رحلة نور من اليأس وانتظار نهاية الحياة إلى حاصلة على ليسانس حقوق ودبلومة تربية ومربية أجيال تدير حضانتها الخاصة بالإسكندرية.
“الحرب كانت نهاية حاجات كتير وبداية جديدة. صحيح، انتهى كل شي، بس باقي معايا 18 سنة من الذكريات والصحاب وبقايا حياة. بتذكر اضطرينا نطلع من سوريا اسبوع واحد قبل امتحاناتي بالثانوية، بتقدر تتخيل شو كان وضعي لما حسيت أن مستقبلي بينهار؟”
نور، لاجئة سورية تبلغ من العمر 28 سنة، أتت إلى مصر بعام 2013 لتكون نورًا لأجيال من الأولاد والبنات اللاجئين في مصر بسبب الحروب والنزاعات والاضطهاد.
قصة نور مع اللجوء لا تختلف كثيرًا عن قصص سيدات غيرها، فالزمن بالنسبة لهن توقف بعد أن تركن أوطانهن وحياتهن العادية مع الأهل والأصدقاء. لم تتمكن البعض من بينهن من أخذ أي شيء معهن في رحلتهن إلى مصر، ولكن نور كانت محظوظة بوالدتها التي رافقتها في رحلتها ليس فقط في اللجوء، ولكن أيضًا في رحلة بحثها عن ذاتها.
تقول نور: “كإنني كنت بحلم، تمنيت أن يكون لجوئي كابوس، وقررت أستنى الحياة تخلص بدون دراسة ولا مال ولا شي، لكن ماما ما استسلمت مثلي، وقدمت أوراق دراستي في مدرسة هون في مصر،” وأضافت قائله: “ماما يومها قالت لي، ما في أجمل من الوردة اللي بتطلع في الصحراء، وأنتِ يا نور إذا لمستي النجاح لمرة كل شيء راح يتغير.” تحكي نور عن والدتها، التي زرعت بداخلها الأمل من جديد، بكل فخر ولم تيأس بالرغم من ظروفهم المادية التي كانت صعبة في ذلك الوقت.
في عام 2014، بدأت نور التطوع بجمعيات أهلية مختلفة ووكالات الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين من خلال تقديم الدعم لهم والعمل كميسرة أطفال وتسليمهُم المساعدات المختلفة وتقول نور “كنت أشعر بالسعادة كل ما أقدر أساعد غيري لإني ما كنت قادرة أساعد نفسي.” وبعد نجاحها في الثانوية العامة، راود نور حلم الالتحاق بالجامعة، حيث كان هدفًا أساسيًا في حياتها بسوريا ولكن بعد اللجوء أصبح هذا الحلم ليس سهل المنال مع تراكم الصعوبات التي كانت تواجهها الأسرة.
استطاعت نور أن تلتحق بكلية الحقوق واستكملت أنشطتها من حيث دعم الأطفال وبدأت تشارك في دورات تدريبية حول سلوك الأطفال والتعامل معهم وتقديم الدعم لهم كما حصلت على دبلومة من كلية التربية وأصبح لديها كارنيه معتمد من قبل وزارة التضامن الاجتماعي ومنظمة يونيسيف. وكانت تلك الخطوة بمثابة نورا جديدا في حياة نور، حيث أسست حضانة تدمج فيها الأطفال سويًا وتقدم الدعم لذوي الاحتياجات الخاصة.
تلقت نور في بداية مشوارها الدعم من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من خلال مؤسسة كاريتاس، شريكة المفوضية، كما تبع ذلك دعم من جهات أخرى رأوا في نور نموذجا يحتذى به ويجب تشجيعه، حيث تعمل حضاناتها مع الأطفال من مختلف الجنسيات، بما في ذلك مصر وسوريا والسودان.
تستضيف مصر، حتى نهاية شهر فبراير من عام 2023، أكثر من 290 ألف لاجىء وطالب لجوء حوالي نصفهم من النساء التي تكافحن من أجل توفير حياة أفضل لأسرهن وتعملن بكل جد وأمل من أجل غد أفضل بالرغم من رحلة لجوئهن الشاقة. فبعد الفرار من الحرب أو الاضطهاد، تعد فرص العمل وكسب الرزق واحدة من الطرق الأكثر فعالية بالنسبة للاجئين واللاجئات لإعادة بناء حياتهم بكرامة وسلام. ولذلك تساعد المفوضية اللاجئين وطالبي اللجوء على إعالة أنفسهم وأسرهم من خلال تزويدهم بالتدريب ومساعدتهم في إيجاد سوق لمهاراتهم وسلعهم.
من خلال العمل الآمن، يمكن للأشخاص المجبرين على الفرار توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم والحفاظ على كرامتهم والمساهمة في المجتمع وكل ذلك يحقق أهدافهم الشخصية. بهذه الطريقة، يتمتع اللاجئون بفرصة إثراء مجتمعاتهم بخبراتهم ومهاراتهم مع الاستعداد لمستقبل أكثر إثمارا.
تعيش نور الآن مع أسرتها الصغيرة بمحافظة الإسكندرية، حيث تزوجت وأنجبت طفلين ليكملوا مسيرتها في الحياة، “كنت شخصا يائسا ينتظر نهاية الحياة، الآن أنا عندي أمل يساع الكون وصار من الصعب الانكسار مرة أخرى. ولذلك أقول لكل امرأة، وأولهن إبنتي، لازم تكوني قوية بذاتك،” هكذا كانت رسالة نور لكل السيدات التي مررن بظروف تشبه حياتها، حيث تتمنى أن تحصل كل اللاجئات على الفرص التي مكنتها من النجاح وتحقيق ذاتها.
شارك على الفيسبوك شارك على تويتر