاتٌ أخرى أيضاً – مثل البنوك التنموية في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط والأمريكيتين – قامت بالكثير لإيجاد شركاءٍ مانحين تنمويين – مثل اليابان وفرنسا اللذان يمثلان نفسيهما اليوم والعديد من المانحين الملتزمين الآخرين: وأريد مناشدة الدول الأخرى التي تتوفر لديها الموارد للانضمام إلى صفوفهم. بالإضافة إلى المساعدة الإنسانية، جرى حشد مليارات الدولارات من التمويل التنموي خلال السنوات الماضية دعماً للاجئين والدول والمجتمعات المضيفة لهم – وهو تمويل لم يكن ليصبح واقعاً في غياب الميثاق (العالمي بشأن اللاجئين) والجهود الحثيثة للكثيرين منكم.
لقد أصبح القطاع الخاص أيضاً شريكاً أساسياً، ليس فقط من خلال المساهمات الخيرية (التي شكلت في العام الماضي نسبة غير مسبوقة بلغت 20% من دخل المفوضية)، ولكن أيضاً في الطريقة التي وظف بها خبرته الخاصة في الاستجابات للاجئين، إلى جانب الموارد التي تشتد الحاجة إليها، والابتكار والإرشاد والتوظيف، والمجاهرة بصوته وغير ذلك الكثير..
كما نَمت حلول البلدان الثالثة مع زيادة عمليات إعادة التوطين وما يسمى بـ "المسارات التكميلية": أي المنح الدراسية، وتنقل العمالة، وغيرها من الفرص التي تغير حياة اللاجئين وتساعدهم، وهي مثالٌ واضح على تقاسم الأعباء والمسؤوليات؛ ويجب أن تستمر وأن يتم توسيع نطاقها بشكل كبير.
أخيراً وليس آخراً، خلال السنوات الأربع الماضية، دأبت المفوضية للقيام بالمزيد من العمل في البلدان الأصلية للاجئين. وفي بعض الأماكن، حيث كان التقدم السياسي محدوداً، أدى ذلك إلى مناقشات صعبة مع بعض الجهات المعنية لدينا. إنني أقدر المواقف المختلفة والسياسات التي تنطوي عليها هذه العملية الحساسة في كثير من الأحيان. ومع ذلك، سنواصل العمل من أجل التوصل إلى حلول. ليس فقط لأنه جزء من الولاية التي كلفت بها الدول المفوضية؛ وليس فقط لأنها إحدى ركائز الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، وليس فقط لأن البلدان المضيفة تطالب بشكل ملح بإحراز تقدم في هذا المجال؛
ولكن لأن أعظم أمنية لدى كل لاجئ تقريباً هي العودة إلى وطنه طوعاً وبأمان وكرامة.
لكن الحقيقة هي أننا - أي أنتم الدول - ببساطة لا نقوم بما يكفي لإزالة العقبات التي تعترض العودة، والتي تعد أيضاً من الأسباب الجذرية للمزيد من النزوح. وفي سبيل ذلك، لا بد من بذل المزيد من الجهود لتحقيق السلام. لأن المنظمات الإنسانية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والعديد من المنظمات الأخرى الممثلة هنا، لا يمكنها أن تحرز الكثير في عملها إن استمر الصراع والعنف والاضطهاد.
صاحب الجلالة،
السيدات والسادة،
نحتفي هذا الأسبوع بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهنا، واليوم، أعتقد أنه من الملائم التذكير بأنه إن تم التمسك بالمادة الثالثة دائماً وفي كل مكان – وإليكم اقتباس منها: "لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه" - فلن يكون هناك أي لاجئ.
لذا، في هذه الأوقات المضطربة، ووسط العديد من الانقسامات، أوجه لكم أقوى نداءاتي: دعونا نجعل هذا المنتدى العالمي للاجئين منطلقاً للوحدة، بحيث تتضافر خلاله جهودنا جميعاً لضمان أن يجد الحماية كل من اضطروا للفرار بسبب تعرض حياتهم وحريتهم وأمنهم للتهديد؛ ولكي لا يُدخر جهد في سبيل حل مشكلة فرارهم من ديارهم في أسرع وقت ممكن.
شكراً لكم.