الكلمة الافتتاحية للمفوض السامي أمام الدورة الخامسة والسبعين للجنة التنفيذية
الكلمة الافتتاحية للمفوض السامي أمام الدورة الخامسة والسبعين للجنة التنفيذية
صباح الخير.
لقد شهد هذا العام طرفي نقيض.
وقد كان عام التناقضات.
عام الخسارة والحزن، بلا شك، حيث ما زلنا نشاهد الصراعات والعنف والانتهاكات التي تتسبب بنزوح الملايين. كل ذلك يغذيه الاعتقاد – لا بل الكذبة المريعة - بأن الطريق إلى السلام يمكن أن نجده من خلال الحروب.
ولكنه كان أيضاً عاماً شهد على الأقل بعض لحظات الأمل.
هذا الصيف، حظينا بفرصة التصفيق لأفضل ما في الروح البشرية، والذي تجسد في مشاركة الرياضيين اللاجئين في الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس.
والليلة، سنكرم الأخت روزيتا، الحائزة على جائزة نانسن العالمية لهذا العام، إلى جانب الفائزات الأربع بالجوائز الإقليمية، وهن ميمونة وجين وندى وديبتي. خمس نساء استثنائيات قررن ببساطة عدم الاستسلام. إنهن مصدر إلهام لنا جميعاً، وتذكير قوي بأن الإنسانية لم تضع حتى في خضم الآلام.
لذلك، ومن أجل افتتاح هذه الدورة للجنة التنفيذية، اسمحوا لي أن أشارككم بعض التأملات ونحن نستعرض الأشهر الاثني عشر الماضية، وبينما نحاول أن نفهم الحاضر وننظر إلى المستقبل الذي يبدو أكثر غموضاً من أي وقت مضى.
سيدتي الرئيسة،
المندوبون الكرام،
الزملاء والأصدقاء،
لا يوجد مكان آخر يتجلى فيه هذا الغموض والقلق بشكل ملموس أكثر من لبنان في الوقت الحالي. لقد عدت للتو من زيارة إلى هذا البلد، وإلى سوريا. وأريد أن أكون واضحاً، واسمحوا لي أن أؤكد أن الرسالة الطاغية التي تلقيتها من الأشخاص الذين التقيت بهم ــ العديد منهم من النازحين، وجميعهم متضررون من الحرب ــ هي أنهم يريدون السلام. وقف إطلاق النار في لبنان، ولكن أيضاً ــ كما هو ضروري بشدة في غزة ــ وقف إطلاق النار الذي تدعمه عملية سلام ذات مغزى، مهما كانت صعبة. هذه هي الطريقة الوحيدة لكسر حلقة العنف والكراهية والبؤس. وقف إطلاق النار الذي من شأنه أيضاً أن يسمح للنازحين بسبب هذا الصراع ــ في لبنان وشمال إسرائيل ــ بالعودة إلى ديارهم. وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يوقف المد نحو حرب إقليمية كبرى ذات عواقب عالمية.
لقد شاهدتم الصور وسمعتم الأرقام؛ مئات الآلاف من النازحين داخل لبنان، يسعون إلى النجاة من الغارات الجوية الإسرائيلية. ومرة أخرى، أصبح التمييز بين المدنيين والمقاتلين بلا معنى تقريباً. لقد قيل لنا إن الحروب أصبحت أكثر ذكاءً ــ وهو كذلك بالتأكيد من الناحية التكتيكية، وفي توفير المعدات العسكرية؛ ولكن ليس كذلك بالتأكيد من ناحية تجنب الخسائر المدنية العشوائية والتسبب في الدمار والنزوح. إن أنماط الصراع التي نشهدها أيضاً في أوكرانيا وغزة والسودان وميانمار، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي، قد انخفضت إلى أدنى حد ممكن، حيث تتعرض العيادات والمدارس إلى الدمار، إلى جانب آلاف الأرواح.
بما في ذلك في لبنان، حيث نتحدث عن حياة الزملاء من مفوضية اللاجئين.
أود مرة أخرى إحياء ذكرى زميلينا، علي ودينا (وكذلك ابنها جاد). كما نفكر في منظمات أخرى، وخاصة الأونروا ــ حيث قُتل 226 زميلاً على نحوٍ يبعث على الصدمة. لا يمكننا أن نقبل تجاهل حياة العاملين في المجال الإنساني باعتبارها مجرد أضرار جانبية، أو ما هو أسوأ من ذلك، تشويه سمعتهم باعتبارهم مذنبين أو متواطئين بطريقة أو بأخرى. إذا لم نستعد - في العام الذي نحتفل فيه بالذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف - الالتزام الجماعي بأن حماية المدنيين هي التزام قانوني، ونحافظ على المساءلات المرتبطة بها، فإن الحروب سوف تصبح أكثر فتكاً وتدميراً، مما يفاقم بشكل كبير النزوح القسري داخل الحدود وعبرها.
مع ذلك، وحتى في الوقت الذي يحزن فيه المجتمع الإنساني، مع تأثر العديد من زملائنا وأسرهم، فإننا نواصل جهود الاستجابة والبقاء لتقديم المساعدات. كما فعلنا ذلك دائماً، وكما أن هذا من مسؤوليتنا.
وهكذا، فلدينا وجود في لبنان، ونعمل مع السلطات والشركاء لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، والاستجابة لمحنة الجميع دون تمييز وعلى قدم المساواة. لأن الغارات الجوية لا تستثني أحداً. بالتأكيد ليس الشعب اللبناني فحسب، بل أيضاً اللاجئين السوريين، والذين استضافهم لبنان لسنوات، والذين وجدوا أنفسهم ينزحون مرة أخرى. يمكنكم أن تدركوا تعقيد الوضع، والمفارقة الواضحة.
إن حالة عدم اليقين تخيم على حياة المدنيين العاديين في لبنان اليوم. ومن المؤكد أنه إذا استمرت الغارات الجوية، فسوف ينزح المزيد والمزيد وسوف يقرر البعض أيضاً الانتقال إلى بلدان أخرى. وقد قرر العديد بالفعل عبور الحدود السورية وفتحت سوريا أبوابها لجميع الفارين من لبنان.
إن اللاجئين اللبنانيين والعائدين السوريين إلى سوريا يحتاجون إلى مساعدات إغاثية فورية ــ وإن نداء التمويل الذي أطلق في دمشق الأسبوع الماضي، مثل النداء الذي أطلق من أجل لبنان قبل بضعة أيام، بحاجة إلى مساهمات عاجلة. يتطلب الوضع منا أيضاً - حيث يمثل السوريون 70% من 270 ألف وافد جديد - أن نتحرك بشكل أكثر حزماً على المسارين اللذين ذكرتهما مراراً وتكراراً في الماضي.
أولاً، سوف نواصل العمل والدعوة مع الحكومة السورية لضمان سلامة وأمن كل الوافدين، بما في ذلك السوريين، وخاصة الآن بعد أن عاد العديد منهم. لقد ناقشت هذه المسألة في دمشق وأنا على ثقة من أن التزامات الحكومة المعلنة بالفعالية والشفافية والحقوق فيما يتعلق بالوافدين الجدد سوف يتم الوفاء بها كما يحدث حالياً على الحدود، وأن المفوضية سوف تستمر في القدرة على رصد عمليات العودة سواء عند المعابر الحدودية أو في الوجهات النهائية.
ثانياً، يحدث هذا التدفق في بلد هش للغاية وحيث احتياجات السكان فيه هائلة. آمل أن يساعد المانحون في دعم واستقرار العودة، واضعين في الحسبان بأن قرار مجلس الأمن رقم 2254 يتيح المجال لمساعدات كبيرة ليس في المجال الإنساني فحسب، بل أيضاً في مجال التعافي المبكر.
إن إحراز تقدم على هذين المسارين أمر عاجل بسبب حركة العودة الحالية المدفوعة بحالات الطوارئ؛ ولكنه يمكن أن يوفر أيضاً عناصر مفيدة للمناقشات الجارية بشأن الحلول المستدامة للاجئين السوريين.
سيدتي الرئيسة،
على خلفية الأزمة في الشرق الأوسط، قد يكون من السهل - وربما من المغري - أن نشكك بالتعددية. أن نتحول إلى الداخل. لكن التشكيك والعزلة ليست من الكماليات التي يستطيع اللاجئون تحملها.
هناك 123 مليون شخص بين لاجئ ونازح اليوم. إن محنتهم تتطلب حلولاً، والطريقة الوحيدة لتحقيق الحلول هي العمل معاً.
قبل بضعة أشهر فقط، في المنتدى العالمي الثاني للاجئين، رأينا بأم أعيننا كيف يمكن للرؤية الصحيحة - للتضامن والوحدة - أن تحقق روحاً جديدة من التعاون. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى، بعد مرور عشرة أشهر، أن نتذكر الالتزام بالشمول وتقاسم المسؤولية الذي جلبتموه أنتم والكثيرون غيركم إلى المنتدى، والذي أسفر عن أكثر من 2,000 تعهد، في جميع القطاعات وجميع المناطق.
بقيادة مساعدة المفوض السامي لشؤون الحماية، روفين مينيكديويلا، تتابع المفوضية تنفيذ التعهدات، والتي كان للعديد منها بالفعل تأثير حقيقي وملموس على اللاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم. هناك أمثلة لا حصر لها. هذه هي قوة التعددية عندما يتم تنفيذها بالشكل الصحيح.
بالنظر إلى المستقبل حتى ديسمبر 2025، واجتماع المسؤولين رفيعي المستوى الذي سيكون بمثابة معلم مؤسسي قادم بموجب الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، دعونا نحافظ على هذه الروح. سوف نكون بحاجة إلى الاستفادة من دروس المنتدى العالمي للاجئين - التضامن والمثابرة والرغبة في الحلول - بينما نستمر في الاستجابة للوتيرة المتواصلة لحالات الطوارئ الإنسانية.
كما هو الحال في أوكرانيا، حيث من الواجب مساعدة المدنيين على الاستعداد لفصل شتاء من المرجح أن يكون أكثر صعوبة من الشتاءين السابقين - مع تعرض الكثير من البنية التحتية الخاصة بالطاقة للدمار بسبب الضربات الروسية. أو في ميانمار، حيث ارتفع عدد النازحين بأكثر من مليوني شخص في العام الماضي نتيجة للصراعات المتعددة والعنيفة في جميع أنحاء البلاد.
أو في السودان، وهي أزمة لا تحظى باهتمام إعلامي كبير ولا تحظى بدعم مالي كافٍ، ولكننا نرى اليوم العواقب المأساوية للتقاعس الجماعي الذي حذرنا منه منذ بداية الحرب، قبل 18 شهراً. ولا يزال من الممكن أن يزداد الأمر سوءاً.
لقد زرت السودان مرتين هذا العام، والوضع في البلاد يفوق الوصف. المجاعة والأمراض والفيضانات والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان أدت إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص - وهو ما يقرب من ضعف عددهم قبل عام. أصبح مليونا شخص سوداني في عداد اللاجئين، تستضيف معظمهم مصر وتشاد وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان. بلدان هشة تتصارع مع أزماتها الخاصة بها وتأثيرات تغير المناخ. ومع ذلك فقد استمرت في استقبال اللاجئين. في الأسبوع الماضي فقط، وصل 25 ألف سوداني آخر إلى تشاد هرباً من الفظائع الأخيرة.
أرجو أن تفكروا معي: 25 ألف شخص، يضافون إلى 1.2 مليون لاجئ من الموجودين الآن في البلاد، وهي واحدة من أفقر دول العالم. وفي وقت تختار فيه العديد من البلدان في أماكن أخرى إغلاق حدودها، أو استخدام اللاجئين كبيادق سياسية، لا يمكننا أن نعتبر كرم البلدان المضيفة أمراً مسلماً به. يتعين علينا أن نزيد بشكل كبير من الدعم المقدم لهم ــ خطة الاستجابة للاجئين في السودان ممولة بنسبة 27% فقط ــ وللعديد من البلدان الأخرى التي تواصل إبقاء أبوابها ومجتمعاتها مفتوحة، وبموارد قليلة في أغلب الأحيان.
وفي السودان والمنطقة أيضاً، فإننا نفعل ما بوسعنا. ولكننا نشعر بالعجز. في نيويورك، في الجمعية العامة، شاركت في العديد من المناقشات حول الأزمة السودانية ولم أسمع شيئاً ــ لا شيء ــ من شأنه أن يجعلنا نأمل في أن يأتي الرجال المسلحون الذين يدمرون بلادهم إلى طاولة المفاوضات. يا له من دليل قاتم على حالة القيادة في عالم اليوم!
ولكنني سمعت أيضاً أن المساعدات الإنسانية، التي تشتد الحاجة إليها على الأقل للتخفيف من عواقب القيادة المتواضعة، أصبحت نادرة.
لا سلام، وموارد قليلة. حسناً، سيدتي الرئيسة، في هذه المعادلة المميتة، لا بد من حدوث شيء ما، وإلا فلا ينبغي لأحد أن يفاجأ إذا استمر النزوح في النمو، ليس من حيث الأعداد فحسب، بل أيضاً من حيث الانتشار الجغرافي. لأن الواقع هو أنه في غياب الشعور بالأمان والاستقرار، سيواصل اللاجئون رحلتهم، وهو الأمر الذي يثير قلق العديد من الدول. لقد شهدنا بالفعل زيادة في عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا وأوغندا. ويعبر اللاجئون السودانيون البحر الأبيض المتوسط، بل ويعبر بعضهم أيضاً بحر المانش.
سيدتي الرئيسة،
نظراً لعدد حالات الطوارئ، وعدم وجود السلام، والآفاق البعيدة لتحقيق حلول طويلة الأجل، فإن حقيقة أن معظم حالات النزوح باتت طويلة الأجل لا ينبغي أن تكون مفاجئة أيضاً.
يتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهود لدعم المضيفين على المدى الطويل. لقد ذهبت إلى باكستان في يوليو ــ كمثال مهم ــ لتسليط الضوء على الوضع في البلاد، وتعبئة الموارد لدعم جهود الحكومة للحفاظ على حسن ضيافتها التقليدية السخية على الرغم من المخاوف الأمنية وغيرها. ورحبت بتوقف خطة إعادة الأجانب غير الشرعيين ــ ونواصل في الواقع مناشدة جميع الدول التي تستضيف الأفغان بعدم دفع أي شخص ضد إرادته. وسوف نواصل العمل مع باكستان وإيران ــ وكلاهما من المضيفين السخيَّين للاجئين الأفغان لعقود من الزمان ــ للحفاظ على مساحة الحماية المتاحة وإيجاد السبل لتعبئة الدعم الإضافي لكل من اللاجئين ومضيفيهم.
اسمحوا لي أن أكرر حجة مهمة طرحتها من قبل، وهي أن التصعيد المستمر للأزمات يعني أيضاً أن المفوضية لابد أن تعمل في أماكن صعبة وأن تجد السبل للوصول إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً. في أفغانستان، التي ذكرتها للتو، ولكن أيضاً في العديد من البلدان الأخرى، حيث يفرض العمل في بيئات مسيسة للغاية وغير آمنة في كثير من الأحيان تحديات معقدة جداً.
القضية الأولى تتعلق بمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة - الرسمية وغير الرسمية - والتي تمارس السيطرة على الأراضي: في بعض الأحيان سلطات الأمر الواقع، أو الحكومات الخاضعة للعقوبات أو الضغوط الدولية الأخرى. والقضية الثانية تتعلق بإمكانية الوصول، كما هو الحال في السودان أو ميانمار: فالعمليات عبر الخطوط أو الحدود حساسة جداً، وذلك نظراً لأن الظروف على الأرض تتغير بسرعة وبشكل لا يمكن التنبؤ به. وتتعلق القضية الثالثة بمتطلبات الرقابة المتزايدة الصرامة التي تطالب بها بعض الحكومات المانحة.
إنني أدرك تمام الإدراك الحقائق الجيوسياسية التي يتعين على المفوضية التعامل معها. وأنا أقبل التدقيق الذي يصاحب العمل في تلك البيئات. واسمحوا لي أن أضيف أن المفوضية ممتنة للدعم الذي تتلقاه، وملتزمة تماماً بالشفافية في كل ما نقوم به.
ولكن يمكنني أن أصر على حقيقة أن وجودنا في تلك البيئات الصعبة ليس ضرورياً فحسب، بل لابد من تعزيزه أيضاً ــ في سياق انعدام السلام وضعف الموارد الذي سبق أن وصفته. إن الطبيعة غير السياسية لعملنا هي التي تجعلنا قادرين على أن نكون فعالين. ويتعين علينا أن نحتفظ بالمرونة اللازمة للتكيف مع الحقائق المتغيرة على الأرض، بحيث نتمكن من الوفاء بولايتنا المتمثلة في الحماية وإيجاد الحلول.
سيدتي الرئيسة،
لم يتزايد حجم حالات الطوارئ المتعلقة بالنزوح بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية فحسب ــ حيث شهدنا في المتوسط 40 حالة طوارئ كل عام خلال السنوات الثلاث الماضية ــ بل وأصبحت تدفقات النزوح أكثر تعقيداً.
ويبقى الصراع والعنف والاضطهاد من المحركات الرئيسية. وأصبحت الآثار المترتبة على تغير المناخ ــ الفيضانات والجفاف وفشل المحاصيل والظواهر الجوية العنيفة ــ بمثابة عوامل مضاعفة للنزوح. وإذا أضفنا إلى ذلك الافتقار إلى الفرص الاقتصادية، فإن الأسباب التي تدفع الناس إلى التنقل، غالباً من نفس المناطق أو بلدان الأصل، تصبح من الصعب فصلها. وفي هذه السياقات فإننا نتحدث عن التدفقات المختلطة: من اللاجئين والمهاجرين الذين يتحركون جنباً إلى جنب على نفس الطرق. وهي طرق ــ بالمناسبة ــ لا تؤدي جميعها إلى أوروبا، أو الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وتوجد تدفقات مختلطة إلى جنوب القارة الإفريقية، وإلى الخليج، وإلى جنوب شرق آسيا. وتنشأ عن هذه التحركات تحديات لكل من البلدان الواقعة على طول هذه الطرق، وكذلك للاجئين والمهاجرين أنفسهم الذين يواجهون مخاطر كبيرة تمس الحماية أثناء تنقلهم.
قد تتساءلون إذن: ما الذي يمكن عمله؟
بداية، لا تركزوا فقط على حدودكم. فبحلول الوقت الذي يصل فيه اللاجئون والمهاجرون إلى تلك الحدود، تكون الحكومات تحت ضغط سياسي لاتخاذ قرارات كرد فعل، حيث تركز الحكومات على القيود، وعلى منع الناس من التحرك، وعلى خطط الاستعانة بمصادر خارجية أو تصدير أو حتى تعليق اللجوء، وهو ما ينتهك التزاماتها القانونية الدولية. وبصراحة، فإن هذه الخطط غير فعالة.
بدلاً من ذلك، انظروا إلى المنبع.
انظروا إلى الأسباب الجذرية في بلدان الأصل.
انظروا إلى الفرص المتاحة في بلدان العبور للحصول على الحماية، بما في ذلك برامج الإقامة وتسوية الأوضاع القانونية، والتي يجب توسيعها بشكل كبير بدعم من الشركاء في مجال التنمية. يجب توفير المزيد من المسارات القانونية - إعادة التوطين أو لم شمل الأسرة بين العديد من المسارات الأخرى - بحيث يشرع عدد أقل من الناس في رحلات خطيرة. إن "مكاتب التنقل الآمن" في الأمريكتين هي مثال على مراكز متعددة الأغراض، حيث تعمل المفوضية والمنظمة الدولية للهجرة معاً لتعزيز هذه المسارات - المسارات التي تكمل جهود الإدماج وتنظيم الأوضاع غير العادية التي تبذلها العديد من البلدان في المنطقة، مثل كولومبيا والإكوادور والبرازيل وكوستاريكا والمكسيك، على سبيل المثال لا الحصر.
وعندما يصل اللاجئون والمهاجرون إلى حدودكم، سندعمكم في إعداد استجابات قانونية تلبي تحديات التحركات المختلطة. ويشمل ذلك إجراءات اللجوء العادلة والسريعة التي يمكنها تحديد المحتاجين إلى الحماية الدولية بسرعة، ولكنها توفر أيضاً عودة الأشخاص إلى بلدانهم - بأمان وبكرامة - عندما يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الحماية.
يمكن أيضاً تنفيذ هذه المسؤولية المشتركة بشكل فعال من خلال آليات التعاون الإقليمي - بشرط أن تحترم تماماً الحق في طلب اللجوء على الأرض. ويمكن أيضاً النظر في خطط الإنزال الإقليمية والتي يمكنها أن تجد الكفاءات من خلال تجميع الموارد - للبحث والإنقاذ، والمعالجة، وبشكل أكثر أهمية لاستقبال أو عودة الأشخاص بعد دراسة طلباتهم بشكل عادل.
إن المفوضية على استعداد لتقديم المشورة المتخصصة والقيام بدور رقابي لضمان قانونية هذه الترتيبات وقابليتها للتطبيق.
سيدتي الرئيسة،
من المشجع أن نرى التحول المفاهيمي نحو إدراج النُهج "القائمة على الطرق" في مختلف الصكوك الإقليمية، من إعلان لوس أنجلوس بشأن الهجرة والحماية إلى ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن اللجوء والهجرة. بطبيعة الحال، فإن المقياس الحقيقي لفعاليتها سوف يكمن في كيفية تنفيذها.
وبصرف النظر عن النموذج المستخدم في التنفيذ العملياتي للاستجابات القائمة على الطرق، ستستدعي الحاجة دعماً واستثماراتٍ كبيرة لبناء قدرات البلدان المضيفة ودول العبور، ولضمان الامتثال للالتزامات القانونية الدولية.
إنها نقطة تستحق التكرار. أجل، إنّ وجود حاجةٍ إلى حلول مبتكرة – حلول مبدئية وعملية – أمرٌ واضح، ونحن شركاؤكم في هذا المسعى. وبذلك، سنواصل ممارسة ولايتنا، ويمكن للجميع الاعتماد علينا للدفاع بقوة عن مؤسسة اللجوء.
سيدتي الرئيسة،
وبينما نعمل على تعزيز استجاباتنا لأزمات اللاجئين، ليس باستطاعتنا إغفال الأوضاع القائمة في بلدان الأصل، بل يتوجب علينا السعي إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزوح، والعمل على إيجاد الحلول.
يشمل ذلك النازحين داخلياً، الذين تضاعف عددهم في العقد الماضي، وسيصبح الكثيرون منهم في عداد الاجئين، إن لم يتلقوا الدعم أولاً داخل بلدانهم. وفي السنوات القليلة الماضية، تجدد الاهتمام بهذه القضية ــ وهو ما نرحب به ــ بما في ذلك ما جاء في خطة عمل الأمين العام للأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي، والتي يقودها بكل براعةٍ المستشار الخاص روبرت بايبر.
بالتأكيد.. سيشارك روبرت استنتاجات عمله معكم. وهنا، يكفي أن نقول أننا نعتزم مواصلة العمل معه ومع فريقه على تطوير استجابة متماسكة على مستوى منظومة الأمم المتحدة لإيجاد حلول للنزوح الداخلي. وسوف تدعم المفوضية بقوة النُهج والآليات التي سيضعها الأمين العام في الأسابيع القليلة المقبلة سعياً لتحقيق هدف خطة العمل بمجرد انتهاء دور المستشار الخاص.
وتبقى الحلول على قدرٍ متكافئٍ من الأهمية والصعوبة في سياقات اللاجئين.
يعيش نحو 70% من اللاجئين بضيافة بلدانٍ مجاورة لدولهم. ويريد أغلب اللاجئين العودة إلى بلدانهم ــ طوعاً وبصورةٍ تحفظ الكرامة عندما تسمح الظروف بذلك. ولكن، علينا ألا ننسى بأنّ العنصر الأساسي في قرار العودة هو تقييم اللاجئين لتلك الظروف. وسوف تقوم المفوضية دوماً بإعلامهم، ومشاركتهم بوجهات نظرها، لكن القرار يبقى في أيديهم؛ وهذا هو جوهر الطابع الطوعي للعودة.
لا يعني ذلك بأن الوضع في بلدان الأصل سيكون دائماً مناسباً للعودة واسعة النطاق، ولكنه يسلط الضوء على الحاجة إلى المرونة والدعم، عندما يقرر اللاجئون العودة ــ طوعاً؛ وأشدد مجدداً على ذلك، وفي بعض الأحيان مرغمين على ذلك، للأسف ــ في ظروف غير مثالية. وهذا أحد الدروس المستقاة من الأوضاع في بوروندي، أو من جنوب السودان، أو حتى من سوريا. فلندعم تلك المجتمعات التي يعود السكان إليها، كي يتمكن العائدون من مد جذورهم فيها من جديد، ولكي نتمكن من كسر حلقة النزوح.
أخيراً، تشكل إعادة التوطين والمسارات التكميلية الأخرى جزءاً مهماً آخر من لغز الحلول. ويسعدني أن أقول إننا نهدف إلى تقديم طلبات إعادة التوطين لنحو 200,000 لاجئ هذا العام – وهو رقم قياسي – وأود أن أشكر دول إعادة التوطين (الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وأيضاً أستراليا وكندا وألمانيا وغيرها) على تضامنها، ومساعدتنا في تحقيق أهداف الميثاق العالمي بشأن اللاجئين.
سيدتي الرئيسة،
يجب التعاطي معنا بمرونة أيضاً عندما يتعلق الأمر بالتمويل. وكما تعلمون، كانت توقعاتنا المالية – وخاصةً في وقت سابق من العام – قاتمةً بشكل خاص، وأدت إلى مجموعةٍ من التدابير الاحترازية. فقد تم تجميد الإنفاق في جميع أنشطتنا، وعلى الرغم من كونها جزءاً من إجراءات إعادة الهيكلة الأوسع نطاقاً، فقد تم اقتطاع 1,000 وظيفة - أي 6 بالمائة من مجمل الوظائف في المفوضية.
جاءت هذه التدابير لتضاف إلى جهودنا المعتادة لتحديد أولويات أنشطتنا. ونحن نعمل الآن ايضاً على تعزيز مختلف مناحي الإصلاح التي بدأناها قبل عدة سنوات – بما فيها اللامركزية، وتحديث الأنظمة، والشراكات مع الجهات الفاعلة التنموية وسواها – والتي من شأنها أن تجعلنا أكثر كفاءة. ومن شأن هذه الإصلاحات أن تمكننا من تحقيق رؤية الميثاق العالمي بشأن اللاجئين. وأود هنا الإشادة بنائبة المفوض السامي كيلي كليمنتس لدورها في توجيه المفوضية خلال هذه المرحلة من تحديث طريقة عملنا، وللنهج التعاوني الذي جرى به تنفيذ الجهود المبذولة في هذا الإطار، وخاصةً في السياق الأوسع لمبادرات إصلاح نظام الأمم المتحدة.
لحسن الحظ، فقد تحسن وضعنا التمويلي لهذا العام بطريقةٍ ما، رغم أنه ما زال أدنى بكثير من الاحتياجات، ويرجع الفضل الأكبر في ذلك مجدداً إلى دعم الولايات المتحدة، التي تواصل عاماً تلو الآخر توفير القدر الأكبر من ميزانية المفوضية. شكراً جزيلاً. واسمحوا لي أيضاً أن أذكر الجهات المانحة الأربعة الكبرى الأخرى - ألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد والدنمارك - فضلاً عن تلك التي زادت مساهماتها بشكل كبير، مثل جمهورية كوريا.
لكن ميزانيتنا التي تبلغ 10.8 مليار دولار أمريكي، ما زالت ممولة بنسبة 45 بالمائة فقط. وتخيم حالة من عدم اليقين التمويلي نفسها على ميزانيتنا لعام 2025، ومن المحتمل أن يستمر الوضع لسنوات إضافية. ويأتي هذا التقلب مترافقاً مع تخصيص التمويل. حتى الآن هذا العام، شكل التمويل المرن بالكامل نسبة 14 بالمائة فقط من إجمالي تمويلنا، وذلك بفضل الداعمين المعتادين: السويد والنرويج والدنمرك وهولندا وبالطبع العديد من الجهات المانحة الخاصة، وبدعم من الشركاء المحليين في مجال جمع التبرعات مثل "إسبانيا لأجل مفوضية اللاجئين". تصعب هذه النسبة المنخفضة الاستجابة بالمرونة المطلوبة، وخاصة أننا نعتمد إلى حد كبير على عددٍ قليل من المانحين، دون وجود أي ضمانات ببقاء مستويات التمويل الحالية على حالها. ولا يمكننا أن نستمر في العمل على هذا النحو... ولا يمكنكم أنتم أيضاً... فهذا النهج غير مستدام.
سيدتي الرئيسة،
اسمحي لي بالتوسع في الحديث عن الاستدامة، وخاصةً في السياق العام الذي وصفته للتو؛ وهو السياق الذي تزايدت فيه حالات الطوارئ بشكل كبير، حيث استمرت الأزمات المطولة لسنواتٍ غابت فيها الحلول؛ وحيث أصبح التمويل الإنساني غير مرنٍ وغير قابلٍ للتنبؤ ولم يواكب الاحتياجات، وبصراحةٍ، من غير المرجح له أن يواكبها.
ينشأ عن ذلك مشاكل تطال الجميع؛ أولاً وقبل كل شيء، النازحين والمجتمعات المضيفة، الذين بالكاد تجري تلبية احتياجاتهم، ويعيشون في حالة من عدم اليقين المستمر. وبطبيعة الحال، يؤثر ذلك بالتبعية على البلدان المضيفة، التي لا تستطيع من عام إلى آخر التخطيط والاستجابة بشكل مناسب لأن مستويات التمويل غير واضحة.
يضع هذا النهج قدرات الشركاء المانحين تحت الضغط. ونتيجة لذلك، يتعين علينا اتخاذ قرارات صعبة، غالباً في اللحظة الأخيرة، للاستمرار في تنفيذ الأنشطة أو تعليقها، أو تجديد اتفاقيات الشراكة أو عدم تجديدها.
كما يعرّض هذا النهج الشركاء المانحين للضغوطات، نظراً لكثرة الأزمات الإنسانية التي تتنافس على الأموال مع أولويات الموازنات المحلية والدولية الأخرى.
الاستدامة ليست مفهوما جديداً، بل كانت لها مكانة محورية في الصفقة الكبرى، وإعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين، وبالطبع في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، الذي صادق عليه الجميع قبل ست سنوات.. وأعادوا التأكيد عليه لاحقاً في تعهداتهم خلال منتديين عالميين بشأن اللاجئين.
السؤال الرئيسي إذن هو: كيف يمكننا تنفيذ كل هذه الالتزامات؟
ولنكن واضحين: ليس علينا الابتعاد عن المساعدات الإنسانية، بل يتعين علينا أن نعالج اعتمادنا المفرط عليها، نظراً لكونها مصممة للاستجابات الإنسانية قصيرة الأجل، ولأنها تستنفد بسرعة، ولا تهدف إلى دعم الأنشطة الطويلة الأمد أو المتكررة، ولأنها لا تؤدي إلى الاتكالية فحسب، بل إنها لا تساهم إلا قليلا في تنمية القدرات الوطنية، وقد تؤدي حتى إلى تقويضها وإضعافها. لنتأمل المدارس الممولة من الميزانيات الإنسانية التي كانت لسنوات عديدة متاحة للاجئين فقط، أو برامج التدريب المهني التي تستبعد أعضاء المجتمع المحلي، تقدم مثل هذه الأنظمة الموازية فرصاً محدودة، فضلاً عن كونها غير مستدامة مالياً، وتتسبب بتوتراتٍ داخل المجتمعات من خلال تحريض النازحين ومضيفيهم ضد بعضهم البعض. ويحدث الشيء نفسه عندما يتم حرمان النازحين من الخدمات والفرص المحلية؛ إنها وصفة لعدم الاستقرار، وخاصةً في سياقٍ يمثل فيه الشباب دون الـ25 من العمر أكثر من نصف اللاجئين. وقد تحدث البروفيسور محمد يونس، كبير مستشاري الحكومة الجديدة في بنغلاديش، ببلاغةٍ عن محنة مئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الشباب - وهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية المتناقصة، بعيدين عن الفرص، بينما هم متصلون بالعالم، حيث تتربص بهم العديد من القوى السلبية المستعدة لاستغلال يأسهم.
إن الإقصاء ليس سيئاً فحسب، بل إنه يشكل خطراً أيضاً. إنّ إدماج اللاجئين والنازحين في مجتمعاتهم المضيفة، حسب الاقتضاء وبما تسمح به الظروف، هو الخيار الأكثر استدامةً.
اسمحوا لي بالحديث عن الإدماج لوهلة. أنا أعلم أنّ العديد من البلدان المضيفة لديها مخاوف مبررة من أن الشمول والإدماج قد يؤديان إلى نفس النتيجة – عندما يكون الإدماج الدائم مستحيلا ببساطة في بعض السياقات.
لكن الشمول ليس إدماجاّ، بل إنه يدوم ما دامت مدة النزوح، من أجل الاعتماد على الذات، إلى الحد الممكن. إنه لا يغير من الالتزام – الذي تعهدنا به جميعاً – بإيجاد حلول دائمة، وللعمل من أجل العودة بأمان وكرامة، ونحو إعادة التوطين أو مساراتٍ أخرى، كما هو مبينٌ بوضوح في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين.
بالفعل، فإن العديد منكم يشمل اللاجئين، وفي العديد من السياقات المختلفة، في أوغندا وكولومبيا وموريتانيا والبرازيل وإيران والمكسيك – والقائمة تطول. إنّ ما توصلت إليه كل هذه البلدان ــ كما توصلت إليه كينيا في التحضير لإطلاق خطة "شيريكا" ــ هو أن الاعتماد على الذات، وإدراج اللاجئين في الهياكل والأنظمة الوطنية هو أكثر كفاءة واستدامة من تركهم في حالةٍ من الاعتماد التام على المساعدات الإنسانية.
لدى البلدان المضيفة مخاوف أخرى أيضاً ــ وهي تتمثل بأنها قد تترك وحدها، مع تراجع المساعدات الإنسانية وبطء وصول المساعدات الإنمائية للاجئين والمضيفين، لإن وصلت أصلاً. يمكن تفهم هذا القلق تماماً، ونحن نعمل مع الجهات الفاعلة في مجال التنمية لمعالجته في سياقات اللاجئين. لأن استدامة الدعم للاجئين ومضيفيهم لن تحدث ببساطةٍ دون مساعدة دولية، ولأن هذا النموذج لا يتعلق بتحويل العبء إلى البلدان المضيفة، بل يتعلق بتعزيز ــ بما في ذلك من خلال الدعم المالي ــ إمكانات البلدان والمجتمعات المضيفة وقدرتها على الصمود، حتى تتمكن من شمل اللاجئين بنجاح وبشكل مستدام في أنظمة الاستجابة الوطنية الخاصة بها طالما بقي اللاجئون هناك.
لهذا النهج العديد من المزايا الجلية؛ فهو يفيد المجتمعات المضيفة بشكل أكثر وضوحاً ومباشرة، كما أنه يستفيد من رأس المال البشري للاجئين، والذين يصبحون بدورهم أكثر التزاماً بالمجتمعات المضيفة التي يعيشون فيها، لأنهم يصبحون مساهمين فيها، وهو يسمح أيضاً للدول المضيفة بجذب تمويل إضافي للتنمية – بما في ذلك في المناطق النائية حيث يوجد اللاجئون في كثير من الأحيان – فضلاً عن كونه مفيداً للمفوضية – لأنه يسمح لنا بالتركيز على الحماية والحلول - وللجهات المانحة – لأن هذا النهج يمكن أن يخفف بعض الضغوط التي يتعرض لها التمويل الإنساني.
يعمل المتخصصون الصحيون السودانيون اليوم في العيادات والمستشفيات في جوبا، وفي البلدان الأوروبية، يتمتع اللاجئون الأوكرانيون بالقدرة على الوصول إلى سوق العمل. يساهم شمل اللاجئين في النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، والأدبيات حول هذا الموضوع واضحة وواسعة النطاق ومتنامية. الشمول ليس مجرد نهج للحاضر فحسب، بل هو أيضاً استثمار في المستقبل. والأمر المهم هو أن اللاجئين سيكونون أكثر استعداداً لعودتهم في نهاية المطاف إلى بلدانهم الأصلية.
نحن في المفوضية نتطلع إلى العمل مع الدول المهتمة للمضي قدماً على مسار الاستدامة. قد لا تكون كل الأوضاع مؤاتية لذلك، ومن الواضح أنه من الخطأ تطبيق نهج "مقاس واحد يناسب الجميع" على سياقات مختلفة للغاية، ولكن، حيثما كانت وجدت الإمكانية والرغبة، فنحن على استعداد للمشاركة.
من جهتنا، سوف نعمل على تعزيز الشراكات مع الحكومات المضيفة ومنظمات التنمية والمؤسسات المالية والبنوك متعددة الأطراف. وفي العديد من الأماكن، من أوغندا إلى كولومبيا، يتقدم التعاون بشكل جيد ويحدث تأثيراً. وسنضاعف أيضاً الجهود الرامية إلى حشد اهتمام وموارد القطاع الخاص، وإطلاق العنان للإمكانات ــ في الاستثمارات والقيمة السوقية ورأس المال البشري ــ للمجتمعات النازحة والمضيفة.
نحن ــ شأننا شأن المنظمات الإنسانية الأخرى ــ نعمل لتحقيق ذلك لعدة سنوات، ولكن يتعين علينا أن نسرّع ونوسّع ونعمل مع المزيد من الشركاء. نعلم – من خلال المشاورات الإقليمية والاجتماعات الثنائية – بأنّ العديد من المخاوف ما زالت قائمة، وخاصةً فيما يتصل بالتنفيذ ــ بما في ذلك الكيفية التي قد يتناسب بها هذا النهج الجديد مع الأطر الأخرى القائمة على مستوى البلدان. وهناك أيضاً أسئلة حول التمويل؛ حول الكيفية التي قد يعمل بها التحول إلى نموذج المساعدات المستدام بشكل مختلف في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، على سبيل المثال.
نحن نصغي إليكم، وسنواصل الحوار بطريقة منفتحة وتشاورية، كما فعلنا دائماً، حتى نتمكن تدريجياً من الإجابة على هذه الأسئلة المهمة. وقد طلبت من رؤوف مازو، مساعد المفوض السامي لشؤون العمليات، تنسيق المناقشة من جانبنا. وسوف نحتاج أيضاً إلى تعميق تفكيرنا في كيفية إعدادنا للبرامج والميزانيات، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي علينا أن ننتقل إلى اعتماد ميزانيات متعددة السنوات لدعم التخطيط الاستراتيجي لأعوامٍ عدة ــ وهو أمر بالغ الأهمية لدعم الاعتماد المستمر على الذات، كما هي الممارسة المتبعة في العديد من عمليات المفوضية.
ولكن لن يحدث تقدم في أي من هذا ــ ناهيك عن اتخاذ القرار بشأنه ــ دون التشاور معكم، مع الاحترام الكامل لهيكليتنا وآلياتنا الإدارية: الاحترام الذي أثق في أنه سيكون متبادلاً. وأود أن أقول بأن البلدان المضيفة ينبغي لها أن توفر القيادة الشاملة لهذه المشاورات، حتى تبقى مخاوفها واحتياجاتها في المقدمة وفي مركز الاهتمام بينما نمضي نحو الأمام.
سيدتي الرئيسة،
قبل أن أختتم كلمتي، أود الإعراب عن مدى سعادتي لأن قضية انعدام الجنسية تحظى باهتمام خاص في اجتماع اللجنة التنفيذية لهذا العام.
في عام 2014، أطلقنا حملة #أنا_أنتمي، بهدف القضاء على انعدام الجنسية في غضون عقد من الزمان. كان ذلك هدفاً طموحاً للغاية، ولكنه كان متعمداً أيضاً، لأنه على الرغم من أننا لم نستأصل انعدام الجنسية، فقد بيّن التقدم الذي أحرزناه خلال العقد الماضي بأننا على المسار الصحيح.
لقد اكتسب أكثر من نصف مليون شخص الجنسية منذ إطلاق حملة #أنا_أنتمي. نصف مليون شخص أصبحوا أعضاءً مرئيين في المجتمع. اكتسبوا الحق في القيام بأشياء نعتبرها أمراً مسلماً به كل يوم: كفتح حساب مصرفي، والتسجيل في المدرسة.
وفي السياقات التي تكون فها الحلول بعيدة المنال، من المهم أن نتوقف للحظة للاحتفاء بهذه الإنجازات، التي تؤثر بشكلٍ عميق على حياة من أصبح بإمكانهم أخيراً المطالبة بجنسيتهم - هويتهم الحقيقية - والإعلان، دون خوف ودون شك، عن وجودهم.
أود أن أهنئكم جميعاً على جهودكم والتزامكم، ولكنني أود أن أشيد بقرغيزستان على وجه الخصوص، لأنها أصبحت أول دولة تجد حلاً لجميع حالات انعدام الجنسية المعروفة، وقد انضمت إليها تركمانستان في الأسابيع القليلة الماضية في هذا الإنجاز الاستثنائي. بالفعل، كل الثناء للبلدين، وكل الثناء للجهات المعنية كافةً: الهيئات الإقليمية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات التي يقودها عديمو الجنسية ــ وبعضها ممثل هنا اليوم ــ ولزملائي، وبالطبع لعديمي الجنسية أنفسهم، شكراً على مساهماتكم، وعلى الطريقة التعاونية التي تم بها تحقيق التقدم.
بالطبع، وكما سنسمع أيضاً، ما زال هناك فجواتٌ قائمة ــ في الأطر القانونية، والبيانات، والحلول المتاحة. إنّ عملنا لم ينته بعد: وسنتحدث عمّا سيأتي بعد بضع لحظات.
سيدتي الرئيسة،
المندوبون الكرام،
الزملاء والأصدقاء،
في الختام، وبينما نتطلع إلى العام المقبل، دعونا نستمع إلى هذه الكلمات: إن عملنا لم ينته بعد. والعام المقبل ــ العام الذي تحتفل فيه المفوضية بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها ــ سوف يكون بلا شك عاماَ آخر مليئاً بالتحديات. وأرجو منكم جميعاً أن نواصل العمل ــ معاً وبتواضع ــ لاغتنام كل فرصة لإيجاد حلول للاجئين. والبناء على وعد قمة المستقبل.
وبينما نقوم بذلك، فلنتمسك بالأمل؛ الأمل في أن يحل السلام أخيراً في كل تلك البلدان التي يبدو فيها السلام بعيداً جداً ومستحيلاً.
لأن الحرب، وأقتبس ما قاله البابا فرانسيس أمس: "هزيمة للجميع، وخاصة لأولئك الذين يعتقدون أنهم لا يقهرون".
فلنذكر أنفسنا ــ الحروب أيضاً سوف تنتهي.