بعد وفاة زوجها في سوريا، أصبحت شيخة وحدها المسؤولة عن حماية وسلامة أطفالها. فرت من الحرب في سوريا التي أصيب فيها ابنها الأكبر علي، وبعد النزوح الداخلي لعدة مرات، لجأت إلى لبنان بصحبة أطفالها.
لطالما كانت شيخة امرأة قوية ومستقلة، فقد عملت في وظائف مختلفة للتدبير المنزلي لتوفير دخل إضافي لأسرتها. عندما فرّت إلى لبنان، استقرت مع أطفالها في بيروت، وكافحت لتأمين لقمة العيش لأنها لم تكن تعرف البلد جيدًا وكانت وحيدة مع أطفالها الصغار، في محاولتها للبحث عن الاستقرار.
وضّحت شيخة: “كنت خائفة وقلقة بشأن النجاح في العيش هناك، فأنا لم أذهب إلى لبنان من قبل، وكنت قد فررت لتوي من الحرب وحدي وبرفقتي أطفالي الصغار.”
بعد تسجيلها لدى المفوضية تم تحديد احتياجاتها، وبدأت بتلقي المساعدة النقدية لإعانتها على تلبية الاحتياجات الأساسية لها ولأطفالها. وبعد ذلك تمكنت من استئجار مكان متواضع للإقامة فيه وسجلت أطفالها في المدرسة. تصرّ شيخة، التي لم تستطع مواصلة تعليمها، على ضمان حصول أطفالها على التعليم الذي يحتاجونه لتأمين مستقبل أفضل لهم.
تقول شيخة: “أريد أن تتاح لهم فرص في الحياة ليتمكنوا من تحقيق أنفسهم والعمل في المهن التي يرغبونها. أريد لهم حياة مزدهرة، وأعلم أن التعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.”
أثناء وجود أطفالها في المدرسة، تحاول الشيخة كسب لقمة العيش من خلال تقديم خدمات التنظيف للجيران الذين يقطنون بالقرب منها، كما أنها طاهية موهوبة ويكلفها العملاء بإعداد أطباق محلية في منزلها، مثل ورق العنب، والكبة، والتبولة، والأطباق التقليدية المصنوعة من الزبادي، فهي تستغل مهاراتها لتقديم أفضل دعم لعائلتها.
مع ذلك، وعندما بدأ لبنان في مواجهة أزمة صعبة اجتماعيًا واقتصاديًا، تغيرت حياة العديد من العائلات اللبنانية والأسر اللاجئة، وتأثرت شيخة وأطفالها بشدة وأصبحوا غير قادرين على تحمل نفقات المعيشة في بيروت، فانتقلوا إلى البقاع. ومع الانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية، وارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية، يستمر تدهور أوضاع اللاجئين السوريين، حيث تعيش تسع أسر لاجئة من أصل كل عشرة في فقر مدقع، وتكافح من أجل تحمل تكاليف السلع والخدمات الضرورية التي تضمن مستويات المعيشة الأساسية.
ومثل معظم العائلات السورية، يتعين على شيخة اقتراض المال لمواجهة أعباء الحياة، والتقليل من النفقات الصحية، وتضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة لإطعام أطفالها والحفاظ على سلامتهم. تكافح شيخة بشكل خاص لأنها لا تستطيع ترك أطفالها في المنزل بمفردهم وعليها أن توازن بين الحفاظ على سلامتهم وإيجاد فرص لكسب الدخل، كما أن ابنها الأكبر يعاني من ظروف صحية ولا تستطيع تحمل تكاليف العلاج في جميع الأوقات. علاوة على ذلك، زاد مالك العقار من إيجارها بسبب انخفاض قيمة العملة اللبنانية، مما أثر على قدرتها على الإنفاق.
في هذا السياق، يعدّ برنامج المساعدات النقدية متعددة الأغراض التابع للمفوضية شريان حياة للاجئين في لبنان، حيث يساعد العائلات على تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الإيجار والطعام والأدوية، ويمكنهم من المساهمة في الاقتصاد المحلي من خلال الشراء مباشرة من الأسواق التجارية المحلية، كما أن المساعدة النقدية الشهرية المقدمة للاجئين توفر لهم كرامة الاختيار في تلبية احتياجاتهم.
توضح شيخة قائلة: “بدون المساعدة، ستكون سلامة ورعاية أطفالي في خطر.”
تنفق شيخة المساعدة النقدية التي تتلقاها على الإيجار، وشراء المواد الغذائية الضرورية. ويلتحق أبناؤها رهف وعلي ومحمد بالدورات التعليمية غير الرسمية، وهي تأمل أن تتمكن من تسجيلهم في مدرسة رسمية كما كان الحال من قبل، بمجرد أن تتمكن من تحمل تكاليف ذلك مجدداً. يستمتع ابنها الأصغر محمد بشكل خاص بدروس اللغة الإنجليزية، حيث يعلّمها مفردات إنجليزية جديدة ويحب أغنية باللغة الإنجليزية عن الثلج.
ما زالت شيخة تثابر رغم كل هذه التحديات، حيث أكملت في عام 2022 ستين ساعة من التدريب على الطهي وحصلت على شهادة بذلك من منظمة غير حكومية محلية، وتحلم بافتتاح مطعمها الصغير يومًا ما، حيث ستسميه “الأطفال الثلاثة”، وستقدم الأطباق السورية التقليدية، وتدير أعمالها الخاصة بشكل مستقل.
تمكنت المفوضية، بفضل الدعم السخي المقدم من صندوق قطر للتنمية لصالح برنامج المساعدات النقدية متعددة الأغراض، من مساعدة حوالي 17,000 أسرة سورية لاجئة من بين الأكثر ضعفاً في لبنان لمدة شهرين في عام 2022. يعد التزام صندوق قطر للتنمية المتجدد والمستمر بمساعدة اللاجئين أمراً بالغ الأهمية في وقتٍ تتزايد فيه الاحتياجات وتعوّل العديد من أسر اللاجئين، مثل عائلة شيخة، على المساعدة النقدية لأنها تمكنهم من العيش بأمان وكرامة.
الشيء الأهم الذي تواصل شيخة تعليمه لأطفالها هو ألا يفقدوا الأمل أبدًا، وهي تعمل جاهدة لإعالة أسرتها وتبذل كل ما في وسعها لضمان تطلعهم باستمرار لمستقبل أكثر إشراقًا.
شارك على فيسبوك شارك على تويتر