مبادرة إنسانية توفر ممرات آمنة للاجئين القادمين إلى إيطاليا
كان الوصول إلى مطار روما المزدحم أكثر من مجرد أمرٍ روتيني بالنسبة لهذه العائلات الـ15 (77 لاجئ)، فتواجدهم هناك هو فرصتهم لبدء حياة جديدة، بفضل الشراكة الفريدة التي تعرف باسم "الممرات الإنسانية".
كان القلق يعتريهم في البداية، عند دخولهم مبنى المطار سيراً على الأقدام بعد هبوط الطائرة التي أتت بهم من لبنان، حيث لم يعلموا كيف سيتم استقبالهم.
كان رتل من المتطوعين في استقبالهم فور خروجهم من البوابة وقالوا لهم "مرحباً بكم" – باللغة العربية أيضاً، وقدموا لهم باقات الزهور ووجباتٍ خفيفة، فيما وزعوا البالونات على الأطفال... وسرعان ما شعر الجميع بالارتياح.
بعد وصولها مع زوجها وابنها ذي السنوات الأربع، قالت إحدى النسوة اللاجئات: "كنت أشعر بالخوف قبل وصولي، فأنا لا أعرف أحداً هنا وقد يكون الناس هنا غير ودودين، لكن خوفي تلاشى ما أن رأيت الابتسامات المرتسمة على الوجوه والترحيب الذي لقيناه".
تأسس البرنامج في إيطاليا من خلال اتفاقٍ جمع ائتلافاً من المنظمات الدينية – جمعية سانت إغيديو وكاريتاس إيطاليا واتحاد الكنائس الإنجيلية في إيطاليا ووالديسيان تيبل – مع وزارات الداخلية والخارجية، وقد تمت توسعة البرنامج ليشمل عدة دول أوروبية أخرى.
"لكن خوفي تلاشى ما أن رأيت الابتسامات المرتسمة على الوجوه والترحيب الذي لقيناه"
نظراً لدوره في إعادة توطين اللاجئين في إيطاليا ومنحهم فرصة بدء حياتهم من جديد، تم اختيار برنامج "الممرات الإنسانية" فائزاً عن قارة أوروبا بجائزة نانسن للاجئ لعام 2019، وهي جائزة سنوية مرموقة تكرّم الأشخاص الذين بذلوا جهوداً كبيرة لمساعدة اللاجئين والنازحين قسراً.
إلى يومنا هذا، تم نقل أكثر من 2,000 لاجئ من الفئات الأكثر ضعفاً إلى إيطاليا ضمن إطار البرنامج، وأغلبهم لاجئون سوريون وإريتريون أتوا من لبنان وإثيوبيا.. كما ستسمح اتفاقية تم توقيعها مؤخراً بنقل 600 لاجئ وشخص من الفئات الأكثر ضعفاً من الأردن ولبنان وإثيوبيا والنيجر، وعند وصولهم يتقدم الأشخاص الذين نُقلوا بطلباتٍ للجوء، علماً بأنه قد تم منح الحماية الدولية لجميع الواصلين تقريباً حتى الآن.
هنالك أعداد متزايدة من اللاجئين الذين يعدون من الفئات الأكثر ضعفاً، وليس بإمكانهم البقاء في البلدان المضيفة لهم، أو العودة إلى بلدانهم، وهم بحاجةٍ إلى سبلٍ قانونية تتيح إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى. ولهذا السبب تتمتع برامج الكفالة مثل برنامج "الممرات الإنسانية" بأهمية كبرى، إذ أنها تمثل شريان حياة لأشخاص معرضين لمخاطر كبرى.
لمساعدة اللاجئين في الاعتماد على ذواتهم، والاندماج بسرعة في المجتمع الإيطالي، تتم استضافتهم في شققٍ خاصة، وإلحاقهم بدورات لتعلم اللغة، فضلاً عن تزويدهم بالدعم الاجتماعي والقانوني، وذلك بتمويلٍ كامل من المنظمات الشريكة في البرنامج.
قال أوليفييرو فورتي، رئيس مكتب سياسة الهجرة والحماية الدولية لدى كاريتاس إيطاليا: "نحن نهدف من خلال هذا البرنامج إلى تعزيز التضامن بين الناس، ومشاركة المسؤولية مع المؤسسات. ونأمل بأن تتحول الممرات الآمنة من حالة استثنائية، إلى إجراء اعتيادي".
سيموني سكوتا، 33 سنة، شاب إيطالي يعمل في مكتب اتحاد الكنائس الإنجيلية في بيروت، حيث يساعد في تحديد اللاجئين السوريين في لبنان الذين بإمكانهم المشاركة في البرنامج - يُتخذ القرار بناءً على الاحتياجات الإنسانية – كما أنه يرافق كلاً من الرحلات المتجهة إلى إيطاليا.
يقول سكوتا بأن بعض اللاجئين فقدوا منازلهم، وآخرون فقدوا أفراد عائلاتهم، وبعضهم تعرض للسجن والتعذيب، أو يعاني من مشاكل صحية جدية... ولكنه رغم المآسي التي يعايشها، يجد السعادة في تمكين الناس من بدء حياةٍ جديدة.
"اللحظة التي تشعرني بأقصى قدرٍ من السعادة، هي لحظة إقلاع الطائرة... فنحن نعرف الظروف التي عاشها اللاجئون في سوريا ولبنان... وأعتقد بأن منحهم فرصة ثانية أمرٌ منصف".
تعتبر إحدى العائلات السورية التي تتحدر من دمشق مثالاً على مثل هذه الحالات، فالأب أصيب بعيارٍ ناريٍ في صدره، واضطر للفرار مع زوجته إلى لبنان، حيث ولد ابنهما – وله من العمر الآن 4 أعوام – وقد اختيرت هذه العائلة من بين الحالات الأكثر ضعفاً من قبل اتحاد الكنائس الإنجيلية، ولديهم الآن الفرصة لبداية جديدة.
وقال الوالد الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسبابٍ تتعلق بالحماية: "ليس من السهل أن تعيد بدأ حياتك في الـ 43 من عمرك،.. لكن هؤلاء الأشخاص (العاملون في المنظمات) قد منحوني ثقتهم، وعلي مجازاة هذه الثقة بأن أكون شخصاً جيداً في هذا المكان الجديد". وأضاف بأنه يريد أن يعمل في مجال الزراعة.
يرجع تاريخ برنامج "الممرات الإنسانية" إلى حادثة انقلاب قاربٍ يحمل لاجئين ومهاجرين قبالة سواحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في 3 أكتوبر 2013، حيث لاقى أكثر من 300 شخصٍ حتفهم. وشكّلت هذه الحادثة صدمةً كبيرة في أنحاء البلاد، نظراً لقربها من الساحل.
"نأمل بأن تتحول الممرات الآمنة من حالة استثنائية، إلى إجراء اعتيادي"
وقالت ماريا كوينتو من جمعية سانت إغيديو: "كانت هذه الحادثة نقطة اللاعودة، فالمجتمع ككل عايش هذه اللحظة كوصمة عار. وبعدها تبلورت لدينا فكرة تنظيم الأمور بشكلٍ مختلف بالنسبة للاجئين".
في حين يغطي البرنامج حالياً أعداداً قليلةً من إجمالي الأشخاص الذين يصلون البلاد كطالبي لجوء، تعمل المنظمات الشريكة بشكلٍ فاعل على توفير بدائل آمنة لمخاطر عبور البحر لعدد أكبر من الناس، وتأمل هذه المنظمات أيضاً أن يتوسع البرنامج ليشمل اللاجئين المحتجزين في ليبيا أيضاً.
وأضافت كوينتو: "أعتقد بأنه علينا ألا نُبطل فكرة القدوم إلى هنا وطلب اللجوء، لكن ما يمكننا إنجازه هو تخفيض تدفق الأشخاص القادمين بحراً من خلال توفير مساراتٍ آمنة لهم".
تحمل جائزة نانسن للاجئ هذا الاسم إحياءً لذكرى وتيمناً بالمستكشف ورائد العمل الإنساني فريدجوف نانسن الذي كان أول مفوضٍ سامٍ للاجئين، إثر تعيينه بهذا المنصب من قبل عصبة الأمم عام 1921، وتهدف الجائزة لتسليط الضوء على القيم التي جسدها نانسن من مثابرةٍ والتزامٍ في وجه المصاعب.
سيُعلن عن اسم الفائز بالجائزة في 2 أكتوبر القادم، حيث ستسلمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للفائز أثناء حفلٍ رسمي يقام في العاصمة السويسرية جنيف في 7 أكتوبر.