نضال يعزف على الطنبورة أثناء تدريس حصة الموسيقى © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
في فصل الموسيقى الخاص به، يجلس نضال وهو يعزف بأصابعه برفق على أوتار الطنبورة أثناء تعليم مجموعة من الأطفال الغناء، وكأن هذه الغرفة الصغيرة، المليئة بالألحان والضحك، قد أصبحت ملاذًا ليس فقط للأطفال ولكن لنضال نفسه.
ويقول نضال، وهو يتأمل رحلته كمدرس موسيقى بأحد المراكز المجتمعية في مخيم للاجئين في كردستان: “لقد مرت سنتان ونصف حتى الآن”. وخلال هذا الوقت، التقى نضال في الفصل بالعديد من الأطفال الذين ذكّروه بطفولته التي كان يعمها الهدوء والانعزال والبحث عن شيء للتمسك به. وعندما أدرك نضال هذه المشاعر جيدًا، أولى اهتمامه الكامل لفصله، وعزم على منح طلابه السلوان والترفيه عن النفس اللذان كان يبحث عنهما ذات يوم من خلال الموسيقى.
بدأت حياة نضال في دمشق، سوريا، التي انتهت فيها أحلام طفولته بسبب اندلاع الصراع في عام 2011، وبعد أن اضطر إلى الفرار مع عائلته، بحث نضال عن الأمان في كردستان، ومع ذلك، كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر وتركت أثرًا عميقًا بداخله؛ حيث يقول: “لقد رأيت الموت بعيني”، واصفًا الشوارع المليئة بإطلاق النار والأطفال الأصغر سنًا منه الذين يحملون الأسلحة. وفي سن الحادية عشرة فقط، وصل نضال إلى كردستان مع عائلته، بحثًا عن ملجأ وفرصة لإعادة بناء حياتهم.
وجدت الأسرة في النهاية الأمان في مخيم دوميز للاجئين في كردستان، لكن الأمان لم يعنِ أن الحياة أصبحت أسهل، فقد كان التكيف مع حياة المخيم وتحدياته وقيوده الجديدة وانعدام العديد من الخدمات، أمرًا صعبًا بالنسبة لنضال، ومع ذلك كان عليه أن يتأقلم مع البيئة الجديدة التي أصبح يعيش فيها؛ وفي ظل معاناته مع الحياة وصراعه مع الإجهاد والصدمات، لجأ إلى عادات غير صحية للتكيف.
ويصف نضال حالته النفسية والذهنية في الماضي قائلًا: “كنت مشتتًا”، لكن بدأت الأمور تتغير ببطء عندما حضر نضال درسًا للموسيقى في مركز مجتمعي في المخيم. إذ أفاد: “لقد حضرت دروسًا أخرى، مثل مهارات الكمبيوتر والرياضة، لكن لم يعجبني أي منها. وعندما جلست في درس الموسيقى ورأيت المعلم يغني، شعرت بشيء يتحول بداخلي”.
نضال وهو يحمل الطنبورة. © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
وعندما شعر نضال بهذا الإلهام قرر أن يتعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية، ووقع اختياره على الطنبورة، وهي آلة وترية تقليدية، وصب كل طاقته في إتقانها. ولم يكن الأمر سهلًا عليه في البداية، ولكن كلما كان يعزف أكثر، كان يشعر بذهاب التوتر عن كاهله حتى أصبحت الموسيقى ملاذه وعلاجه.
وقد انتشر شغف نضال بالموسيقى بسرعة إلى عائلته، وشجعه والده، الشاعر، على رحلته بينما تعلم إخوته العزف أيضًا على آلاتهم الخاصة. ويقول مبتسمًا: “أصبحت الموسيقى أمرًا هامًا في عائلتنا”.
وبعد سنوات من التفاني، تحول حب نضال للموسيقى إلى شيء أكثر أهمية عندما بدأ بتدريس الموسيقى في نفس المركز الذي وجد فيه السلوان ذات يوم. ويقدم المركز المجتمعي، الذي تديره المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشريكتها زهرة اللوتس، بالتعاون مع نودم، وهي منظمة مجتمعية صغيرة، مشاريع تُمكن اللاجئين من التعلم والنمو والعمل للاعتماد على الذات مع معالجة تحدياتهم، وسرعان ما أصبح نضال أحد أكثر أعضاء طاقم العمل أهمية وقيمة.
وبالنسبة لنضال، لا يقتصر التدريس على الموسيقى فحسب، بل يتعلق بتوفير مساحة آمنة تمكّن الأطفال من التعافي والازدهار، حتى أنهم في كثير من الأحيان، لا يذهبون بعد انتهاء حصة الموسيقى إلى المخيم أو يأتون إلى الحصة مبكرًا، ويوضح نضال كيف أنه على استعداد دائمًا لتعليمهم، بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرقه، لأنه يعلم أنهم يحاولون الهروب من شيء ما، تمامًا كما كان يفعل.
ويقول نضال: “أحيانًا، يأتي إليّ طفل خجول وغير واثق من نفسه، ولكن بعد بضعة أشهر من التعلم، يصبح شخصًا مختلفًا؛ أكثر سعادة وثقة. وهذا ما يجعلني أواصل ما أفعله”.
نضال يعزف على الطنبورة ويغني مع فصله. © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
وعلى الرغم من متطلبات التعليم، لم يستسلم نضال لأحلامه؛ فهو يأمل في متابعة التعليم الجامعي، وهو هدف تأخر تحقيقه بسبب القيود المالية. ويؤمن نضال بالتأثير التدريجي لعمله. ويقول بفخر: “قد يصبح أحد طلابي موسيقيًا مشهورًا يومًا ما، وحتى لو لم يحدث ذلك، فأنا أعلم أنهم سيتذكرون الدروس التي تعلموها هنا طوال حياتهم”.
ساهمت ليلي كارلايل في إعداد هذا التقرير.
Share on Facebook Share on Twitter