نرمين حمدي في منظمة وچان، شريكة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي. © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
تستيقظ نرمين كل يوم وهي تأمل أن تكون سببًا في تحسين حياة شخص آخر، وبصفتها لاجئة سورية، فهي مدركة جيدًا لتحديات الصحة النفسية وآثارها على الفرد، حيث شهدت بنفسها كيف أصبحت بعض القضايا مثل القلق والاكتئاب والغضب شائعة جدًا بين المجتمعات النازحة، وتوضح أن هذه التجربة الشخصية هي التي تدفعها إلى كسر وصمة العار المحيطة بالصحة النفسية.
وتقول نرمين: “من أهم الأعمال التي أقوم بها هو التوعية”، مضيفة أن العديد من اللاجئين يصلون إلى العراق وهم يعانون من صدمة من الصراع الذي شهدوه في سوريا؛ وعلى الرغم من أن العديد منهم أصبحوا نازحين الآن لأكثر من عقد من الزمان، إلا أن هذه الصدمة ما زالت حية بداخلهم وغالبًا ما يحتاج العديد من الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية إلى من يأخذ بأيديهم لكنهم يخشون من نظرة المجتمع لهم.
ولكن النهج الاستباقي الذي تتبناه نرمين يدور حول أنها لا تنتظر أن يأتي الناس إليها بل تقوم هي بزيارة اللاجئين في منازلهم، وتقديم الدعم لهم بجانب تنظيم جلسات إرشاد جماعية، إذ توضح: “إذا شعر شخص ما بعدم الارتياح عند التحدث، فإننا نرتب جلسات فردية معه أو نستخدم طرقًا أخرى لجعله يشعر بالأمان”.
وتبين نرمين أيضًا أن إحدى أكثر المشكلات شيوعًا هي القلق، إلى جانب اكتئاب ما بعد الولادة. ومع ذلك، وبدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشريكتها، منظمة وچان لانتهاكات حقوق الإنسان، تم تقديم جلسات تمارين التنفس وإدارة الإجهاد، والتي كانت أساسية في مساعدة المجتمع على معالجة هذه التحديات قبل أن تتفاقم.
وبمرور الوقت يبدو أثر جهود نرمين واضحًا للجميع.
“عندما أزور منزلًا، يصبح الأمر في اليوم التالي حديث الحي بأكمله، وهذه خطوة كبيرة نحو كسر القيود المحيطة بالصحة النفسية، حيث يبدأ الناس بمعرفة الشيء والتوعية تجاهه، وهكذا يبدأ التغيير”.
تدير نرمين جلسة جماعية باستخدام تمارين التنفس لمعالجة القلق والاكتئاب. © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
وكانت فوزية، إحدى اللاجئات المتأثرات بعمل نرمين والتي ما زالت تعاني من التوتر والقلق العاطفي بعد تسع سنوات من النزوح وتعيش في كردستان مع أطفالها الثمانية، تخشى من نظر الناس إليها إن طلبت المساعدة.
تحكي فوزية قائلة: “سمعت أنه يوجد من يمكنه مساعدتي في التغلب على التوتر والغضب والاكتئاب، لكنني كنت خائفة من أن ينظر الناس إليّ بشكل مختلف”. وعلى الرغم من مخاوفها، قررت فوزية اتخاذ تلك الخطوة الأولى والتسجيل في جلسة إرشاد جماعي نظمتها نرمين وصُممَت خصيصًا لمساعدة اللاجئين السوريين في مواجهة تحديات الصحة النفسية في مجتمعهم من خلال تزويد الأفراد بالتدريب على تمارين التنفس والعناية بالنفس وإدارة الإجهاد.
وتقول فوزية وهي تتذكر جلستها الجماعية الأولى: “ما ساعدني أكثر هو إدراكي أنني لست وحدي”.
ومنذ تلك الجلسة الأولى التي أجريت قبل تسعة أشهر، كانت فوزية في رحلة طويلة مع تحديات الصحية النفسية، حيث تتذكر كيف كان ضغط وظيفة زوجها غير المستقرة ومسؤولية رعاية أطفالها يثقلان كاهلها قائلة: “كنت أعود إلى المنزل وأتشاجر مع أفراد أسرتي، لكنني لم أدرك مدى تأثير غضبي عليهم”.
وبهذا الشكل، أصبحت جلسات الدعم الجماعي بمثابة طوق نجاة للعديد من الأفراد.
تقدم نرمين تمرينًا لإدارة الضغط النفسي لفوزية خلال جلسة فردية. © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ حمزة المومني
ومع مرور الوقت، بدأت الوصمة التي كانت تعيق فوزية في التلاشي، إذ تقول: “اعتاد أطفالي سماع الناس يتحدثون عني وأنا أطلب المساعدة، لكنني علمتهم أن الصحة النفسية تشبه أي مرض آخر، فهي تحتاج إلى علاج”.
اليوم، تثق فوزية في قدرتها على التعامل مع تحديات الحياة بعقلية أكثر هدوءًا، وتقول وهي تضحك: “أول من لاحظوا أثر هذه الجلسات هم أطفالي، والآن، عندما أعود إلى المنزل ويجدون أن هناك تغييرًا في معاملتي معهم، يقولون، “لقد ذهبتِ إلى جلسة الصحة النفسية اليوم، أليس كذلك؟”
إن الحركة المتنامية داخل مجتمع اللاجئين لمعالجة مشاكل الصحة النفسية في العلن ومن دون خجل هي الهدف الذي يُرجى تحقيقه في نهاية المطاف. ويعد العاملون المجتمعيون مثل نرمين هم الأساس لدفع هذا التغيير إلى الأمام، حيث يتولى اللاجئون زمام المبادرة في تحديد ما هو الأفضل بالنسبة لهم وتقديم الدعم اللازم لأقرانهم.
وتختتم نرمين حديثها قائلة: “يمكن لشخص واحد أن يؤثر على المجتمع، ولا شك أننا جميعًا نواجه تحديات تتعلق بالصحة النفسية، ولكن من خلال دعم بعضنا البعض، يمكننا التغلب عليها”.
ومن خلال التعاون مع وزارة الصحة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خدمات الصحة النفسية الأساسية والدعم النفسي والاجتماعي للاجئين ومجتمعاتهم المضيفة في جميع أنحاء العراق، حيث تزود هذه الخدمات الأفراد بالأدوات اللازمة لإعادة بناء القدرة على الصمود وتعزيز الرفاهية.
وفي عام 2024، قدمت المفوضية ما يقرب من 10000 استشارة للصحة النفسية ودمجت تقديم دعم الصحة النفسية في بعض المجالات مثل التعليم وحماية الطفل والعنف القائم على النوع الاجتماعي، كما تواصل المفوضية العمل مع حكومة العراق لتوفير خدمات الصحة النفسية من خلال نظام الصحة العامة ومن خلال دعوة اللاجئين ودعمهم للاستفادة من هذه الخدمات.
هذا وتتوجه المفوضية بالشكر إلى المتبرعين الرئيسيين بالأموال غير المخصصة والمخصصة على نطاق واسع وهم بلجيكا وكندا والدنمارك وفنلندا وألمانيا واليابان والنرويج والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك المتبرعين من القطاع الخاص.
Share on Facebook Share on Twitter