في مخيم للاجئين، فتيات يتسلحن بالعلم لتغيير واقعهن
في مخيم للاجئين، فتيات يتسلحن بالعلم لتغيير واقعهن
في اليوم الأول من الفصل الدراسي في إحدى المدارس الثانوية في صحراء شمال كينيا، تقود الفتاة إستير زملاءها الطلاب أثناء صلاة جماعية في الفناء.
إنها الساعة 7:15 صباحاً، وقد دخل الجميع إلى الصفوف منذ أكثر من ساعتين.
تقول إستير، وهي من جنوب السودان، للـ340 تلميذة، وجميعهن فتيات و90% منهن لاجئات، وقد وقفن تحت الشمس المشرقة في زيهن الأنيق المؤلف من تنانير الترتان الزرقاء والقمصان الفيروزية اللون: "لستُ بحاجة لأن أذكركن بأن هذا الوقت هو وقت الامتحان. متى أنهيتن هذا الامتحان، اذهبن وادرسن للتالي. لا تتلكأن، فنحن نحتاج جميعاً في هذا الوقت إلى التركيز".
توفير التعليم للأطفال واللاجئين المراهقين أينما وجدوا الأمان هو خدمة إنسانية أساسية، إلا أن العديد منهم لم يحظوا بهذه الفرصة. وإستير التي تبلغ من العمر 18 عاماً لم تلتحق بالمدرسة منذ أواخر عام 2008 حتى أوئل عام 2011.
أجبرها انعدام الأمن المستمر في جوبا، عاصمة جنوب السودان، على الفرار إلى كينيا مع والدتها وشقيقتيها الأكبر منها سناً. تطلّب منها إعداد الأوراق الرسمية لمواصلة تعليمها في مخيم كاكوما للاجئين بالقرب من الحدود مع جنوب السودان عامين آخرين.
اليوم، استطاعت التعويض عما فاتها وتعد من ألمع التلميذات في مدرسة مورنو شيبيل الثانوية للبنات، وهي مدرسة داخلية تديرها المفوضية وتمولها شركة موارد بشرية كندية. إنها على وشك إنهاء دراستها الثانوية في العام 2017 بعلامات تضمن لها مكاناً في الجامعة.
"هنالك الكثير من الأشخاص الذين لا يحققون ذلك، لكنني أثق كثيراً بنفسي".
وقالت إستير: "ليس للفقراء حق في الاختيار، لكنَّ أمنيتي وحلمي أن أدرس الطب في كندا وأتخصص في جراحة الدماغ، لأكون أول طبيبة جنوب سودانية متخصصة في جراحة الأعصاب". مثالها الأعلى بن كارسون، وهو جراح أعصاب أميركي ومرشح سابق للرئاسة الأميركية، وجدت سيرته الذاتية في مكتبة المدرسة.
وأضافت مبتسمةً: "يسألني الناس: هل ستحققين ذلك فعلاً؟ أجيبهم، انتظروا لتروا. نعم، هنالك الكثير من الأشخاص الذين لا يحققون ذلك، لكنني أثق كثيراً بنفسي."
تحدت إستير إلى اليوم مصاعب كثيرة لتصل إلى ما هي عليه. دمّرت الحرب طفولتها وأجبرتها على الفرار من منزلها عندما كانت في العاشرة. وفرص اللاجئين لإكمال دراستهم الثانوية ضئيلة، خصوصاً بالنسبة للفتيات. وتتاخم فرصة الوصول إلى الجامعة حدّ الخيال وفق الإحصاءات. فواحدة فقط من أصل 100 لاجئة في العالم تصل إلى مرحلة التعليم العالي.
هنالك حوالي 74,000 طفل في سن الدراسة في كاكوما، ولكن أقل من واحد من أصل أربعة يصل إلى المدرسة الثانوية. والاحتمالات للفتيات أسوأ: فواحدة فقط من أصل 10 تصل إلى المدرسة الثانوية. ووفق تقاليد المجتمع الذي تنتمي إليه إستير، توقف الفتيات عن الدراسة في سن مبكر للمساعدة في الأعمال المنزلية، أو يُزوجن وهن مراهقات ليكسبن مهراً مربحاً لأهلهن.
وبصرف النظر عن القضايا الثقافية، يشكل حجم الصف عقبة أُخرى. في مدرسة مقديشو الابتدائية في كاكوما، إحدى المدارس الاثنين وعشرين التي تغذي المدارس الثانوية الخمس في المخيم، هنالك 31 معلماً لـ2,661 تلميذاً. صفوف الفئات الثلاثة الأصغر لا مكاتب فيها ولا كراسٍ، ويجب على الطلاب أن يجلسوا على الأرض الترابية.
وعلى الرغم من ذلك، يتحدث جوزف ويياكي، مدير المدرسة، بفخر عن نتائج العام الماضي، ويقول: "تقدم 101 من تلاميذنا إلى الامتحانات الرسمية. وحقق 100 منهم النجاح". والمعدل الوطني الكيني هو 75%.
ومن المتوقع أن ينجح 4000 تلميذ في المدارس الابتدائية وينتقلوا إلى المرحلة الثانوية هذا العام، لكنّ الأماكن المتاحة لا تتعدى الألف في المدارس الثانوية الخمس. وفي محاولة لاستيعاب الجميع، قسمت إحدى المدارس طلابها إلى مجموعتين، مستخدمة الصفوف والمرافق نفسها لإلحاق مجوعة من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، والمجموعة الثانية عشرة ظهراً وحتى السادسة مساءً. وتقاسي بعض المدارس الأُخرى مع 80 تلميذاً في الصف، أي ضعف الحد الأقصى الموصى به.
وقالت إيرين كينيانجوي، مديرة مدرسة مورنو شيبيل الثانوية حيث تتعلم إستير: "نعم، هم لاجئون، لكنهم أطفال مثل جميع الأطفال في كافة أنحاء العالم. التعليم مصدر أملهم الوحيد بأنهم سيكونون قادرين على تغيير حياتهم والنجاة من وضعهم هنا".
"التعليم مصدر أملهم الوحيد بأنهم سيكونون قادرين على تغيير حياتهم"
وخارج الفصل الدراسي، تبقى إستير مع قريبتها ربيكا نياندنغ، البالغة من العمر 31 عاماً، في منزلها المشيد من الطين والمسقوف بالصفيح في المخيم. لربيكا ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أعوام و17 عاماً. تصلح الثياب لتكسب رزقها، مستخدمة آلة خياطة قديمة تعمل بدواسة رِجْل. في أفضل الأشهر، تكسب 30 دولاراً أميركياً.
وقالت ربيكا: "كنت أود لو ذهبت إلى المدرسة، لكن والديّ أجبراني على الزواج وكنت فقط في الرابعة عشرة. لو تمكنت من متابعة تعليمي، لكان وضعي أفضل حالاً اليوم".
في مدرسة مورنو شيبيل، انتهى التجمع وسارعت الفتيات لامتحانهن التالي. وبالنسبة لإستير، فهو امتحان مهم: علم الأحياء. خلف ثقتها، تخفي مخاوف كبيرة.
وتقول: "إلى الآن، يجب أن نكون قد تعلمنا تشريح الفئران. فعلوا ذلك في مدارس أُخرى، لكننا نفتقر هنا إلى المرافق والمواد الكيميائية والمشارط. أتمنى فعلاً لو تمكنا من تعلم ذلك قبلاً. قد نكون تأخرنا جداً. لم نتأخر، أليس كذلك؟".