رحلة إنقاذ مع البحرية الإيطالية في عرض البحر
رحلة إنقاذ مع البحرية الإيطالية في عرض البحر
على متن السفينة "سان جوستو"، البحر الأبيض المتوسط، 20 مارس/ آذار (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - تقرر الرياح والأمواج مصير أولئك الفارِّين عبر البحر الأبيض المتوسط. عندما تهب الرياح من الشمال إلى الجنوب وترتفع أمواج الساحل الليبي، يختبئ ملتمسو اللجوء داخل منازل صغيرة مع مهربي البشر. إلا أنه عندما يكون الطقس صافياً واتجاه الرياح من الجنوب إلى الشمال، فإنهم يجتمعون على الشاطئ حيث يركبون زوارق مطاطية رمادية وقوارب خشبية ملونة ويشقون طريقهم في البحر.
يأتي المهاجرون بدءاً من سوريا ومالي والسودان وغامبيا والصومال، وصولاً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى جنوباً. ويدفع بعضهم بعضاً، كما يتدافعون باتجاه جوانب القارب الصغير غير الصالح للإبحار. فقد دفع كل منهم 1,500 دولار أمريكي ليتمكنوا من الصعود على متن هذه القوارب في شواطئ قريبة من طرابلس في ليبيا للإبحار في رحلة ذهاب فقط للوصول إلى إحدى البقاع الإيطالية؛ جزيرة تعرف باسم لامبيدوزا - وهي أول جزء يظهر من اليابسة في أوروبا.
تتمكن السفن المزودة بمحركات قدرتها 40 حصاناً من قطع مسافة أربع عُقد في الساعة عندما يكون الطقس مواتياً. وإذا كان المهاجرون من سعداء الحظ، يزود مهربو البشر السفينة بمصدر واحد للإضاءة. وإذا كان الحظ حليفهم، فسيجدون لدى أحدهم هاتف ساتلي للاتصال بالسلطات الإيطالية بعد اجتياز 12 ميلاً في المياه الإقليمية الليبية.
وحينما تكون المياه الساحلية هادئة تماماً، غالباً ما تكون أمواج أعالي البحار غير مواتية. لذا، فقد هلك الآلاف من ملتمسي اللجوء على مر السنين على مسافة تبعد 190 ميلاً بين طرابلس ولامبيدوزا.
بيد أن الأمر احتاج إلى وقوع كارثة كبرى حتى تتحرك الجهات المعنية. وقد وقعت تلك الكارثة ليلة الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث هلك 368 إريترياً بعدما انقلب قاربهم على مسافة تُرى بالعين المجردة من جزيرة لامبيدوزا، وقد أعقب ذلك الحادث غرق 232 سورياً أثناء محاولتهم للوصول إلى أوروبا. وتسببت وفاتهم في إحداث موجة من الغضب العام مما حث الحكومة الإيطالية على إطلاق مهمة للإنقاذ.
فقد شكلت أسطولاً صغيراً يضم خمس سفن تابعة للقوات البحرية بقيادة السفينة "سان جوستو"؛ يعمل على متنها أكثر من 850 بحاراً، وقد قامت منذ ذلك الحين بإنقاذ أكثر من 10,000 شخص؛ من بينهم أكثر من 600 امرأة و1,000 طفل. وخلال هذا الأسبوع، أنقذت القوات الإيطالية نحو 2,000 شخص على الأقل كانوا على متن أكثر من عشرة قوارب مكتظة، فضلاً عن توقع مجيء المزيد حال هدوء الأحوال الجوية.
استغرقت سفينة "سان جوستو" - ناقلة الجنود التي تصل طاقة حمولتها إلى 8,200 طن - يوماً للتحرك من المياه المقابلة لجزيرة لامبيدوزا باتجاه الساحل الليبي. صُممت السفينة لاستيعاب نحو 500 شخص. ولكن في إحدى المهمات، تم إنقاذ 820 لاجئاً فضلاً عن طاقم السفينة المعتاد المكون من 300 شخص. وقد استخدمت آنذاك أقصى الموارد المتاحة إذ لم يكن هناك خيار آخر. يعقب ماريو ماتسي، ربان السفينة "سان جوستو" على هذه المهمة قائلاً: "لقد قمنا باصطحاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ولم نترك أي شخص".
بدأ ماتسي الذي يقود دراجة نارية من طراز "هارلي ديفيدسون" عندما يكون على البر حياته المهنية عام 1993 في قوات الطيران البحري، حيث كان يقود الطائرات العمودية (الهليكوبتر) ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في يوغسلافيا وعام 1994 في الصومال. كما شملت مسيرته المهنية المتميزة أيضاً قيادة فرقاطة، إلا أن الربان البالغ من العمر 50 عاماً يرى أن حماية اللاجئين من أهم العمليات التي كُلِّف بها.
يقول ماتسي: "يشعر الأشخاص الذين نقوم بإنقاذهم باليأس الكامل، كما يبدو الخوف والإجهاد على وجوههم، وخاصة وجوه الأطفال. إنهم على أتم الاستعداد للمخاطرة بحياتهم لمجرد الحصول على فرصة صغيرة للعيش بكرامة وقضاء لياليهم في سلام".
كما يجري العمل على إعادة الأشخاص الخائفين المحطمين نفسياً من القارب المتهالك ونقلهم إلى سفن البحرية الكبيرة التي تضم فريقاً يعمل بتنسيق ومهارة. وفي حين يعمل رادار السفينة على مسح البحر، تُوكل المهام الاستكشافية للطائرات العمودية.
وعلى الرغم من ذلك، تُرسل السفن الأكبر زوارق دورية صغيرة للبحث عن المهاجرين وإحضارهم إلى السفن. وفي بعض الحالات، يتصل الأشخاص الموجودون على متن القوارب بالبحرية الإيطالية عبر هاتف ساتلي، لطلب الغوث والنجدة. وعندما تتسلم القيادة الإيطالية إشارة النظام العالمي لتحديد المواقع GPS من شركة الهاتف، تُرسل إحدى عمليات الإنقاذ.
إنهم مشغولون على الدوام بالعمل، خاصة في الأيام التي يكون فيها الطقس جيداً. ففي صباح يوم الاثنين في تمام الساعة 11:50، غادر النقيب "إنيا نالدي" سطح السفينة "سان جستو" بطائرته عمودية من EH-101 للأحمال الثقيلة وحلق على ارتفاع 3,000 قدم، حيث تمكن عند هذا الارتفاع من مسح دائرة بقطر 80 ميلاً بالمنطقة. ثم حلق منخفضاً أسفل السحاب على ارتفاع 1,000 قدم ليتمكن من النظر عن كثب إلى أحد القوارب الصغيرة بين الأمواج المتلاطمة. حيث اتضح أنها مركب صيد ومن ثم ارتفعت الطائرة العمودية عالياً مرة أخرى.
قال النقيب نادلي: "عندما يكون البحر هادئاً وصافياً، نتمكن من تحديد أماكن قوارب مهربي البشر، ولكن عندما تعلو الأمواج، يصبح الأمر شاقا". ويتابع نادلي قائلاً إن العثور على القوارب الخشبية يكون أسهل في المياه، في حين يكاد يكون العثور على شخص ما على متن أحد القوارب أمراً مستحيلاً. بعد ساعتين، عادت الطائرة العمودية إلى السفينة.
في يوم آخر، حددت فرقاطة الإنقاذ "غريكال" موقع قارب خشبي صغير قبالة الساحل بعد أن اتصل أحد الأشخاص الموجودين على متنه بالصليب الأحمر الإيطالي. وأُطلق قارب شراعي صغير وزُود طاقمه بمعلومات عن اتجاهاته الجغرافية، حيث وجدوا 219 شخصاً على متن قارب صغير يجمع بين اللونين الأبيض والأزرق.
وشمل الركاب ست عائلات سورية إلى جانب ركاب إثيوبيين، وماليين، ونيباليين، ونيجيريين، وباكستانيين، وسودانيين. وقد تم نقلهم إلى السفينة "سان جوستو" وظلوا تحت رعاية الطبيبة تيزيانا مانيسكو البالغة من العمر 30 عاماً.
وكان من ضمن الركاب سيدتان حاملان ورجل يعاني مرضاً قلبياً. وخضع غالبيتهم للعلاج من دوار البحر. و كانت ملابسهم مبتلة والكثير منهم بلا أحذية. وهناك بعض الأشخاص ممن كان لديهم جروح لم يتم علاجها.
فحصتهم الطبيبة مانيسكو وأمدتهم بالعلاج حسبما تقتضي الحالة. كما كان هناك شعور قوي بالامتنان لعناية الطبيبة. وقد قررت إحدى النساء ممن تم إنقاذهن عندما أنجبت توءم من الذكور بعد عدة أشهر من إنقاذها بواسطة السفينة "سان جوستو" أن تطلق عليهما اسم "سانتينو" و"جستينو".
وعلى الصعيد الآخر، كان موسيو روكو البالغ من العمر 49 عاماً يعمل على تجهيز وجبات إيطالية بالطابق السفلي من السفينة لـ 219 شخصاً تم انتشالهم من البحر. وتحدث إلينا كبير طهاة السفينة قائلاً: "يسرنا هنا تقديم الطعام للناجين". يقدم فريق الطهي شرائح الطماطم مع الخبز والجبن وتُقدم الباستا والبيتزا لوجبة العشاء - ولا يُقدم لحم الخنزير لأن غالبية الناجين من المسلمين.
وتابع روكو قائلا: "نرغب في تقديم وجبات على متن السفينة تعطي للناجين انطباعاً كما لو كانوا في إيطاليا نفسها، حيث نعدها هنا بنفس الطريقة والمذاق، فضلاً عن أننا نسعد بخدمة الناجين وإعداد الطعام لهم".
بقلم غريغ بيلز على متن السفينة "سان جستو"، البحر الأبيض المتوسط