داليا تشارك في فصول تعلم اللغة الكردية السورانية في السليمانية. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ رشيد حسين رشيد
وسط ثرثرة الطلاب داخل الفصول الدراسية المزدحمة بإحدى المدارس العامة في السليمانية، يبرز صوت واحد؛ وهو صوت المعلمة السورية اللاجئة داليا محمود البالغة من العمر 41 عامًا، والتي من خلال خبرتها وإتقانها لتدريس المنهج الكردي المحلي، تقوم بجمع الأطفال اللاجئين والمحليين معًا في فصلها الدراسي لتعليمهم وتدريبهم على بناء العلاقات.
لم تكن رحلة داليا لتصبح معلمة في إقليم كردستان العراق سهلة، فقبل فرارها من وطنها في عام 2015، كانت تعمل كمعلمة في مسقط رأسها قامشلي في سوريا، وهي المهنة التي برعت فيها وكانت تفخر بها دائمًا، ولكن بعد انتقالها إلى بلد جديد، ظهرت عدة تحديات، وظهرت أيضًا روح داليا القوية وتمسكها بمهنتها.
وتذكر داليا قائلةً: “عندما غادرت سوريا، شعرت أنني تائهة، لكنني اكتشفت أنه ما زالت هناك فرصة لبدء حياة جديدة عندما وصلت إلى كردستان، وأكثر ما أسعدني هو أنني ما زال بإمكاني أن أعمل بالتدريس مرةً أخرى، واستغلال هذه الفرصة لإعانة الآخرين للوقوف على أقدامهم مرةً أخرى ومساعدتهم في بناء مستقبل مستدام”.
داليا تدرس لطلاب محليين ولاجئين بإحدى المدارس العامة في السليمانية. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين / رشيد حسين رشيد
وتوضح داليا أنه عندما وصلت إلى إقليم كردستان العراق مع عائلتها، عملت في البداية مع المنظمات غير الحكومية كمعلمة تعتمد على الحوافز في المدارس التي تستضيف اللاجئين والتي أنشأتها وزارة التعليم في كردستان العراق وبدعم من المنظمات غير الحكومية لتكون بمثابة أنظمة تعليمية موازية تستخدم التعليم باللغة العربية لمجتمع اللاجئين.
وفي عام 2022، ومع إطلاق سياسة إدماج التعليم للاجئين (REIP)، التزمت حكومة إقليم كردستان بدمج اللاجئين في نظام التعليم العام لحكومة إقليم كردستان، ويأتي إدماج الأطفال اللاجئين متزامنًا مع نهاية نظام التعليم الموازي تدريجيًا وتغيير لغة التدريس من العربية إلى الكردية. وكجزء من سياسة إدماج التعليم للاجئين، انضم مدرسون لاجئون مثل داليا إلى قائمة موظفي الحكومة كمعلمين معترف بهم رسميًا من قبل حكومة إقليم كردستان.
وبالنسبة لداليا، كان هذا التغيير بمثابة نقطة تحول مهمة في حياتها، حيث انتقلت من كونها معلمة تعتمد على الحوافز إلى معلمة معترف بها من قبل الحكومة للتدريس باللغة المحلية الكردية، ولم تؤكد هذه الخطوة مهاراتها المتميزة فحسب، بل أصبحت أيضًا بمثابة دليل على دمجها في المجتمع المحلي كمعلمة وعضو في المجتمع.
وتقول داليا: “إن العمل كمعلمة رسمية في إقليم كردستان العراق هو أكثر من مجرد وظيفة، فهو أيضًا اعتراف بمؤهلاتي ومساهمتي الرائعة كلاجئة في المنطقة، وهذا يعني أنني لا أقوم بالتدريس فحسب، بل أنا جزء من هذا المجتمع”.
وبصفتها متحدثة باللغة الكرمانجية الكردية ولديها خبرة في التدريس باللغة العربية، اعترفت داليا بأنها كانت متوترة في البداية بشأن التدريس باللهجة السورانية الكردية، حيث أضافت: “في البداية، وجدنا أن اللهجة السورانية مختلفة عن لهجتنا، على الرغم من أن كليهما كرديتان، وبالطبع واجهنا تحديات في البداية، لكننا تمكنا من التغلب عليها”.
وقد ساهمت دروس تعلّم اللغة التي قدمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها في مساعدة داليا والمعلمين الآخرين على مواكبة التغيير، فبعد إكمال دورات اللغة السورانية لمدة ثلاثة أشهر بنجاح خلال العطلة الصيفية، عادت داليا إلى التدريس بثقة متجددة، حريصةً على مساعدة كل من الأطفال اللاجئين والمحليين في بناء مستقبل مستدام.
وتقول داليا: “لقد تعلمت اللغة المحلية، وأعمل الآن مع الحكومة المحلية، وقد أدى هذا التعاون إلى تعميق شعوري بالانتماء، كما أنني متحمسة للفرص المستقبلية المتاحة لي ولطلابي، ومن خلال تعليم الأطفال في كردستان، آمل أن أساهم في نمو هذه الفرص”.
طالبة تدرس في فصل دراسي لداليا في إحدى المدارس العامة في السليمانية. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ رشيد حسين رشيد
ومن خلال رحلة داليا لتعلم اللهجة المحلية والتكيف مع بيئة التدريس الجديدة، نجحت في توطيد علاقتها مع طلابها، حيث تبين كيف أن سيروان، وهو طالبها وجارها، غالبًا ما يبقى بعد انتهاء الحصة ليعود معها سيرًا على الأقدام إلى المنزل. وتقول داليا: “يخبرني سيروان بأنه ينتظر دروسي دائمًا، ويُذكرني حماسه بالسبب الذي جعلني أرغب في أن أصبح معلمة في المقام الأول ولماذا كان تعلّم اللغة المحلية مهمًا للغاية، ودون أن أدرك ذلك، أصبح سيروان معلمي أيضًا؛ فكل يوم، أتعلم منه كلمة سورانية جديدة واحدة على الأقل أثناء دردشتنا ونحن في طريقنا إلى المنزل”.
إن تجربة داليا ليست سوى واحدة من بين 700 معلم لاجئ سوري تم تعيينهم رسميًا من قبل وزارة التعليم في حكومة إقليم كردستان كجزء من برنامج إدماج التعليم للاجئين، وهذا الدمج لا يساعدهم فقط في دعم أسرهم، بل يسمح لهم أيضًا بالمساهمة بشكل هادف في تعليم جميع الأطفال الذين يعيشون في إقليم كردستان العراق، بغض النظر عن خلفياتهم وجنسياتهم.
وبالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والشركاء التعليميين، تلتزم المفوضية بدعم الحكومة في تنفيذ سياسة إدماج التعليم للاجئين، والذي يتماشى مع تعهدات حكومة إقليم كردستان العراق التي قدمتها في المنتدى العالمي للاجئين في عام 2023، “لضمان تنفيذ سياسة إدماج التعليم للاجئين بشكل تدريجي للصفوف من 5 إلى 12 بحلول عام 2030، مما سيعود بالنفع على الأطفال اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 18 عامًا والمعلمين اللاجئين المؤهلين”.
وبالنسبة لداليا والعديد من المعلمين السوريين الآخرين الذين يملؤهم الحماس والشغف، فإن برنامج إدماج التعليم للاجئين يمثل فرصة مهمة لهم تمكنهم من مواصلة حياتهم المهنية، كما يساعد في تعزيز حياة اللاجئين والعمل على دمجهم داخل المجتمع الذي يعيشون فيه.
Share on Facebook Share on Twitter