"أنا متأكدة من أن الأمور ستتحسن"
"أنا متأكدة من أن الأمور ستتحسن"
الصور والنص: جايلز ديولي في بيديبدي، أوغندا
لا تستطيع سالومي أيوكورو تذكر كم عدد اللاجئين الذين قابلتهم.
ولكن بعد ما يقرب من 20 عاماً من العمل مع المفوضية، فإنها تقدر العدد بالآلاف. ومع ذلك، في كل مرة تجلس فيها في مكتبها الصغير المتنقل الواقع في مركز للعبور بين الحدود الأوغندية ومخيم بيديبيدي للاجئين، فإنها تولي اهتماماً كاملاً للشخص الذي يجلس مقابلها.
هذه المرة هناك ثلاثة أشقاء صغار من جنوب السودان. قالوا لسالومي بأنه عندما مات والدهم، تزوجت والدتهم رجلاً من قبيلة مختلفة ورفض تقبلهم. بدأت والدتهم في ضربهم والصراخ عليهم على أمل أن يغادروا. وعندما لم تنجح في ذلك، طلبت منهم الذهاب إلى مخيم للاجئين في أوغندا حيث تعيش عائلة والدهم الراحل ووعدت بالانضمام إليهم هناك لاحقاً. عندما وصلوا إلى الحدود، لم يكن هناك أقارب لمقابلتهم ولم يكن لديهم وسيلة للاتصال بوالدتهم.
"هناك أناس طيبون هنا سيعطونك منزلاً جيداً"
وقالت لهم سالومي: "أولاً، يجب أن نضعكم مع عائلة تعتني بكم. هناك أناس طيبون هنا وسيعطونكم منزلاً جيداً. أعدكم بأن الأسوأ قد انتهى".
أثناء حديثها، تشير تعبيرات نيوكو، البالغة من العمر 12 عاماً، إلى أنها قد فهمت الوضع للتو - وأن والدتها قد كذبت عليهم وأنها لن تأتي من أجلهم وأنها تخلت عنهم. تشعر أختها باجيا، البالغة من العمر 10 أعوام، بأن هناك شيء ما ليس على ما يرام ولكنها لم تفهم تماماً بعد، بينما ينشغل ديفيد البالغ من العمر ثماني سنوات بالتلاعب بملامح وجهه ويسلي نفسه.
بصفتها مسؤولة حماية لدى المفوضية في أروا، شمال أوغندا، فإن سالومي تعتبر نقطة الاتصال الأولى للاجئين الأكثر ضعفاً القادمين من جنوب السودان بعد عبورهم الحدود إلى أوغندا. بالنسبة للكثيرين منهم، فإن هذه اللحظة هي أول مرة يشعرون فيها بالأمان حيث يمكنهم سرد قصصهم.
"هذا ليس علاجاً. نحن نتحدث فقط"
وتشرح سالومي لاحقاً لتقول: "هذا ليس علاجاً. نحن نتحدث فقط. لكن هذه المحادثة مهمة كمرحلة أولى في إعادة بناء الحياة،. لقد شعروا باليأس ولكن عندما نتحدث يدركون بأن شيئاً مريعاً قد حدث، لكن هناك من يهتم".
تتمتع هذه السيدة الأوغندية البالغة من العمر 61 عاماً بموهبة جعل الأشخاص يشعرون بأن ثمة من يستمع إليهم جيداً. أسلوبها لطيف لكنه حازم. وتوضح بأنه من المهم أن يفهم اللاجئون وضعهم والواقع الذي يواجهونه، عندها فقط يمكنها مساعدتهم على التكيف والحصول على الدعم الذي يحتاجون إليه.
بعد مقابلتهم مع سالومي، ينتقل الأشقاء الثلاثة إلى المرحلة التالية من العملية، حيث سيتم تسجيلهم وإعطاؤهم وجبة ساخنة وفحوصات طبية وتطعيمات قبل نقلهم إلى بيديبيدي، وهو أكبر مخيم للاجئين في أوغندا.
منذ عام 2013، عندما اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان، نزح قسراً ما يقرب من أربعة ملايين شخص – التمس أكثر من نصفهم الأمان في البلدان المجاورة. يشكل النساء والأطفال حوالي 80 في المائة من المهجرين.
معظم اللاجئين الذين تقابلهم سالومي هم من الأطفال الذين فقدوا الاتصال بوالديهم والأمهات العازبات مع أطفالهن. وبسبب انفصلاهم عن عائلاتهم ومجتمعاتهم في بلد جديد، غالباً ما يكافحون من أجل التأقلم ويمكن أن يصابوا بالاكتئاب أو حتى يميلوا إلى الانتحار.
تفهم سالومي هذا أفضل من كثيرين. فعندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها، قتل مقاتلون من المتمردين في أوغندا والدها ثم عذبوها. وعلى عكس الوضع الحالي، فرت إلى ما يعرف الآن بجنوب السودان وعاشت في مخيم للاجئين هناك لمدة ست سنوات.
"إذا وجدت حلاً، يمكنك قلب الشر إلى الخير"
عندما كنت لاجئة، كاد يقتلني الشعور بالوحدة. أن تكون بلا عائلة ولا لغة مشتركة - يمكن أن يقتل الكثير من اللاجئين. أنا أعرف شعور من يكون وحيداً للغاية، لأنني مررت بذلك".
حتى بعدما فقدت منزلها وعائلتها، كان تركيز سالومي دائماً على الآخرين. فقد تبنت طفلة وحيدة في مخيم اللاجئين وربتها وكأنها طفلتها. وهي الآن تدعم أكثر من 30 طفلاً، العديد منهم من أطفال الشوارع الأوغنديين، وقد أصبح بعضهم ممرضين ومعلمين.
تقول سالومي، المعروفة للجميع هنا باسم "ماما": "إذا وجدت حلاً، يمكنك قلب الشر إلى الخير".
أثر فيروس كورونا وحالة الحظر التي تلت ذلك على عمل سالومي في البداية، مما جعل من الصعب عليها وعلى الموظفين الآخرين الذهاب إلى مخيمات اللاجئين والمنطقة الحدودية. اضطرت لإجراء مكالمات يومية مع قادة اللاجئين لمتابعة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الأكثر إلحاحاً.
وتشرح قائلة: "عندما كنت أتصل، ما حدث هو أن غيابنا كان محسوساً بشدة وأننا بحاجة إلى أن نكون هناك للمساعدة في إيجاد حلول لتحديات اللاجئين. لقد كانوا محبطين وشعروا بالعزلة وهذا ما يؤلمني كثيراً".
طوال يومها، تستمع سالومي إلى قصص مروعة الواحدة تلو الأخرى. ومع ذلك، يغادر اللاجئون بعد لقائهم بها ببعض من الأمل. يتم توجيههم نحو المساعدة المتخصصة التي يحتاجون إليها سواء كان ذلك الدعم النفسي أو تعليم الكبار أو الرعاية بالتبني أو الطعام أو الملابس أو التدريب على كيفية بناء مأوى. إنها بداية عملية طويلة لإعادة بناء حياتهم المهشمة.
"علينا حماية الحالات الحرجة للغاية، وهي كثيرة. لذا، لا يمكنني الاستسلام"
استغرق الأمر من سالومي وقتاً طويلاً للتعافي من تجربتها كلاجئة. في ذلك الوقت، كان هناك دعم أقل بكثير مما هو موجود الآن. ما يهمها الآن هو الحرص على توفير الحماية للاجئين الأكثر ضعفاً. مثل هذا التفاني قد يكون له تأثير سلبي، لكنها ترفض الاستسلام، حيث تقول: "علينا حماية الحالات الحرجة للغاية، وهي كثيرة. لذا، لا يمكنني الاستسلام".
مقابلتها التالية مع ساندرا، وهي يتيمة وليست متأكدة من عمرها. كل ما تعرفه هو أنها حاضت للمرة الثانية عندما اغتصبها جندي في طريقها إلى المتجر المحلي. لم تخبر أسرتها بالتبني، وعندما اكتشفت بعد بضعة أشهر أنها حامل، ازدادت التوترات مع الأسرة.
بعد فترة وجيزة من ولادتها، طلبوا منها المغادرة. ذهبت للبحث عن الجندي الذي اغتصبها ولكن عندما وجدته هددها بالقتل، لتسير باتجاه الحدود مع طفلها خوفاً على حياتها.
تجلس ساندرا الآن مقابل سالومي، فيما تلف طفلها ببطانية على حضنها.
وقالت لها سالومي: "علينا أن نفكر في الأمور العملية الآن. أعلم أنك قوية. ما كنت لتصلي إلى هنا مع طفلك إذا لم تكوني كذلك. سوف يأتي مسؤول حماية ليهتم بقضيتك. سنجد لك مكاناً في المخيم تعيشين فيه. سوف تحصلين على الطعام، وسوف نوفر بعض الملابس للطفل ... "
توقفت سالومي قليلاً ونظرت إلى ساندرا لتسألها: "هل تحبين طفلك؟" لترمي ساندرا بنظرها نحو الأرض دون أن تجيب.
"حسناً، دعيني أشرح ذلك بطريقة أخرى - هل يمكنك أن تتركي الطفل معي؟".
أومأت ساندرا برأسها دون أن تنظر.
وقالت لها سالومي: "ساندرا، سوف تتعلمين كيف تحبين هذا الطفل. يجب أن تتعلمي كيف تحبينه، لأنك إذا لم تفعلي ذلك، فلن يقبل هذا الطفل الحب أبداً. عليك كسر الحلقة". وأضافت: "ما حدث لك ليس جيداً، ما كان يجب أن يحدث أبداً. لكن هذا الأمر يحدث، ويحدث للكثيرين، لذا أعلم أنك لست الوحيدة. أعدك من هذه اللحظة فصاعداً بأن الأمور ستتحسن".
"أول شيء يتعين علينا القيام به هو تذكير هؤلاء الفتيات بأنهن ما زلن على قيد الحياة"
عندما نهضت ساندرا للمغادرة، أوقفتها سالومي وسألتها: "هل ترين هؤلاء الفتيات اللواتي يلعبن كرة الشبكة هناك؟ أريدك أن تذهبي هناك. يوجد الكثير من النساء الأكبر سناً. اطلبي من أحدهن أن يحمل طفلك، وسوف تسعد بذلك. ثم العبي مع الفتيات لبعض الوقت".
تراقب سالومي ساندرا وهي تمشي نحو ميدان اللعب. ربما رأت 1,000 طفل مثلها، لكن من الواضح أن كل قصة من قصصهم تبقى معها. تقول: "أول شيء يتعين علينا القيام به هو تذكير هؤلاء الفتيات بأنهن ما زلن على قيد الحياة".
ساهم في كتابة القصة كاثرين واشيايا.
تم سرد أجزاء من هذه القصة قبل إغلاق حدود أوغندا في مارس 2020، في أعقاب تدابير البلاد لاحتواء انتشار فيروس كورونا. مركز العبور على الحدود مغلق الآن بشكل مؤقت.
لدعم عمل المفوضية الموجه للأشخاص الفارين من العنف في جنوب السودان، يرجى التبرع على هذا الرابط.