أبو فيصل وابنه الأكبر فيصل في المركز المجتمعي. © حقوق النشر محفوظة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين /حمزة المومني
لسنوات، كان فيصل وإخوته يراقبون الأطفال الآخرين في الحي وهم يمرون أمام نافذتهم ضاحكين في طريقهم إلى المدرسة. في كل صباح، كانوا يلتفتون إلى والدهم بنفس السؤال عن سبب عدم تمكنهم من الالتحاق بالمدرسة والانضمام اليهم. يصف أبو فيصل كيف كان يتأثر لدرجة أن الدموع كانت تخنقه كل مرة، غير قادر على الرد. “كنت أشعر أنني الملام. لأنني لاجئ سوري، لم يكن لديهم الأوراق اللازمة.”
يتذكر أبو فيصل، وهو من أصل سوري، كيف كان العقد الماضي مليئًا بالتحديات، بما في ذلك الحواجز القانونية التي أثرت على عائلته بأكملها. عندما تزوج من زوجته العراقية في عام 2012، كان توثيق زواجه يبدو أمرًا ثانويًا أثناء بدء حياتهم معًا. كما أضافت القيود المالية والخوف من الغرامات بسبب التأخير في التسجيل إلى ترددهم مع مرور الوقت.
تفاقمت الأمور أكثر في عام 2015، عندما فر أبو فيصل وعائلته من الموصل أثناء احتلال داعش. عادوا بعد ثلاث سنوات، ليواجهوا مزيدًا من العوائق لتسجيل زواجهم بسبب صعوبة تأمين الوثائق اللازمة والتعقيدات كونه لاجئ سوري متزوج من امرأة عراقية.
عندما بلغ أطفالهم سن المدرسة، أصبحت عواقب عدم وجود شهادة زواج أكثر وضوحًا. “لم أتمكن من إثبات أن فيصل هو ابني، وكان ذلك يحطم قلبي”، يقول أبو فيصل. بدون الوثائق الرسمية، كانت عائلته تكافح للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم – وهو تذكير دائم بتأثير النزوح عليهم.
وفي محاولة يائسة لتغيير وضعهم، لجأ أبو فيصل إلى مصدر موثوق للدعم: شريكة المفوضية، منظمة أرض الانسان (TDH) التي تدير مركزًا مجتمعيًا في الموصل حيث يتم تقديم مجموعة من خدمات الحماية والدعم بما في ذلك المساعدة القانونية. من خلال منظمة أرض الانسان ، حضر أبو فيصل جلسة استشارية حيث تم تعيين محامٍ لمساعدته في مواجهة اجراءات عمليته القانونية المعقدة.
كانت الخطوة الأولى هي تأمين شهادة زواج. ونظرًا لوضع أبو فيصل كلاجئ ، لم تكن هذه المهمة سهلة وشملت أولاً تجديد وثائق إقامته المنتهية الصلاحية مع الحكومة العراقية. حينها فقط استطاع أن يتقدم بدعوى قضائية للحصول على اعتراف القاضي بزواجه. ولكن بفضل التوجيه القانوني، تمكن أبو فيصل من النجاح في اتمام هذا الامر.
أبو فيصل، إلى جانب زوجته وأطفاله الأربعة. © حقوق النشر محفوظة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين /حمزة المومني
في هذه الأثناء، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أيضًا الدعم لأطفال أبو فيصل للتسجيل في المدرسة لأول مرة، بناءً على إعلان صادر عن وزارة التربية في فبراير 2024 الذي نص على السماح للأطفال اللاجئين بالتسجيل في المدرسة باستخدام شهادة تسجيل المفوضية الخاصة بهم. بالنسبة لفيصل، الابن الأكبر، الذي دخل الفصل الدراسي لأول مرة وهو في الحادية عشرة من عمره، كانت هذه اللحظة تغييرًا حقيقيًا في حياته.
في سبتمبر 2024، حصل أبو فيصل أخيرًا على شهادة زواجه. ومع هذه الوثيقة في متناول اليد، تمكنت الأسرة من تحديث سجلات الإقامة الخاصة بهم مع الحكومة العراقية، مما أدى إلى توحيد الأم والأب وأطفالهما الأربعة رسميًا تحت نفس الملف. وكان التوقيت مثاليًا؛ إذ تمكن أبناؤه الأصغر سناً من بدء دراستهم في نفس العام بمجرد إظهار وثائق هويتهم الجديدة (البطاقات الصادرة عن اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين السياسيين بوزارة الداخلية العراقية). كانت عملية التسجيل هذه، التي لم تتطلب أي دعممن المفوضية، بمثابة نقطة تحول كبيرة للعائلة. فقد اتاحت لهم امكانية الوصول بشكل مستقل إلى مجموعة من الخدمات العامة في العراق باستخدام وثائقهم الجديدة، مما أعاد لهم شعورًا بالاكتفاء الذاتي وأملًا بمستقبل أفضل.
أبو فيصل وأطفاله في المركز المجتمعي. © حقوق النشر محفوظة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين / حمزة المومني
يقول أبو فيصل: “إصدار شهادة زواجي مهد الطريق للحصول على الوثائق لأطفالي، مما سمح لهم بالتسجيل في المدرسة ومراجعة الطبيب عند الحاجة.”
يأمل أبو فيصل أن تلهم تجربته الآخرين الذين يواجهون نفس الصعوبات اذ يقول: “هناك العديد من الاسر مثل اسرتي التي تشعر بالعجز لأنها لا تعرف إلى أين تلجأ طلبًا للمساعدة.” أصبح الآن يشجع الآخرين في مجتمعه على زيارة مركز منظمة ارض الانسان، مُشيدًا بتجربته الشخصية كدليل على أن التغيير ممكن مع الدعم المناسب. وأضاف بابتسامة مليئة بالعزيمة: “إذا استطعت التغلب على هذا، فهم أيضًا قادرون على ذلك.”
بفضل الدعم من الجهات المانحة مثل سويسرا، أصبح أبو فيصل من بين 13,500 لاجئًا وطالب لجوء تلقوا خدمات المساعدة القانونية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2024. تشمل هذه الخدمات جلسات التوعية القانونية، والإرشاد، والتمثيل أمام الهيئات القانونية والإدارية، مما يساعد اللاجئين على حل القضايا القانونية الحرجة.
Share on Facebook Share on Twitter