رياضي لاجئ ومرشده يتحدان سعياً للميدالية الذهبية في الألعاب البارالمبية
رياضي لاجئ ومرشده يتحدان سعياً للميدالية الذهبية في الألعاب البارالمبية
وقال أتانغانا: "لقد تأثرت جداً وشعرت بالسعادة عندما أعلمني رئيس اللجنة البارالمبية بهذا [القرار]. تعتريني الحماسة، ويمكنني تصور الأمر في ذهني؛ وأرى نفسي محرزاً البطولة ومحققاً لأحلامي ".
لتفهم أهمية ذلك بالنسبة إلى جونيور، علينا أن ننظر إلى الرحلة المذهلة التي قام بها كرياضي بارالمبي لاجئ، وما حققه في ميدان السباق.
في مضمار الجري في بلدة كليكهيتون الصغيرة في غرب يوركشاير في شمال إنجلترا، قبل شهر من دورة الألعاب البارالمبية في باريس 2024، يتجاهل الأشخاص من كافة الأعمار هطول الأمطار الصيفية الغزيرة للتدريب استعداداً لمباراة دوري ألعاب القوى في ذلك المساء.
يتدرب البعض على الانطلاق من المنصات الثابتة، بينما يركض آخرون حول المضمار. وسط هذا المشهد، يبرز شابان وهما يقومان بسلسلة من تدريبات الركض السريع المفاجئ، والقفز، والركلات العالية، وتمارين ثني الركبة بانسجام، وهما متصلين برباطٍ قصير على نهايتيه حلقتان يمسك كل منهما بواحدةٍ منهما.
أحد هذين الرجلين هو العداء اليافع – جونيور – الذي يعاني من ضعف البصر وله من العمر 25 عاماً، والآخر هو مرشده دونارد، ذو الـ32 عاماً من العمر، وهما سينافسان في دورة الألعاب البارالمبية في باريس 2024، في سباقات الـ400 متر لفئة الكفيفين (T11)، كجزءٍ من الفريق البارالمبي للاجئين. (يعاني الرياضيون في فئة T11 من ضعف شديد في البصر ويتنافسون معصوبي العينين برفقة عدّاء مرشد).
سيشارك جونيور في وقت لاحق من الدورة في سباق الـ100 متر مع مرشده إسرائيل ملاخي هاريسون.
معاً – إلى جانب سبع رياضيين بارالمبيين آخرين يشاركون في ست رياضاتٍ مختلفة – هما جزء من أكبر فريق بارالمبي للاجئين، ويأملان بأن يبنيا على نجاح الفريق الأولمبي للاجئين في باريس، ويمثلا آمال وطموحات أكثر من 120 مليون شخصٍ نازحٍ قسراً حول العالم؛ بما في ذلك ما يقدر بـ18 مليون منهم من ذوي الإعاقة.
طموحات كبيرة
في سباقهما الأخير قبل الألعاب، ذهب الرياضيان إلى كليكهيتون للتنافس ضد رياضيين ليسوا من ذوي الإعاقة في سباق الـ200 متر. ويشجعهم من خارج مضمار السباق زملاؤهم في نادي برادفورد وكايجلي وسكيبتون لألعاب القوى لذوي الإعاقة حيث يتدربون، بالإضافة إلى مدربتهم جانيت أليسون أركرايت، التي بدأت العمل معهما بعد وقت قصير من وصولهما إلى المملكة المتحدة كطالبي لجوء في أكتوبر 2022.
في ذلك الوقت، لم يكن جونيور يتحدث اللغة الإنكليزية إطلاقاً، بينما عانى دونارد حينها من إصابة في عضلة الفخذ رباعية الرؤوس، الأمر الذي صعب عليه المشي أو الجري.. ومنذ ذلك الحين، حققا "تقدماً هائلاً".
وقالت أركرايت: "هما الآن واثقان من قدراتهما، هذا هو الفرق الأكبر.. إنهما أقوى وأكثر سعادةً، ويؤمنان بقدرتهما على تحقيق إنجاز".
لا تقصد أركرايت بـ"الإنجاز" الفوز بميداليةٍ في باريس فحسب، بل تحطيم الرقم القياسي العالمي لسباق الـ400 متر لفئة المكفوفين (T11).
إن مشاهدة انطلاقهما من نقطة البداية وتجاوزهما لجميع الرياضيين للفوز بالسباق في أفضل وقت شخصي، لا يبدو أمراً بعيد المنال، إذ اقترب الثنائي بالفعل من منصة التتويج، بعد إحرازهما للمركز الرابع في سباق الـ400 متر لفئة المكفوفين (T11) خلال دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو 2020 حيث مثلا بلدهما.
وقال جونيور بعد السباق في كليكهيتون: "أريد الفوز بالميدالية الذهبية في باريس.. لدي كل ما أحتاجه – هنا في المملكة المتحدة – لأبرع في مسيرتي الرياضية وأشعر بأنني مستعد".
شغف بالرياضة
عندما كان فتىً صغيراً يترعرع في غرب إفريقيا، كان طموح جونيور الوحيد هو أن يصبح أعظم لاعب كرة قدم في العالم. ولكن في سن الثامنة، بدأ قدرته على الرؤية تتدهور، وبحلول سن الثانية عشرة، فقد بصره تماماً.
وقال: "لم أغادر غرفتي لشهور عديدة. كنت أحسب بأن كل شيء قد انتهى بالنسبة لممارستي للرياضة.. لكنني تعرّفت على صديقٍ ساعدني وبدأت أمارس الجري".
ساعد الجري في استعادة جونيور لثقته بنفسه ولشغفه بالرياضة، واستطرد قائلاً: "لم يكن فقداني لبصري بالأمر السهل، كنت أشعر بالقلق عند المشي.. لكن عندما بدأت أركض، لم أكن أخشى شيئاً".
بدأ جونيور العمل مع مدربٍ أصبح لاحقاً مرشده في الجري، وتمكنا معاً من الفوز بالعديد من الميداليات في المسابقات الدولية. وفي النهاية، تفوق جونيور بالسرعة على مدربه، وبدأ يبحث عن مرشد جديد. ووجد ضالته في دونارد نديم نيامجوا – وهو بطل وطني في سباق 800 متر، وكان يعيش في مكانٍ قريب، كما كان مستعداً لمحاولة أن يكون عدّاءً مرشداً.
"نحن كأخوين"
قالت أركرايت بأنّ دور العدّاء المرشد يتطلب التحلي بخصالٍ معينة، وتابعت: "عليه أن يتمتع باندفاعٍ يعادل العدّاء الرئيسي، لكن يتوجب أيضاً ألا ينسى بأن دوره داعمٌ فقط.. وبأن يركز على الرياضي الرئيسي".
بالنسبة لدونارد – وهو أكبر بسبع سنواتٍ من جونيور – يتعلق الأمر أيضاً باللياقة البدنية، وقال مبتسماً: "لإرشاد رياضي مثل جونيور، يجب أن تكون على قدر المسؤولية.. عندما أنهي التدريب معه، أطلب من المدرب إعطائي المزيد من التمارين لأنه عليّ أن أضاهي سرعته في الركض".
يتطلب الجري المتزامن تدريباً مستمراً ورابطاً قوياً بين العدّائين. وكانت إصابة دونارد أكبر التحديات التي واجهتهما معاً.. وقال جونيور: "لم يكن التدريب سهلاً.. إذ كان علينا تعديل الكثير من التمارين".
تضمن التعديلات على التمارين استخدام دونارد لصوته لتوجيه جونيور ومساعدته على استخدام آلة المشي.
منذ انتقاله إلى المملكة المتحدة وارتباطه بعامل دعم للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، تعلم جونيور أيضاً كيفية المشي باستخدام عصا بيضاء، والقيام بمهام أخرى بنفسه مثل ركوب القطار أو الحافلة أو إعداد مشروب ساخن لنفسه. وهو يدرس اللغة الإنجليزية ولغة برايل في كلية محلية، بينما يدرس دونارد تكنولوجيا المعلومات واللغة الإنجليزية. يمكن للرجلين الآن أن يعيشا حياة أكثر استقلالية، على الرغم من أنهما لا يزالان يتقاسمان غرفةً في منزل عائلة المدربة المساعدة في نادي "برادفورد وكايجلي وسكيبتون" المدعوة فال لايتوولر؛ التي استقبلتهم في ديسمبر الماضي عندما كانا يعانيان في الوصول إلى التدريب من سكن طالبي اللجوء.
وقال دونارد: "نحن كأخوين لأننا نعيش معاً منذ نحو ثلاثة أعوام.. لدينا خلافاتنا وقد تعلو أصواتنا لكننا أيضاً نبكي معاً".
لقد ساعدتهما الرياضة، وتصميمهما على المنافسة في دورةٍ أخرى من الألعاب البارالمبية، في تجاوز أصعب اللحظات التي عاشاها، وقال جونيور: "عندما وصلت إلى هنا، لم أكن أعرف أحداً، ولم يكن اعتياد الطقس بالأمر اليسير.. لكنني أشعر بالسعادة كلما أذهب للتمرين، وأقضي يومي مع الرياضة".
بمشاركته في ألعاب باريس 2024، يريد جونيور أن يبعث برسالةٍ للاجئين الآخرين والأشخاص من ذوي الإعاقة بأن "كل شيءٍ ممكن".
واختتم حديثه قائلاً: "عليك التحلي بالصبر والإيمان بالله والثقة بقدراتك. أريد أن أبيّن للعالم بأن فقدان البصر ليس النهاية، إذ ما زال بإمكانك إنجاز الكثير".