الطريق إلى ليسفوس.. قصة أخرى من قصص اللجوء
الطريق إلى ليسفوس.. قصة أخرى من قصص اللجوء
بعدما بدأ المحرك الخارجي للزورق المطاطي الصغير بالتوقف عن العمل، وأخذت الأمواج تضرب جانبه الأيمن دافعةً به إلى الخلف باتجاه تركيا، بدأ دارا محمد يشعر بالندم لأنه خاطر بحياة عائلته في هذه الرحلة.
كان هذا القارب الصغير المكتظ والذي كان يحمل على متنه 40 شخصاً يصارع البحر الغاضب في طريقه نحو أوروبا.
دفع الشاب السوري البالغ من العمر 29 عاماً مبلغ 2,500 دولار أميركي لأحد المهربين في إزمير من أجل نقل عائلته المؤلفة من أربعة أفراد إلى مكان يأمل أن يجد الأمان فيه. وقد أكد لهم المهرب بأن الأمور ستسير على ما يرام.
وكان الظلام قد خيم على بحر إيجة، فضمّ دارا طفلته لامار البالغة من العمر عامين إلى صدره بقوة وسحب زوجته نالين التي كانت تحمل طفلهما بولات إلى جانبه.
ظلت الطفلة لامار هادئةً مدركةً الخوف في عيني والدتها بينما كان الزورق المطاطي الصغير يشق طريقه بصعوبة نحو جزيرة ليسفوس اليونانية. شهدت الطفلة البالغة من العمر عامين الخوف نفسه من قبل عندما دمرت الانفجارات منزلهم في سوريا. وشهدته مجدداً عندما فروا للنجاة بحياتهم، وقد عاشت هذه التجربة مرات عديدة منذ ذلك الحين.
لكن صلواتهم الجماعية استُجيبت مع وصول القارب الصغير إلى الشاطئ. طغت دموع الفرح على الناجين الذين قاموا بالتقاط الصور وإجراء مكالمات هاتفية لإبلاغ أفراد عائلاتهم بوصولهم بأمان.
التقينا بدارا ونالين وعائلتهما للمرة الأولى على شاطئ قرية صيد صغيرة اسمها سكالا سيكامينياس، تحت ضوء كنيسة ميرميد مادونا. وعلى غرار الكثيرين، لم يكن بحوزتهم سوى هواتفهم والقليل من المال وحقيبة لطفليهما وملابس على ظهرهم.
أخبرتنا نالين البالغة من العمر 23 عاماً ودموعها تبين حرقة والدة أُجبرت على تعريض حياة أطفالها للخطر قائلةً: "أحصينا أنفسنا من بين القتلى إلى أن وصلنا إلى هنا. شعرنا بالخوف الشديد. وكان هذا الخوف لا يوصف. فلو سقطنا في المياه لما تمكن أحد من إنقاذنا".
في ساعات الفجر الأولى، رأينا هيكل الزورق المطاطي الذي أتوا على متنه في الجزيرة اليونانية. كان قد تمزق بالقرب من الشاطئ ولم يعد بإمكانه العودة تماماً كركابه.
تقول نالين وهي جالسة تحت شجرة بأن "حياتنا قد تدمرت. رأينا الكثير من الأشخاص يذبحون أمام أعيننا. لا نجرؤ على العودة".
دارا ونالين كانا من بين آلاف الأشخاص الذين فروا من عين العرب/كوباني وهي قرية كردية في سوريا على الحدود مع تركيا، والتي سبق أن سيطر عليها المسلحون.
وتقول وهي ترينا الصور على هاتفها: "عندما حصلت على صور لمنزلي ورأيت الدمار الشامل، إنهرت وبكيت. لم أتمكن من التوقف".
تدمر المنزل جراء الضربات الجوية التي نفذتها قوات التحالف ضد المتمردين المسلحين الذين تمركزوا هنا.
"بعت الذهب الذي حصلت عليه عند زواجي لأحصل فقط على منزل لي حتى يتمتع أطفالي بحياة مستقرة، لكنه تدمر".
في شهر يوليو/تموز الحار، انتظرت العائلة والمجموعة المرافقة الحافلة التي لم تأتي. عندها أجبروا على السير معظم الطريق للوصول إلى العاصمة ميتيليني التي تبعد حوالي 70 كيلومتراً على طول الطرقات الجبلية، حاملين الأطفال والممتلكات على ظهرهم.
كانت عائلة دارا ونالين العائلة الوحيدة التي عرضت حياتها للخطر هذا العام للوصول إلى أوروبا عن طريق البحر. لكن هذا ليس إلا بداية رحلة محفوفة بالمخاطر بحثاً عن ملجأ في أوروبا. سمحوا لنا بمشاركة رحلتهم وهذه هي قصتهم.