تدير ندى فضل مركزاً مجتمعياً يقوده الشباب في الإسكندرية يتلقى فيه اللاجئون خدمات الرعاية الصحية المجانية والتدريب على المهارات.
في صباح أحد أيام الأربعاء الأخيرة، تمتلئ غرفة الانتظار في مركز تديره “مبادرة روح” في مدينة الإسكندرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر بمجموعة من اللاجئين، معظمهم من الرجال والنساء من السودان وسوريا.
بحلول الظهر، كان هناك حوالي 60 مريضاً يعانون من احتياجات طبية مختلفة ممن تلقوا الرعاية اللازمة. وما هو سوى يوم مزدحم آخر بالنسبة للاجئة السودانية ندى فضل، البالغة من العمر 31 عاماً، والتي تدير هذا المركز متعدد الأغراض منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل من العام الماضي، ليبدأ على إثره تدفق اللاجئين عبر الحدود إلى مصر.
حولت ندى وأصدقاؤها شقة من ثلاث غرف نوم إلى مركز شامل لدعم اللاجئين وطالبي اللجوء، حيث تزور المركز قافلة طبية تابعة للهلال الأحمر المصري لتقديم خدمات الرعاية الصحية والفحوصات الطبية المجانية كل أسبوعين هناك.
تقول ندى: “نتبرع بما أمكن لتغطية نفقات الإيجار وتكاليف التشغيل. اخترنا كلمة “روح” لأننا جميعاً روح واحدة بغض النظر عن [أصلنا]، سواء كنا سوريين أو سودانيين أو مصريين”.
تعرف ندى من تجربتها ما يعنيه أن يكون الشخص لاجئاً، فقد وصلت إلى الإسكندرية في أواخر عام 2015، بمفردها وليس لديها سوى التصميم على إعادة بناء حياتها.
كان التكيف مع الحياة في بلد جديد أمراً صعباً. بدون عمل، وغير قادرة على مواصلة دراستها، سئمت من الجلوس في المنزل. وبدلاً من ذلك، قررت تسخير مهاراتها لتعليم الأطفال اللاجئين، معظمهم من سوريا، والذين يعيشون في حيها.
تقول: “كانوا يسألونني: كيف أحل هذه المسألة؟ وكيف أقرأ هذا؟ وكيف أفعل ذلك؟ لذا، قررت جمعهم معاً وإعطاءهم دروساً في المنزل”.
سرعان ما أسست لنفسها سمعة جيدة داخل المجتمع، وهو ما يعني أنها حصلت على طلبات إضافية للمساعدة. قررت التعاون مع مجموعة من اللاجئين الآخرين لإطلاق “مبادرة روح”، وذلك كوسيلة لحشد المزيد من الدعم للاجئين.
تقول ندى إن قيم العطاء والاهتمام بالآخرين متجذرة بعمق في الثقافة السودانية، وقد غرسها والداها فيها منذ نعومة أظفارها.
وقالت ندى: “لقد تربينا على عدم إحضار شطيرة واحدة إلى المدرسة، وكنا دائماً نأخذ معنا شطيرتين تحسباً لعدم امتلاك شخص آخر للطعام. كنا نفعل ذلك لأننا كنا نعلم مدى صعوبة أن يقول شخص ما “ليس لدي طعام”. وحتى لا يشعر أي شخص بأنه مختلف عنا، كنا نقطع شطائرنا ونأكلها معاً على شكل مجموعة”.
عندما بدأ مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين الفارين من العنف في الوصول إلى مصر، قامت ندى في البداية بإشراك شباب آخرين من مجتمعات اللاجئين والمضيفين في الإسكندرية للعمل معها بهدف مساعدة الأسر التي تقطعت بها السبل في مدينة أسوان الحدودية الجنوبية.
سافرت اثنتان من صديقاتها إلى أسوان لتقييم الوضع وبناء جسر من التواصل مع السكان المحليين في المدينة. وعند العودة إلى الإسكندرية، بدأت المجموعة على الفور في عملية جمع التبرعات.
تقول: “لقد جمعنا التبرعات من السكان هنا [في الإسكندرية]، ثم أرسلناها إلى أصدقائنا في أسوان لشراء العصير والماء والوجبات وتسليمها للأشخاص الذين يصلون إلى الحدود”.
وباعتبارها في صفوف الاستجابة الأولى على الأرض، تمكنت ندى وأصدقاؤها – كما تحب أن تسمي فريقها – من مساعدة مئات الوافدين الجدد. وبالإضافة إلى تزويدهم بالوجبات الساخنة والمساعدات النقدية، فقد حرصوا على ربط الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والمرضى وكبار السن، بالسكان المحليين الذين قدموا لهم مساكن مؤقتة.
قبل أبريل الماضي، لم تتخيل ندى قط أن ينزلق بلدها إلى العنف. وقد جاءت والدتها واثنين من أشقائها إلى مصر لدواعٍ صحية قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب. أما بقية أفراد أسرتها فقد علقوا في الصراع وفروا في اتجاهات مختلفة.
وفي محاولة يائسة للعثور عليهم، أنشأت ندى منصة للدردشة الجماعية على موقع فيسبوك للمراسلة من أجل التواصل مع أشخاص آخرين يبحثون عن ذويهم. وقد وجدت أختها الكبرى من خلال المجموعة التي تعقبت بعد ذلك والدها وبقية أفراد الأسرة. وفي حين التأم شملها بوالدتها وببعض أشقائها في مصر، مازالت بقية أفراد العائلة في السودان.
وقد اجتذبت الدردشة الجماعية مئات الأشخاص الآخرين الذين ما زالوا يستخدمونها لتتبع عائلاتهم التي لا تزال محاصرة في البلاد.
مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني دون أن تلوح في الأفق أي نهاية لها، سجلت المفوضية حتى الآن ما يقدر بنحو 500 ألف لاجئ سوداني في مصر.
من شأن هذا التدفق الكبير والسريع أن يرهق موارد وكالات الإغاثة، مما يجعل مبادرات مثل “مبادرة روح” حيوية من حيث توفير المساعدة المجتمعية والدعم النفسي والاجتماعي الحيوي لأولئك المجبرين على الفرار.
تقديراً لإيثارها وعملها المتفاني في مساعدة نظرائها من اللاجئين، تم اختيار ندى كفائزة إقليمية بجائزة نانسن للاجئ لعام 2024 عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تقول بابتسامة عريضة: “أنا سعيدة للغاية بفوزي بهذه الجائزة. لا يمكنني حتى وصف مقدار السعادة التي أشعر بها الآن”.
كانت في المركز عندما علمت بالخبر الذي لم يُعلن عنه بعد، وقالت وهي تضحك: “لقد أصابتني الدهشة وأردت الصراخ. لذا، ركضت إلى الشارع لأجد ركناً فيه وأصرخ. ثم عدت وكأن شيئاً لم يحدث”.
في المركز، بمجرد مغادرة آخر المرضى والأطباء، يتم إعادة ترتيب الغرف للاستعداد للأنشطة في اليوم التالي، والتي تشمل تدريب الشابات على كيفية الحياكة وصنع الحقائب القماشية، تليها جلسة علاجية باستخدام الفن للبالغين والشباب.
وتدير معظم الأنشطة مجموعة من المتطوعين من اللاجئين الشباب مثل خالدة عباس البالغة من العمر 24 عاماً، والتي قدمت لها ندى الدعم عندما وصلت إلى المدينة في المرة الأولى في مارس الماضي. وتقول: “أنا ممتنة لندى، فقد رحبت بي في هذا البلد. والآن فإنني أدرب الشابات على كيفية صنع الحقائب القماشية مرتين في الأسبوع”.
وتضيف: “ندى مثل أختي الكبرى. أحبها من كل قلبي؛ فهي قدوتي، وألجأ إليها للحصول على المشورة”.
وتشمل الأنشطة الأخيرة في اليوم جلسة للتبادل الثقافي، حيث يصل المزيد من الاشخاص، بما في ذلك المصريون والسوريون واللاجئون السودانيون، حاملين معهم مأكولات تقليدية وفواكه محلية الصنع. تنتشر رائحة القهوة الطازجة في الهواء جنباً إلى جنب مع أصوات الأغاني السودانية التي تُذاع على مكبر محمول للصوت.
وتقول ندى: “الجميع ينتظرون ذلك، حيث نجتمع مرة كل أسبوعين للاحتفال والرقص وتناول الطعام معاً وعزف الأغاني التي تتناول الوطن والسلام والحب”.
تأمل ندى في نهاية المطاف في توسيع نطاق عملها خارج مصر والوصول إلى المزيد من المحتاجين.
وتقول: “[يمكننا المساعدة] بقدر ما نستطيع بأشياء بسيطة. لماذا لا نبحث عن متطوعين في بلدان أخرى تعاني من المشاكل؟ سيكون ذلك أمراً رائعاً إذا تمكنا من مساعدة أكبر عدد ممكن من المحتاجين، أينما كانوا”.
شارك على الفيسبوك شارك على تويتر