أجبرت هذه الظروف المعيشية القاسية أحمد وأسرته على الفرار من سوريا وطلب اللجوء في مصر، ليستقروا بالقرب من مدينة الإسكندرية الساحلية.
يركض الطفل علي*، البالغ من العمر ثماني سنوات، مع إخوته نحو الحديقة العامة القريبة من المنزل، واضعاً كرة القدم تحت إبطه وتاركاً وراءه جده أحمد الذي آثر أن يأخذ قسطاً من الراحة على رصيف خرساني وتحت ظلال شجرة من النخيل.
في عام 2012، قُتل ابن أحمد الأكبر في سوريا، تاركاً وراءه طفلين صغيرين وزوجته الحامل. وعلى الفور، لم يتردد أحمد في ملء الفراغ الذي تركه غياب ابنه، ليرعى أحفاده ووالدتهم.
ولكن مع ازدياد خطورة الوضع في مسقط رأسهم في ريف دمشق، ازداد خوف أحمد على سلامة عائلته، بما في ذلك زوجته وابنه الذي يعاني من صدمات نفسيه وابنته وصهره وأحفاده، وقال: “لقد نزحنا مراراً وتكراراً في سوريا. نمنا على الورق المقوى في المدارس وعلى أرضيات رياض الأطفال. كانت الأغطية رقيقة جداً وكان الأطفال دائماً مرضى ويعانون من السعال”.
أجبرت هذه الظروف المعيشية القاسية أحمد وأسرته على الفرار من سوريا وطلب اللجوء في مصر، ليستقروا بالقرب من مدينة الإسكندرية الساحلية. يقول أحمد وهو يتأمل حياته كلاجئ مسن يبلغ من العمر ضعف عمر والد أحفاده: “اللاجئ هو شخص فقد معيشته بأكملها واضطر لأن يبدأ من الصفر”.
على الرغم من أن أحمد قد مارس دوره كأب لسنوات، إلا أن تربية أحفاده الثلاثة خارج الوطن عن عمر يناهز الـ 61 عاماً يمثل تحدياً كبيراً، حيث كان عليه أن يجد مدرسة لهم، وأن يصطحبهم للفحوصات الطبية والتطعيم وأن يوفر لهم قدر المستطاع طفولة آمنة وسعيدة. وقد كان لتمكنه من تسجيلهم في إحدى المدارس المصرية العامة أثر كبير في تخفيف بعض من الأعباء الملقاة على عاتقيه.
في عام 2012، منحت مصر السوريين فرصة الوصول إلى التعليم على قدم المساواة مع المواطنين المصريين؛ وهي فرصة مُنحت أيضاً لآخرين من السودان وجنوب السودان واليمن. ووفقاً للحكومة المصرية، فإن عدد الطلاب السوريين المسجلين في نظام التعليم العام يتجاوز 32,000. ومع ذلك، فإن استيعاب اللاجئين وطالبي اللجوء في المدارس قد زاد من الضغط الذي يعاني منه نظام التعليم العام المثقل أصلاً، حيث تعاني المدارس من أعداد تفوق قدرتها الاستيعابية ومن نقص في الكليات والمرافق.
بالإضافة إلى ذلك، يستفيد اللاجئون السوريون من وسائل النقل المدعومة حكومياً ومن الوصول إلى نظام الصحة العامة بنفس التكلفة التي يتحملها المصريون. ويمثل هذا التقاسم للخدمات العامة والدعم الحكومي تحديا إضافياً للاقتصاد المصري الذي يمر بإصلاحات كبيرة.
بينما تواصل مصر استضافة اللاجئين وطالبي اللجوء بسخاء، مثل أحمد الذي تمكن من إرسال ابنه الأصغر وحفيده الأكبر لتلقي الدعم النفسي والاجتماعي المهني في إحدى المستشفيات العامة في حي العجمي في الاسكندرية، لمساعدتهم على التغلب على الصدمة النفسية للحرب والانفصال، فإن الدعم الدولي يعتبر حيوياً للحفاظ على هذه المستويات من الدعم.
لذا فقد ناشدت الحكومة المصرية هذا العام للحصول على ما يقرب من 151 مليون دولار من المجتمع الدولي لدعم مؤسسات الدولة التي تستجيب لاحتياجات اللاجئين السوريين من الحماية والتعليم والصحة ولتقديم خدمات واسعة وعالية الجودة لكل من اللاجئين والمجتمع المضيف. في السنوات السابقة، تلقت مصر أقل بكثير مما منحه المجتمع الدولي للبلدان الأخرى في المنطقة التي تستضيف اللاجئين السوريين وذلك في أعقاب مؤتمري بروكسل الأول والثاني، وهو مؤتمر سنوي حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”.
يوجد حالياً أكثر من 247,000 لاجئ وطالب لجوء من المسجلين لدى المفوضية في مصر، من ضمنهم 133,000 سوري، رغم أن الحكومة تقدر بأن عدد اللاجئين غير المسجلين من أصول مختلفة أعلى من ذلك بكثير ليصل إلى 5 ملايين شخص. وقد شهدت النزاعات المستمرة وحالة عدم الاستقرار في اليمن والسودان وجنوب السودان والقرن الإفريقي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى زيادة في عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر بنسبة 24% في العامين الماضيين.
وعلى الرغم من حسن الضيافة التي تبديها مصر ودعمها للاجئين، بما في ذلك توفير التعليم المجاني والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية على قدم المساواة مع المصريين، إلا أن العديد من اللاجئين يصارعون من أجل توفير الطعام لأسرهم، وإرسال أطفالهم إلى المدرسة والحفاظ على مسكنهم. وفي الأسبوع الماضي، حذرت المفوضية من أن هذه الزيادة في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء، إلى جانب نقص التمويل الذي تعاني منه عمليات مكتبها في مصر، تترك الكثير من اللاجئين دون الاستفادة من الدعم والحماية الضروريين. كما يغرق الكثيرون في الديون ويعلقون في براثن الفقر، مما يجبرهم على اللجوء إلى تدابير يائسة من أجل البقاء، مثل عمل الأطفال والزواج المبكر أو اللجوء إلى الشارع.
في ضوء ذلك، تدعو المفوضية أعضاء المجتمع الدولي إلى رفع مستوى دعمهم للحكومة المصرية لمواءمة الجهود المبذولة من أجل توفير الرعاية للاجئين والمجتمع المضيف على نطاق أوسع.
* تم تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية.
شارك على الفيسبوك شارك على تويتر