محمود بدء مشروعه الخاص بالإسكندرية من خلال المنحة المالية المقدمة من المفوضية من أجل تحسين وضع اللاجئين في مصر.
“هربت من سوريا أنا وعائلتي وفور وصولي إلى الإسكندرية، توجهنا إلى المفوضية للتسجيل لديها من أجل الحصول على الحماية الدولية وتصريح ساري للإقامة في مصر.”
بهذه العبارة بدأ محمود، وهو خياط يبلغ من العمر 34 عاماً، يروي قصته، فقد كان يمتلك مصنعًا للملابس في دمشق، وكان يديره مع إخوته حيث كانوا جميعاً يحترفون الخياطة. إلا أن محمود اضطر أن يتخلى عن كل شيء، بما في ذلك المصنع، وهرب من وطنه بحثًا عن الأمان.
اتسمت سنواته الأولى في الإسكندرية بالصعوبة، حيث كان عليه العمل في مطعم ليتمكن من تأمين دخل ثابت لتلبية احتياجات أسرته الأساسية.
تستضيف مصر أكثر من 267 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 50% من بينهم سوريين. وتعد إتاحة فرص العمل وكسب الرزق واحدة من المشاكل الأساسية التي تواجه اللاجئون، مما يعوق من قدرتهم على دفع إيجار المسكن وتوفير الطعام وحياة كريمة لأسرهم. فدخل معظم اللاجئين لا يكفي غالباً توفير الاحتياجات الأساسية ويجعلهم دائماً في وضعية الصراع من أجل البقاء.
في عام 2016، قرر محمود محاولة استئناف شغفه، وحصل على عمل بدوام جزئي في مصنع ملابس يملكه شخص مصري، وفي خلال عام واحد، أثبت محمود إنه خياط استثنائي حيث قام بتصميم وإنشاء خط ملابس جديد في المصنع والذي لاقى نجاحًا، مما شجع صاحب المصنع على شراء ماكينات إضافية لزيادة الإنتاج.
وفي خلال هذه الفترة بدأ محمود يحلم بشراء ماكينات خياطة لتأسيس ورشته الخاصة، ولكنه شعر بأن الحلم بعيد المنال، فهو بالكاد يوفر احتياجات أسرته الأساسية. ولكن جاءت إلى محمود الأخبار السارة عن وجود منح لمشروعات اللاجئين تقدمها هيئة كاريتاس وبتمويل من المفوضية. وفي عام 2017، وبعد تقديمه لطلب الحصول على المنحة، تم قبول تمويل مشروعه من قبل المفوضية. فبجانب القيمة المالية للمنحة، تقوم المفوضية بدعم اللاجئين وطالبي اللجوء من خلال تدريبهم لتنمية مهاراتهم وإيجاد سوق لبيع منتجاتهم.
وبدأ محمود بالفعل في تأسيس ورشته، بالدعم الذي تلقاه عن طريق هيئة كاريتاس، واشترى ثلاث ماكينات خياطة وبدأ أصدقائه المصريين والسوريين في التسويق لمنتجاته.
دائماً ما كان المصريون يرحبون بوجودي ويدعمونني وهذا شجعني على تدريب وتوظيف مصريين في ورشتي
يقول محمود “لقد بدأت في التوفير من دخلي لشراء ماكينات مختلفة المهام وقمت بتدريب بعض أصدقائي المصريين على استخدام ماكينات الخياطة وبعض الفنيات الأخرى لكي تصبح الخياطة مصدر دخل لهم،” ويضيف “دائماً ما كان المصريون يرحبون بوجودي ويدعمونني وهذا شجعني على تدريب وتوظيف مصريين في ورشتي.” لذا تمكن محمود من تعليم فنيات الخياطة لأكثر من 100 مصري ومصرية في خلال عامين فقط.
علم محمود لاحقاً أن مفوضية اللاجئين تقوم بتوفير منح للمشروعات الصغيرة الناجحة بهدف دعم توسعها، فقام بالتقديم فوراً وتحققت أمنياته عندما قامت المفوضية وكاريتاس بالموافقة على طلبه بعدما قاموا بزيارة مشروعه وتقييم دراسة الجدوى التي قدمها.
وفي خلال وقت قصير زاد عدد الماكينات وأصبحوا 30 بالإضافة للأدوات والمواد الخام الخاصة بالإنتاج، وأصبح مصنع محمود ملاذ للمصريين والسوريين، إلا أن جائحة كوفيد-19 ضربت البلاد وتأثرت العديد من المشروعات الصغيرة بقيود الإغلاق وتوقف الطلبات، وكان مشروع محمود واحد من ضحايا الجائحة.
“قبل كورونا كنت وصلت بفضل مساعدة المفوضية والعمل المستمر إلى 30 ماكينة خياطة وأصبح لدي مصنعًا، ولكن بسبب الإغلاق وانخفاض الطلبيات اضطررت لخفض حجم الإنتاج وعدد الماكينات والعمال واحتفظت فقط ب 10 ماكينات حتى تمر الأزمة. ويعمل معي حالياً 3 عاملات سوريات و15 عاملة مصرية.”
ويبقى محمود واحدًا من اللاجئين وطالبي اللجوء الذين تأثر عملهم بالجائحة، إلا إنه مازال يأمل في أن يعاود نشاطه كما كان قبل الجائحة لتعويض الخسائر التي حدثت لمشروعه، كما يحاول دائماً أن يحافظ على ابتسامته أمام كل الصعاب التي تواجهه، على أمل في تحسن الظروف مستقبلاً.
شارك على الفيسبوك شارك على تويتر