عندما تخطو إلى منزل ريما في قضاء كسروان بلبنان، تقابلك امرأة تشع قوة وحنان. ريما، اللاجئة السورية التي وصلت إلى لبنان في العام 2014 هربًا من القصف في إدلب، ليست زوجة وأمًا ومدربة مخلصة فقط، بل هي أيضًا رمز للأمل وشهادة حية على قوة الإرادة.لقد كانت رحلتها في لبنان أكثر من مجرد محاولة للنجاة. إذ تمثلت في اكتشاف تأثيرها كامرأة في
المجتمع وتطوير مهارات جديدة وإدراك القوة اللازمة لرد الجميل لمجتمعها. فهي تؤمن بأن قوتها تنعكس على أطفالها، فبقوتها يصبحون أقوياء.
ورغم اضطرارها لترك المدرسة، استمرت ريما في تعلمها بالمنزل وتقدمت بنفسها للامتحانات الرسمية، ونجحت فيها بتفوق. إذ تقول ريما مبتسمة عند الحديث عن مسيرتها: “لا أميل لليأس، فأنا أستيقظ كل صباح عاقدةً العزم على تحقيق ما أصبو إليه، والأهداف الجديدة تحفزني على الاستمرار”.
بدأت ريما مسيرتها كقائدة مجتمعية بعد فترة قصيرة من هروبها من الحرب في سوريا. وفي لبنان، انخرطت في العمل التطوعي مع تحالف نسائي وأفنت وقتها في تنظيم جلسات توعية حول زواج القاصرات. ومنحتها خبرتها الشخصية رؤية متميزة، وتحولت إلى صوت مؤثر يدعم الفتيات الشابات. ولاحقًا، تطوعت في مجال التوعية بحقوق الطفل، متواصلةً مع الأهالي لرفع مستوى الوعي بأهمية تعليم الأطفال وتطويرهم.
منذ حوالي أربعة عشر أسبوعًا، بدأت ريما بتدريس أساسيات القراءة والكتابة والحساب في مجتمعها، مستقبلةً الأطفال الذين لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة في منزلها. حيث تتبع منهجًا مطورًا بعناية لتعليمهم اللغة العربية والرياضيات، مزودةً إياهم بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب. وبصبر وحنان، تستضيف ريما الأطفال في بيتها قائلة: “هذا أنا. هذا الفصل هو المكان الذي أنتمي إليه”، معبرةً عن فخرها وإخلاصها. “من أكبر العقبات أمام التعليم الرسمي هي القدرة المالية وتكاليف النقل، لذلك يمثل هذا النهج المجتمعي بديلاً وأملاً لهؤلاء الأطفال. يعيش آباؤهم بالقرب من هنا ويثقون بي لتعليم أطفالهم مرتين أسبوعيًا، لمدة ساعة ونصف”. وعندما سُئل الطلاب عن سبب حضورهم الدروس، أجابوا: “السيدة ريما. إنها أفضل ما في هذا الفصل. فهي تتحلى بالصبر معنا وتفهم المواد جيدًا”. وتشارك ريما بحب أسماء طلابها، مسلطة الضوء على صفاتهم ومميزاتهم.
وعلى الرغم من جهود ريما لرد الجميل لمجتمعها، فإن الأوضاع ما زالت تشكل تحديًا. إذ يعاني لبنان من أشد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية منذ عقود، حيث يحتاج 9 من كل 10 لاجئين سوريين إلى المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وريما ليست استثناءً في ذلك. فهي تضطر لتقليص النفقات الصحية واتخاذ قرارات صعبة أخرى لضمان تغذية أطفالها وحمايتهم.
في هذا الإطار، يعتبر برنامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للمساعدة النقدية المتعددة الأغراض شريان حياة لدعم اللاجئين في لبنان. إذ يساهم هذا البرنامج في مساعدة الأسر على تلبية احتياجاتهم الضرورية كالإيجار والطعام والدواء ويتيح لهم فرصة المشاركة في الاقتصاد المحلي عبر الشراء من الأسواق والمتاجر المحلية. بالإضافة إلى ذلك، توفر المساعدات النقدية الشهرية للاجئين حرية الاختيار والكرامة في تلبية احتياجاتهم الخاصة.
وتستخدم ريما المساعدة النقدية متعددة الأغراض التي تحصل عليها لتسيير شؤونها، سواء بدفع جزء من الإيجار أو بشراء الأدوية لابنها نبيل الذي يعاني من مشكلة في النمو عندما تكون قادرة على تحمل تكاليفها.
إن ريما تتفانى في رعاية أطفالها بعزم وطيد. وتقول: “أنا مستمرة في تكريس حياتي بأكملها ووجودي وأفكاري من أجل أطفالي. وأتمنى أن ينالوا كل الفرص التي لم أتمكن من الحصول عليها”.
”وأطمح أن أكون معلمة بدوام كامل في سوريا يومًا ما. فأنا أعشق تدريس اللغة العربية، اللغة الرائعة والثرية التي تستحق الانتشار والتعلم”.
ويتيح الدعم السخي من صندوق قطر للتنمية لبرنامج المساعدة النقدية للمفوضية مساعدة أكثر من 11000 أسرة سورية لاجئة لا تجد قوت يومها في لبنان. ويحظى التزام صندوق قطر للتنمية المستمر والدائم بدعم اللاجئين بأهمية كبرى في زمن تزداد فيه الاحتياجات، وهو ضروري لأُسر مثل أسرة ريما، حيث يمكّنها من العيش بأمان وكرامة مع أطفالها.
شارك على فيسبوك شارك على تويتر